مع صدور القرار الخاص بقانون بتنظيم عملية الانتخابات الرئاسية، انتابت المجتمع حالة من الحراك وربما الارتباك بشأن ما تضمنه القانون من نصوص وما وضعه من أحكام لتنظيم تلك العملية.
وإذا كان صحيحا أن صدور هذا القانون يؤكد عزم الدولة المصرية لاستكمال خريطة الطريق التى رسمت خطواتها فى اوائل يوليو الماضى، إلا أنه من الصحيح أيضا أن استكمال هذه الخطوات يجب ألا يخرج عن القواعد الدستورية والضوابط القانونية. فالقانون الصادر فى مجمله يحظى بالتوافق على ما يزيد عن 80 فى المائة من مواده، إلا ان ثمة عددا من المواد تستوجب إعادة النظر فيها، ومن أبرزها ما يلى:
أولاً- جاء من بين الشروط الواجب توافرها فى رئيس الجمهورية ألا يكون قد حُكم عليه فى جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد رد إليه اعتباره، وهو شرط يمثل مخالفة صريحة للقانون الذي يعتبر رد الاعتبار بمثابة البراءة لمن صدر بحقه حكم، لأنه يسقط الآثار المترتبة على الحكم، كما يمثل فى الوقت ذاته تصالح المجنى عليه مع المجتمع، وإعطاءه فرصة جديدة لإدماجه فيه كمواطن صالح مرة أخري.
ثانيًا- تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية من الطعن عليها طبقا لما ورد فى المادة السابعة من نص القانون والبند (14) من المادة السادسة، وهو ما يعتبر مخالفة صريحة للمادة 97 من الدستور التى تحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء. فصحيح أن لجنة الانتخابات هى لجنة قضائية إلا أن ما يصدر عنها هو قرارات إدارية لا يجوز أن تحصن من الطعن عليها، فصبغة القضائية التى تتسم بها اللجنة لا تنسحب على ما يصدر عنها من قرارات يكون لها الصفة الإدارية. فضلاً عن ذلك أن عدم الأخذ برأى مجلس الدولة فى عدم جواز التحصين يثير التساؤل حول الجدوى من عرض الأمر عليه، فكما هو معلوم فى النظام الأسبق فى عهد مبارك أن أحكام القضاء وقراراته لا قيمة لها إذا ما تعارضت مع مصلحة السلطة الحاكمة وهو ما كان يتم بصورة صريحة فى العملية الانتخابية، بما يجعل من غير المقبول أن يظل الأمر ساريا فيما بعد ثورتين. فإننا إذا كنا ازاء بناء دولة القانون، فيجب على أعلى سلطة فى البلاد أن تذعن لحكم القانون. ومما يثير الاستغراب أنه قد تم الأخذ برأى كل من مجلس الوزراء والجمعية العمومية للمحكمة الدستورية والذى جاء رأيها وأخذ به مجلس الوزراء ثم الرئاسة بالنص على أن:» قرارات اللجنة العليا (محصنة) بقوة الدستور، ولا داعى لإضافة نص تشريعى إلى قانون المحكمة، يسمح لها بسرعة الفصل فى الطعون المحالة إليها من المحاكم بشأن الطعن على قرارات اللجنة، ذلك لأن المادة 228 فى الدستور تحصن قراراتها»، فى حين أنهما ليسا اصحاب الاختصاص، بل زد على ذلك أن المحكمة الدستورية ليس لها ولاية في إبداء رأيها في مسألة لم تعرض عليها، وهو ما قد يفقد قضاتها صلاحيتهم في نظر المسألة الدستورية إذا عرضت عليهم مستقبلا. إضافة إلى ما سبق أن الاحتجاج بالمادة 228 من الدستور والتى تنص على استمرار اللجنة السابقة للإشراف على الانتخابات الحالية لحين تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات، لا يعنى استمرار العمل وفقا للقواعد القانونية السابقة التي أُلغيت بالنص الدستوري المستحدث الذى رسم مسارا آخر للعملية الانتخابية وضوابطها قد تختلف فى كثير من جوانبها عما كان سائدا من قبل.
ثالثا- أفرد القانون فى مادة مستقلة رقم (8) مهمة للجنة الانتخابات الرئاسية فى القيام بتوعية المواطنين بأهمية الانتخابات الرئاسية والدعوة إلى المشاركة فيها، وهى مهمة لا تتناسب مع دور اللجنة واختصاصاتها من جانب، كما أنها لا تتناسب أيضا مع طبيعة تشكيل اللجنة. فكيف يمكن لاعضاء اللجنة من القضاة أن يتولوا الترويج للعملية الانتخابية؟ وهو ما يعنى خروجهم إلى الفضائيات والمؤاتمرات والإدلاء بتصريحات وآراء والتعبير عن مواقف وتوجهات، وهو ما يتعارض مع طبيعة عملهم.
رابعا- جاء من ضمن الضوابط المنظمة لعملية الدعاية الانتخابية «عدم استخدام الشعارات الدينية»، فما هو المقصود بالشعارات الدينية فى هذا النص؟ هل المقصود بها عدم استخدام دور العبادة والمنابر الدينية في الدعاية الانتخابية؟ فإذا كان هذا هو المقصود، فقد ورد الحظر على ذلك فى بند آخر. أما اذا كان لها تعريف آخر، فلا بد أن يتم تحديد ما هى هذه الشعارات بصورة واضحة؟ وهل جميع الشعارات الدينية محظورة أم ثمة تمييز بين الشعارات التى قد تلجأ إليها بعض الاحزاب لتعريف الناخبين ببرنامجها الانتخابى القائم على المرجعية الدينية ويشمل العديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، وتلك الشعارات التى تؤدى إلى إيجاد المشكلات وتأجيج الطائفية واثارة الخلافات بين المواطنين؟ إذا كان ثمة تمييز، فمن يتولى تحديد ذلك وتقييمه؟ وما هى المعايير والأسس التى على أساسها يتم التقييم؟
ملخص القول إن الملاحظات السابقة تستوجب من صانعى القرار أن يأخذوا بعين الاعتبار ما يبديه المجتمع ونخبته من اعتراضات أو انتقادات تستهدف تصويب المسار وتصحيحه .
نقلا عن الأهرام