المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏بهجت قرني
د‏.‏بهجت قرني

أسوأ من أزمة مصر

الثلاثاء 04/مارس/2014 - 10:50 ص
مع تشكيل وزارة جديدة والآراء المتعارضة حول رئيسها وبعض أعضائها، يزداد قلق المصريين، وعن حق على بلدهم.
فهذه هى الوزارة السادسة منذ 25 يناير، أى بمعدل وزارة كل ستة شهور، وهو معدل عال يدل على عدم الإستقرار. ثم بالرغم من إجتهاد كثير من الوزراء، فإن كشف الحساب لكل وزارة من هذه الوزارات هو سلبى فيما يتعلق بالتحديات التى تواجهها مصر، من أمن إلى إقتصاد إلى تعليم إلى حتى مسيرة الحياة اليومية. يكفى أن مشكلتين محددتين من أهم المشاكل الأنية التى يواجهها الوطن لم تتطور قيد أنملة: مشكلة سد النهضة مع أثيوبيا ومشكلة إسترداد الأموال المهربة، وهى مشكلات حياتية بمعنى الكلمة، ويكفى الإخفاق فى كل منهما ليس فقط لطرد مسئولين بل تقديمهم للمساءلة والمحاسبة وحتى المحاكمة، فالتقدم مثلا فى إسترداد أموال مصر المنهوبة كفيل بمواجهة جزء كبير من ديونها الخارجية والقضاء على عجز الميزانية الذى يبلغ الآن 240 مليار جنيه أو نحو 35 بليون دولار، أو 18% من الناتج الإجمالى القومى. كل هذا صحيح.
ومع ذلك فمن المفيد النظر حولنا من وقت إلى آخر والترحال ـ جسديا أو فكريا ـ نحو تجارب المرحلة الإنتقالية فى بلاد أخرى لكى نرى أن المعاناة ليست حكرا علينا، بل هى جزء لا يتجزأ من عملية التحول نفسها، وهكذا نقلل من اليأس التى قد يشعر به بعضنا، بل تجنب أن نقع فى مزالق الآخرين وتزداد ثقتنا بأن مشكلتنا قد تكون أقل تعقيدا وأكثر قدرة على الحل.
لا تحتل مشاكل مصر المكانة الأولى حاليا فى الإعلام العالمى، تسبقها فى ذلك على المستوى الإقليمى سوريا وقتلاها ومأساة لاجئيها، ولكن تسبق سوريا حاليا الأزمة الأوكرانية، بالرغم من أن أوكرانيا أغنى من مصر وأكثر تقدما تكنولوجيا، حيث الأسلحة النووية على أراضيها، إلا أن أزمتها الحالية بدأت منذ ما يقرب من ربع قرن ولا تزال مستمرة دون حل، بل يبدو أنها تزداد سوءا. ودون الرجوع إلى التاريخ القديم ومحاولة أوكرانيا الحفاظ على إستقلالها، فإن أزمة التحول الحالية بدأت فى 24 أغسطس عام 1991 مع إنهيار الاتحاد السوفيتى. وبالتالى حصول أوكرانيا على إستقلالها مثل بقية الدول التى كانت جزءا من هذه الإمبراطورية السوفيتية. ومنذ ذلك التاريخ تتعاقب الأزمات بل وتشتد، تقريبا كل إنتخابات رئاسية تدخل فى متاهات ويتم التشكيك فى نزاهتها، وسط إتهامات متبادلة بالفساد. ويكفى مثل واحد لتوضيح هذه الصورة البائسة.

فمثلا أصبحت سيدة الأعمال الجميلة ـ لوليا تيمو شنكو ـ أول رئيسة للوزراء فى تاريخ هذا البلد فى تاريخ فى ديسمبر سنة 2007، بل وعندما رشحت نفسها فى الآنتخابات الرئاسية فى سنة 2010، حازت على أكثر من 42% من الأصوات، ومع ذلك تم القبض عليها فى أغسطس سنة 2011 بتهمة الكسب غير المشروع وإهدار المال العام، ثم أدينت وتم الحكم عليها بالسجن لمدة سبع سنوات. غير أن مسئولى الإتحاد الأوروبى احتجوا على هذه المحاكمة وإعتبروها سياسية أكثر منها جنائية، وفى الأسبوع الماضى تم الأفراج عنها وهى تستعد الآن لخوض الإنتخابات الرئاسية فى شهر مايو القادم.
أما رئيس الجمهورية المنتخب ـ فيكتور لانو كوفتش ذو الثلاثة والستين عاما ـ والذى فاز على لوليا تيمو شنكو فى عام 2010 ـ فهو هارب خارج البلاد بعد أن عزله البرلمان الأوكرانى، وبعد أن انتشرت صور الثراء الفاحش والفساد فى بناء قصوره بمفاتيح من الذهب الخالص وحدائق تستورد الحيوانات البرية والطيور النادرة فى حدائقها الشاسعة، وبجانب صور الفساد هذه، فإنه متهم أيضا بقتل المدنيين الذين نزلوا للشوارع إعتراضا على حكمه.
أين لجأ هذا الرئيس قبل القبض عليه ومحاكمته؟ ذهب إلى روسيا وهو الآن فى حمايتها،بل إنه طلب دعمها للعودة إلى السلطة، وهناك تحرك عسكرى روسى فى هذا الاتجاه بزعم حقها فى حماية الأقلية الأوكرانية من أصل روسى والتى تتركز فى شرق البلاد، وخاصة بالقرب من القرم. ومنطقة القرم لها ذكرى خاصة عند المصريين عندما هبت مصر لنجدة الدولة العثمانية فى عام 1853 والدفاع عنها فى مواجهة التحرش الروسى بمنطقة القرم، وفقد الأسطول المصرى آنذاك حوالى 1920 من رجاله، ولكن تم هزيمة الروس وحماية الإمبراطورية العثمانية.
تأتى القوات الروسية مرة أخرى إلى هذه المنطقة، رغم تحذيرات أوباما والاتحاد الأوربى، خاصة أن أوكرانيا فى مفاوضات للإنضمام لهذا الاتحاد، وهو ما لا تريده روسيا. وهكذا أصبحت أوكرانيا مسرحا للتدخلات الخارجية، حتى أكثر مما يحدث فى سوريا، وكأننا نعود إلى أيام الحرب الباردة، هذا بالإضافة إلى التعقيدات العرفية التى توجد فى كل من أوكرانيا وسوريا.
لحسن الحظ لا تعانى عملية التحول الديمقراطى فى مصر من أى من هاتين العقبتين: التشتت العرقى والتدخل العسكرى المباشر من جانب القوى الكبرى. ألم أقل أن هناك ما هو أسوأ من أزمة مصر بكثير؟


 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟