المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. يعقوب أحمد الشراح
د. يعقوب أحمد الشراح

اليوم العالمي للّغة ... والحالة اللغوية التعيسة

الثلاثاء 06/يناير/2015 - 03:04 م

يصادف يوم 17 يناير الجاري من كل عام إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة إيماناً بأن اللغة العربية هوية وانتماء وثقافة وحضارة، وأن غياب لغة قوم إنما ضياع لوجودهم وتراثهم وتاريخهم ومكانتهم بين الأمم.

وإذا كانت الأمم الراقية لا تحتاج إلى يوم تخصص فيه الاحتفال بلغاتها فإنها في كل يوم تحتفل بلغاتها وتعطيها المنزلة التي تليق بها. إن الاحتفال باللغة في يوم محدد ليس هو المراد بقدر الحاجة الملحة إلى العناية باللغة وتطويرها والاعتزاز بها دائماً.

اللغات عامة تواجه أزمة صراع وسباق على الريادة وتخطي التحديات التي تمنعها من تبوّؤ مكانة دولية وانتشار واسع يتخطى حاجز الاستخدام المحلي. فلقد أثبتت الدراسات وأبحاث اللغة وهندستها أن اللغة ليست فقط وعاء للفكر أو الثقافة، وإنما هي الحضارة. فكيف يسود التفاهم والتواصل بين الناس من دون اللغة التي هي أداة أساسية في ذلك؟، ثم كيف تتطور المعرفة والعلوم من دون بنية اللغة ووظيفتها التواصلية؟، وهل يسود التواصل والتطور إذا لم تكن لغة قوم موحدة وشاملة ونقية؟

عوامل كثيرة تؤثر في قوة اللغة وضعفها وأهمها المؤسسات الأسرية والتعليمية والإعلامية حيث لكل طرف دور أساسي ومختلف تجاه اللغة، تتكامل في النهاية لكي تتحقق كينونة اللغة وقدرتها على تحسين نوعية الحياة، وتوصيل تأثيراتها إلى عوالم أخرى في ميادين العلم والاكتشاف، ومعالجة مشكلات البشر، وتلبية حاجاتهم.

وإذا كانت اللغة تواجه صعوبات فإن أغلب هذه الصعوبات ناتجة من أهلها وليس لها صلة بخاصيتها أو طبيعتها كلغة يتحدث فيها ملايين البشر. إن اللغة العربية، رغم كثرة الحديث عن مشكلاتها، تشكل اليوم إحدى لغات العالم الرسمية المستخدمة في كافة الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة. لكن، للأسف، الكثير منا، وخاصة المسؤولين في دولنا في المحافل الدولية لا يترددون في التحدث بلغة غير العربية رغم إتاحة الترجمة من لغة لأخرى في هذه المحافل واللقاءات.. فما الأسباب التي تدفعنا لذلك؟ ولماذا نحن من دون سائر الناس لا نريد استخدام لغتنا ونسعى لإحلالها بلغة قوم آخرين؟ وهل نعاني أزمة نفسية واجتماعية تجعلنا ننقاد، كما قال ابن خلدون في مقدمته، إلى الميل نحو ما يعتقد أنه كمال وقوة وعلو في لغة أخرى؟

إن الانبهار باللغات الأخرى ذات المكانة الدولية لا ينبغي أن يكون على حساب اللغة الأم، فالمشكلة ليست في اللغة، وإنما في أنفسنا لأننا للأسف، ما زلنا لا نبذل الجهد الكافي لتطوير وتنمية هذه اللغة، بل إن الكثير منا يتهرب منها أو يسعى لمحاربتها اعتقاداً بأنها تمثل التخلف عند استخدامها في التعليم والتدريس، وإنها ليست لغة علم وبحث. ومع أن هناك عوامل مؤثرة في تفضيل لغات أخرى على العربية، إلا أن النظرة الدونية للغة من أهلها تمثل أكبر مصيبة، وتشكل حالة تعيسة أمام نظرة الآخرين الذين يستغربون من نفورنا للغتنا وانجرافنا للغات الآخرين.

الدراسات العلمية عن اللغة والتربية والعلوم العصبية والاجتماعية تؤكد أهمية التركيز على تعليم الطفل لغته الأم بهدف اكتسابه مهارة التمكن والقدرة على استخدامها بجدارة في حياته العملية، ولا بأس أن يتعلم لغات أخرى لكن ليس على حساب لغته الأم. فلقد وجد أن الإبداع لا يحدث إلا باللغة الأم، وإن الانتقال الذهني من حالة لغوية لأخرى في ثوان إنما يعني خلق عوامل تعطل آلية التفكير وعمل الذهن وقدراته على المبادرة والإتقان والإبداع.

لهذا فإن واقعنا اللغوي لا يسر، خصوصاً ما نلاحظه من ضعف اللغة العربية لدى الأبناء، وعدم قدرتهم على التعبير، والكتابة السليمة، ما يعني أن المؤسسات التعليمية والأسرية والإعلامية وغيرها لا تبذل الجهد المطلوب لترسيخ قيم وثقافة اللغة. وعندما نتمعن في تعليم اللغة العربية في المدارس فإننا نلاحظ مدى التركيز على الحفظ والتلقين لقواعد اللغة، بينما الطالب لا يستطيع التعبير والتواصل والكتابة. ولقد خلق ذلك شيئا من الانفصام بين بنية اللغة وقدرتها التواصلية المتمثلة في الكتابة والقراءة والتعبير والخطابة والحوار وغيرها. فهل نستطيع الخروج من هذه الحالة التعيسة أم إننا سنكتفي بتذكر اليوم العالمي للّغة في كل سنة والمستوى المتردي الذي وصلت إليه لغتنا؟

نقلاً عن الراي الكويتية

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟