يواجه المجتمع المصرى فى هذه اللحظة الحرجة جملة من التحديات بعضها أمنى وبعضها سياسى ومنها ما هو اقتصادى إلا أن أبرزها وأشدها خطورة ما هو دينى، فما جرى خلال حكم جماعة الإخوان المسلمين من خلط كبير بين مبادئ الدين الإسلامى وأحكامه وشريعته الغراء وبين اجتهادات رجال الجماعة وآرائهم التى تعكس فى كثير من الأحيان عدم فهم صحيح لجوهر الدين ومنطلقاته التى تستهدف الخير للبشرية جمعاء.
وهو ما انعكس بدوره بصورة سلبية لدى بعض فئات المجتمع تجاه أصحاب المرجعية الدينية. ومما يزيد الطين بلة أن رجالات الجماعة والمرتبطين بها أو المحسوبين عليها لا يزالون يمارسون الأخطاء ذاتها دون فهم أو ادراك لمآلات ذلك على علاقتهم مع المجتمع والدولة. فبدلا من أن يدركوا أخطاءهم ويحاسبوا أنفسهم على ما اقترفوه فى ذنب المجتمع المصرى أملاً فى أن حُلمهم قد تحقق فى اقامة دولة الإخوان على أرض الكنانة، وبدلاً من الاستفادة من دروس الماضى وأخطائه، استمروا على النهج ذاته يكررون الأخطاء ويرتكبون الحماقات ذاتها.
لعل الفتوى التى اصدرها الدكتور محمد عبدالمقصود مؤخرا وبثتها قناة «رابعة» المحسوبة على جماعة الإخوان والتى أباح فيها الاعتداء على ضباط الشرطة والجيش ودعا شباب الجماعة أو ما يسمى اليوم بتحالف دعم الشرعية لحرق سياراتهم الخاصة ومنازلهم، وكذلك حرق أقسام الشرطة وسياراتها معتبرا أنها من السلمية، تدلل على عدم قدرتهم على فهم حقائق الواقع ومتغيراته، فضلا عما لديهم من خلط واضح فى المفاهيم، فكيف تُعتبر مثل هذه الدعوة من السلمية؟ وما معنى السلمية لديهم؟ هل السلمية تعنى ارهابا وقتلا واعتداء على المال العام والخاص؟ هل السلمية لديهم تعنى الاعتداء على الشخص لمجرد أنه يرتدى زيًا عسكريًا أو شرطيا؟ هل السلمية لديهم تعنى الاعتداء على أبرياء من أسر هؤلاء الضباط من الشرطة والجيش؟ هذه الاسئلة التى تثيرها الفتوى التى يمكن اعتبارها ضمن ما يطلق عليه «الفتاوى الشاذة»، تستوجب تسجيل ثلاث ملاحظات تلقى الضوء على مضمونها وتمثل ردا شرعيا عليها:
أولاً - ليست مبالغة القول إن هذه الفتوى - وإن كان الأصح أن نُطلق عليها رأيا بل إنها لا ترق إلى مستوى الرأى وإنما يمكن اعتبارها من البدع والخرافات - تمثل مخالفة واضحة لمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها. لأنه لا عبرة للفتاوى المخالفة للنصوص الصحيحة الواردة فى القرآن والسنة، فما الأساس الشرعى الذى استند إليه الدكتور عبد المقصود فى اصدار هذه الفتوى؟ هل مجرد انتماء الشخص الى مؤسسة معينة فى الدولة يحل قتله والاعتداء عليه وعلى أسرته وممتلكاته دون ان يرتكب خطأ؟ وإذا ما ارتكب هذا الفرد خطأ وصل به الى حد القصاص، فمن المسئول عن تطبيق هذا الحد؟ هل الحاكم المسئول أم شباب الجماعة والتحالف؟ وهل يجوز أن اطبق الحكم الشرعى فى شخص لم يرتكب ذنبا بحجة ان يرتبط بمن ارتكب هذا الذنب بصلة قرابة حتى ولو كان والده أو ولده؟ فما رد الدكتور عبدالمقصود على قول رب العزة:«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»؟.
ثانيًا - أدعو الدكتور محمد عبدالمقصود الى الاستتابة إلى الله عن هذا الرأى الفاسد الذى يُحمّله المزيد من الأوزار والذنوب كما جاء فى الحديث الشريف الذى أخرجه الإمام أحمد وغيره: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما مِن نفس تُقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها؛ لأنه أول من سن القتل»، وذلك فى إشارة الى قابيل حينما قتل اخاه هابيل، بما يعنى ان دعوته الى قتل الابرياء تجعله محملا او شريكا فى الذنب ما لم يتب ويسترجع فى دعوته، حتى لا يتحمل وزر من يُقدم على مثل هذا الفعل.
ثالثًا - ادعو شباب الجماعة ومن ينتمى الى التحالف معها ألا ينساقوا وراء مثل هذه الفتاوى الشاذة التى لا تستند إلى أصل شرعى ولا تعتمد على أدلة معتبرة شرعًا، وإنما تستند إلى مصلحة موهومة ملغاة شرعًا، نابعة من الأهواء والتأثر بالظروف والأحوال والأعراف المخالفة لمبادئ وأحكام الشريعة ومقاصدها. منبها أنهم مسئولون أمام الله عن تطبيق هذه الفتوى.
إن هذه الفتوى تمثل استمرارًا لمنهج الجماعة وتحالفها فى نشر الارهاب والاعتداء على الأبرياء بما يخالف الشرع الحنيف، ويضع المسئولية على الدولة ومؤسساتها واجهزتها فى القضاء فى رفض مثل هذه الفتاوى والرد عليها وتصحيح المفاهيم لدى الشباب، فضلا عن دورها فى حماية المجتمع وضمان أمنه واستقراره بالضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن يمارس الارهاب والعنف بحق أبنائه.
نقلا عن الأهرام