بعد بيان وزارة الداخلية الأخير الذي حدّد الجماعات التي تجرم الأنظمةُ في المملكة الانضمام أو دعمها أو التعاطف معها، فبعض تلك الجماعات مثل «داعش» و«النصرة» و«حزب الله» في السعودية وجماعة الحوثي مسلحة وتعادي المملكة بشكل واضح، ويمكن تجريم من ينظمون لها في شكل واضح، ولكن المشكلة باعتقادي هي بمقارعة جماعة الإخوان المسلمين، فهي بتاريخها الطويل ومنذ نشأتها في بداية القرن الماضي تعتمد أسلوب «التقية» والمراوغة والتخفي وتبديل المواقف بحسب المرحلة بما يخدم مصالحها على المدى الطويل، وهدفها واضح وصريح، وهو الوصول إلى الحكم في الدول التي ينشطون فيها، فكلنا يعرف نشاطهم الاجتماعي من خلال تقديم الخدمات الصحية والتعليمية ومساعدة الفقراء في المناطق الفقيرة في بعض المجتمعات الإسلامية التي عملوا من خلالها من تجنيد أتباعها في تلك الأوساط واستقطاب صغار السن والشباب، وهذا يفسر لنا إخلاص أتباع جماعة الإخوان المسلمين وارتباطهم بالتنظيم، من دون معرفة منهم بالمرجعية الحقيقية للإخوان المسلمين.
أعتقد بأن أخطر جماعة ستتعاطى معها الجهات الرسمية لدينا هي جماعة الإخوان المسلمين، لأنها لا تعتمد العنف المسلح في شكل موقت في نشاطها، وتنشط في مجالات لها تأثير في تشكيل الرأي العام لدينا مثل مجال التعليم والإعلام وفي بعض قطاعات التجارة، فنحن نلحظ تغلل أتباع هذه الجماعة في الجامعات السعودية ومعروف أتباعها قبل الحظر الأخير، ولهم مناصب رسمية في ذلك القطاع، وقد أظهر الكثير منهم تعاطفهم مع نظام مرسي في مصر، وكانوا معارضين للسياسة الرسمية للدولة السعودية عندما وقفت مع إرادة الشعب المصري الذي أزاح حكم الجماعة في أكبر دولة عربية، فمن كان يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يعرف أتباع تلك الجماعة في جامعاتنا وأجهزتنا الرسمية الأخرى. والخطورة أنه حال صدر بيان وزارة الداخلية حذفوا إشارات «رابعة» من حساباتهم وحذفوا متابعتهم بعض الرموز الإخوانية.. فهل هذا يكفي ويبرئ ساحتهم من دعم وتعاطفهم مع تلك الجماعة؟ وكما أشرت سابقاً فهم يخادعون ولا يتورعون عن الكذب والمداهنة بحسب تغير الظروف المحيطة بهم، أما القناعات فهي ثابتة ولم تتغير فلم نسمع مثلاً من رموزهم تصريحات واضحة وصريحة تعبّر عن ندمهم وولائهم إلى الوطن ككيان، فقط إزالة شعارات لا تعني الكثير لهم، لا شك أن الحل الأمني معهم مهم، وقد يكون فعالاً في هذه المرحلة، لأن المؤسسة الرسمية استشعرت الخطر الحقيقي لهم، ولاسيما ما تشهده المجتمعات العربية من تغيرات سريعة اختلطت فيها الأوراق، ولكن التعاطي مع الوضع الداخلي وبخاصة في المشهد الثقافي بكل أشكالها يجب أن نبدأ فيه حتى نقضي على الظروف المساعدة لتلك الجماعة في استغلاله في بث أفكارها في المجتمع، فعلينا تقليل الخطاب الديني في ثقافتنا وفي مناهجنا التعليمية، والتأكيد على قيم المواطنة التي تساوي بين كل مكونات المجتمع، بغض النظر عن الاختلافات المذهبية، فنحن - مثلاً - نشاهد رموز تلك الجماعة تناصب وتؤجج العداء لبعض تلك المكونات لإشاعة عدم الاستقرار في المجتمع، على رغم أن أدبيات الجماعة لا تلتفت إليها في الحقيقة وكذلك قضايا المرأة فهي متجاوزة تلك الإشكالية في الأساس، ونشاهد ذلك حضور المرأة الواضح في التنظيم. أما لدينا فنجد غالبيتهم تقف ضد مثل هذه الأفكار والمطالبين بالتغير الاجتماعي.
إنها ليست دعوة مكارثية لإقصاء تيار فكري معين، ولكن الخطورة في أتباع هذه الجماعة لدينا أنها تستغل الدين أداة في السياسة، للوصول إلى أهدافها وتعمل بإقصاء الآخرين، مستغلة الدين وتتهمهم بالتغريب واللبيرالية، وتاريخُها يشهد أنها جماعة لا تتردد في استخدام العنف ضد من يقف في طريقها وهي تملك الأجهزة السرية لذلك.
نقلا عن الحياة