المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الدكتور على الدين هلال يكتب: آفاق عملية الانتقال الديمقراطي في مصر

الخميس 13/مارس/2014 - 10:38 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. علىّ الدين هلال
"اتسمت الائتلافات والحركات بتعددها وتنوع قياداتها، وعدم وجود برامج عمل لها سوى الشعارات العامة عيش.. حرية .. عدالة اجتماعية .. وكرامة إنسانية"

تشير الدراسات المقارنة لعمليات الانتقال الديمقراطي في عديد من دول العالم إلي نتيجتين رئيسيتين: الأولى، أن سقوط النظام التسلطي في دولة ما وبدء عملية الانتقال الديمقراطي فيها لا يضمن بالضرورة استمرار العملية ونجاحها، فقد تؤدي إلي إعادة إنتاج النظام القديم بشكل جديد، وقد تقود إلي مرحلة طويلة من عدم الاستقرار السياسي والتفكك الاجتماعي، أو إقامة شكل من نظم الديمقراطية الشكلية أو الإجرائية غير الممثلة للمصالح الشعبية، وقد تضع الأساس لنظام ديمقراطي حقيقي. والثانية، إن الطريقة التي تم بها تغيير النظام القديم وعما إذا كان نتيجة خطوات تدرجية قام بها النظام الحاكم، أو نتيجة مفاوضات بين الحكم وقوى المعارضة والتغيير، أو نتيجة ثورة أو انتفاضة شعبية. وهكذا، فإن أسلوب التغيير وأداته يؤثران على سمات المرحلة الانتقالية.

تأسيسياً على هاتين النتيجتين، يهدف هذا المقال إلي عرض بعض التصورات والأفكار عن الحالة المصرية:

1.    سمات أداة التغيير:

في مصر، جاء التغيير سريعاً وأطلق قوى شعبية اجتماعية من عقالها غيّرت من علاقة المجتمع بالدولة ومن علاقة المواطن بالسلطة، وأسقطت حاجز الخوف من الحكومة، ووسعت نطاق المشاركة السياسية والاجتماعية للأفراد والجماعات.

كانت أداة التغيير هي مجموعة من الحركات الاجتماعية الاحتجاجية التي استخدمت أساليب المظاهرات والمسيرات والاعتصامات، واتسمت بطابعها الشعبي القاعدي، وبقدرتها على التعبئة الاجتماعية. اتسمت هذه الحركات بتعددها (ائتلافات شباب الثورة) وتنوع قياداتها، وعدم وجود برامج عمل لها سوى الشعارات العامة "عيش.. حرية .. عدالة اجتماعية .. وكرامة إنسانية"

الإشكالية الكبرى التي ظهرت بعد إسقاط النظام أن الذين فجروا الثورة لم يتسلموا الحكم، ولم يشاركوا فيه بأي شكل ملحوظ، بينما برز دور جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الدينية الأخرى التي كانت أكثر تنظيماً وخبرة سياسية، وامتلاكاً لعوامل مرجِحة أخرى.

2.    تبني القوى المدنية لاختيارات غير محسوباً نتائجها:

زاد من صعوبة عملية الانتقال الديمقراطي عدم دراية الأحزاب والائتلافات المدنية بالنتائج المترتبة على تبني اختيار بديل قانوني أو مؤسسي ما، ومثال ذلك احتشاد تلك القوى ودعوتها لأن تكون الانتخابات البرلمانية بنظام القوائم دون إدراك أن المستفيد الأول من ذلك هو الأحزاب الدينية، كما ارتكبت الائتلافات الشبابية خطأ آخر، وهو المبالغة في الدعوة إلي مليونيات متكررة لم يستجب لها سوى أعداد محدودة مما أظهر ضعف هذه القوى أمام الأعداد الهائلة التي شاركت في المليونيات التي دعت إليها الأحزاب الدينية.

3.    ضعف روح التوافق والقدرة على المفاوضة:

لم يتوفر على جانب القوى المدنية قيادات تمتلك رؤية واضحة للهدف من العملية السياسية وتصوراً لمراحلها، بل غلب عليها إما طابع الاندفاع العاطفي الثوري أو التشدد الإيديولوجي الذي أدى عادة إلي التصلب في المواقف وعدم امتلاك قدرات المفاوضة والمساومة. من ناحية أخرى، كان لدى الإخوان المسلمين– وحلفاؤهم - هذه المرونة والتمييز بين المراحل.

4.    الصراع على السلطة وانتهازية المواقف:

اتسمت الفترة الأولي من المرحلة الانتقالية التي انتهت في 30 يونيو 2012 بانتخاب الرئيس محمد مرسي بصراع ثلاثي على السلطة كانت أطرافه: المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان المسلمين – ومؤيديهم - والقوى المدنية، وتبدلت التحالفات بين الأطراف الثلاثة أكثر من مرة.

وفي هذا السياق، تأرجحت مواقف أحزاب التيار الديني بين مفهومي الشرعية الثورية والشرعية الدستورية وفقاً لمصالحها في كل مرحلة، وتجلى استعداد الأغلبية البرلمانية في مجلس الشعب لممارسة الانحراف بسلطة التشريع لتحقيق أغراضها السياسية.

5.    إعادة إنتاج النظام:

في مرحلة الانتقال الأولي (فبراير 2011 – يونيو 2012) صدرت خمس إعلانات دستورية وعشرات المراسيم بقوانين التي غيرت من عديد من ملامح النظام السياسي، ومع مرحلة حكم الرئيس مرسي صدر إعلان دستوري مكمل ودستور 2012. الحقيقة، لم يكن من شأن هذه الوثائق الجديدة تغيير مكمن السلطة السياسية ومعقلها. وهنا لا يمكن الحديث عن تغييرات جوهرية في نمط توزيع السلطة، ففي نوفمبر 2012 كان رئيس الجمهورية يمتلك السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقد كانت قراراته محصنة من أي رقابة قضائية، ولم يغير دستور 2012 من الوضع كثيراً. والأهم أنه لم يكن نتيجة توافق وطني ولكن تعبير عن هيمنة الأغلبية من الإخوان ومؤيديهم.

6.    سقوط حكم الإخوان وبدء مرحلة انتقال ثانية

جاء هذا السقوط نتيجة مناخ الاستقطاب السياسي والاجتماعي الذى ساد مصر خلال فترة عام من حكم الرئيس مرسى، والذى يمكن تفسيره في ضوء أربع اعتبارات: أولها: إتباع الإخوان سياسات المغالبة والمواجهة، وثانيها: سياسة "اقصاء" المخالفين في الرأي عن مواقع السلطة، وثالثها: اللجوء إلى العنف على مستوييه اللفظي والمادي، ورابعها: تداخل مستويات السلطة.

أدت هذه الأوضاع إلى حالة من الارتباك في صفوف الحكم، وأكدت أن سلوك النخبة الحاكمة في عهد الإخوان اتسم "بالهواية" وعدم التصرف كرجال دولة، وعدم إدراك حدود السلطة في النظام الديمقراطي، والحكمة في استخدام السلطة .

ونتيجة لذلك، ازدادت المواجهات بين الحكم والمعارضة، وازداد تراجع روح التوافق، وتصاعدت الدعوة إلي انتخابات رئاسية جديدة، وترافق ذلك مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وأدت لظهور حركة "تمرد" وسحب الثقة من الرئيس مرسي، ثم تبعه إعلان القوى السياسية في 3 يوليو بداية مرحلة انتقال جديدة. في نفس الوقت، استمرت مظاهرات الإخوان للاعتراض على الوضع الجديد معتبرين إياه انقلاباً على الديمقراطية وخروجاً على الشرعية، وتزامن ذلك مع موجة واسعة من أعمال العنف التي شملت محاولات اغتيال وتفجيرات ضد أفراد ومنشآت الشرطة والجيش. 

"لم تمتلك القوى المدنية قيادات لديها رؤية واضحة للهدف من العملية السياسية وتصوراً لمراحلها، بل غلب عليها إما طابع الاندفاع العاطفي الثوري أو التشدد الإيديولوجي الذي أدى عادة إلي ال

مفترق طرق:

مازالت مصر – في مارس 2014 – في قلب مرحلة الانتقال الثانية، وهناك مخاوف وأخطار داخلية وخارجية تستعى لإفشال هذه العملية. مع ذلك، فإن الوضع أفضل نسبياً من أي وقت كانت فيه مصر من فبراير 2011. وفي هذا السياق، يمكن رصد مجموعة من العوامل المعززة والمعوقة للعملية:

على الجانب المعزز لعملية الانتقال الديمقراطي: هناك عامل استقرار مفهوم الدولة المصرية وهوية شعبها وحدودها. ويرتبط بذلك عامل قوة مؤسسات الدولة من قضاء وجيش وشرطة وجهاز إداري وتماسكها في مواجهة الضغوط. وهناك عامل التوافق الوطني حول قواعد عملية الانتقال وقبول الفاعلين الرئيسيين بها.

من ناحية أخرى، هناك عوامل معوقة على رأسها حملة العنف والإرهاب المُدعمة خارجياً التي يشنها الإخوان ومؤيديهم لتعطيل عملية الانتقال، بالإضافة لضعف أداء الاقتصاد المصري، وسمات الثقافة السياسية السائدة بين الجماهير، وعدم التوازن بين مؤسسات الدولة (السلطة) ومؤسسات المجتمع (المشاركة)،واستمرار الخلاف حول شكل العلاقات المدنية العسكرية يتضح حجم التحديات التي تواجه عملية الانتقال الديمقراطي في مصر.

ومع تقدير الجدل بشأن الدستور والقوانين المرتبطة به، والاختلاف حول هذا النص أو ذاك، فإن بوصلة عملية الانتقال الديمقراطي تتمثل في مؤشرين أساسيين:

          ‌أ-          الإتاحة لممثلي المصالح الاجتماعية والاقتصادية الوصول لشاغلي السلطة، ووجود قنوات للاتصال والتواصل بينهما.

        ‌ب-        الأٍساس الاجتماعي للحكم، ومدى تفهمه وتجاوبه مع المطالب الاجتماعية المُشار إليها.

العنصر الأول – والخاص بالإتاحة – يشير إلى درجة المشاركة السياسة وآلياتها وكفاءة عملية تمثيل المصالح، أما العنصر الثاني –والخاص بالتوزيع– فإنه يشير إلى العدالة الاجتماعية وحسن توزيع عائد التنمية.

وتشير خبرات الدول التي سبقتنا في مراحل الانتقال الديمقراطي إلى أن العنصر الهام الذي يُفسر الاختلاف في تحقيق المشاركة والعدالة يتمثل في النخبة الحاكمة التي تقود عملية الانتقال. فالنخبة هي التي تقوم بالاختيار بين البدائل المتاحة، وبسن القوانين وإصدارها وتنفيذها، وهى التي تمتلك الخيال السياسي الذي يمكنها من طرح صورة المستقبل وإقناع الرأي العام بهذه الصورة.

هذا جزء من مقال منشور فى العدد الأول من مجلة آفاق سياسية التى يصدرها المركز.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟