منذ بداية الحرب بينها وبين حكومة حزب «العدالة والتنمية»، بدأت حركة الداعية المعارض فتح الله غولن التحول إلى نوع من «حزب سياسي معارض». فمع اقتلاع أعضائها في سلك الشرطة والأمن في تموز (يوليو) الماضي، أعلنت الحركة العصيان المدني. واليوم، بعد اعتقال عدد من صحافييها والتوجه لاعتقال زعيمها، نفخت الحركة في الهجوم على الحكومة واتهمتها بالفاشية. ولم يكن أحد ليتخيل أن تبلغ العلاقة بين هذين الحليفين- حركة غولن وحكومة «العدالة والتنمية»- هذا المبلغ من التردي.
حركة غولن اليوم عاجزة عن الرد على هجمات الحكومة الشرسة ضدها. فهي إذ تتدخل في السياسة، تطوي 40 عاماً من العمل خارج السياسة أو فوقها إذا جاز التعبير. وهو مسار سمح لها بالتعامل مع كل الأحزاب والحكومات بحرية من دون أن يسعى أحد إلى عرقلة عملها في التعليم وغيره من القطاعات ومن دون أن ينتبه أحد إلى زرعها عناصرها في أجهزة الدولة.
ولعل الحكومة نجحت في جر الجماعة إلى فخ السياسة، ولا شك في أن الجماعة ستغرق أكثر وأكثر في هذا الفخ، مع الإعلان عن مذكرة اعتقال في حق زعيمها فتح الله غولن وطلب جلبه من الولايات المتحدة. وهذه الحرب ستؤثر سلباً في أداء الجماعة في مجالي التعليم والصحافة، وعدوها الذي تحاربه يتزعم الإسلام السياسي ويزعم أنه الممثل الشرعي للتيار الإسلامي في تركيا. لذلك، ستكون خسائرها في هذه الحرب كبيرة. كيف ستنتهي هذه الحرب، وهل ستنتهي؟ هي سابقة في تاريخ الجمهورية التركية بين حكومة وجماعة دينية. ووراءها طمع حركة غولن وسعيها إلى أن تكون لاعباً سياسياً أساسياً على رغم أنها حركة اجتماعية، ورغبة حكومة «العدالة والتنمية» في أن تسيطر على المجتمع وتهيمن عليه. وكان ممكناً أن تستعين جماعة غولن بالحكومة لبلوغ أهداف سياسية، وأن تستعين الحكومة بالجماعة لدعم خططها الاجتماعية. لكن الرغبة في التفرد وأحادية القرار والغلبة أفشلت التعاون. ويصعب القول إن الجماعة تستطيع أن تهزم الحكومة التي تحظى بأصوات نصف الناخبين. ولكن، لا يمكن الحكومة أن تجتث جـــذور جــماعة غولن، خصوصاً من المجتمع التركي.
والحال أن الحكومة أقوى من الجماعة، فهي تمسك بالسلطة. وتشير خطط الرئيس رجب طيب أردوغان للتأثير في المجتمع التركي ورسم مستقبل جديد له، إلى أن الحكومة لن تنسحب من العمل الاجتماعي، ولن تترك الساحة للجماعة. بالتالي، يبقى الأمل معقوداً – لمن يريد إنهاء هذه الحرب – في أن يسحب غولن جميع عناصره المندسين في أوساط الحكم (على غرار فؤاد عوني، وهو اسم مستعار يكشف أسرار الحكومة وخططها من الداخل عبر تويتر ويعتبر روبن هود الجماعة في الحكومة). ومثل هذا الانسحاب من داخل الحكومة ليس يسيراً، ويتطلب إقرار الجماعة بأنها زرعت عناصرها في مؤسسات الدولة، وهو أمر تنفيه. وتتعالى أصوات أطراف في الحكومة والجماعة لإنهاء هذه الحرب التي جعلت كلا الطرفين ينزف. حتى أن بعضهم يسأل: طالما الحكومة ارتضت التفاوض مع زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، عبدالله أوجلان، فما الذي يمنع مفاوضتها جماعة غولن، ولو من تحت الطاولة؟ وإلى أن يحين موعد التفاوض، ستستمر معركة شد الحبال بين الطرفين. نقلا عن الحياة
* كاتب، عن «خبرترك» التركية، 20/12/2014،
إعداد يوسف الشريف