المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

صعود الإرهاب ومواجهته

السبت 10/يناير/2015 - 12:03 م

يشكل صعود ظاهرة الإرهاب والتطرف والتكفير خطراً داهماً على المجتمعات العربية والإسلامية، ليس فحسب لأنه يقدم صورة مشوهة وشائهة للإسلام والمسلمين،

 ويزيف طبيعة الإسلام السمحة ورسالته الكونية العالمية، وليس أيضاً لأنه اختطف الإسلام واستأثر به دونا عن المؤسسات الدينية العريقة فى التعريف بالإسلام وعلوم الدين ومناهجها المعتدلة والسمحة، ولكن أيضاً وبالأساس لأن هذه الظاهرة الخطيرة تقوض أسس ومقومات العمران والدولة والحياة.

تتوزع مصادر وأسباب صعود ظاهرة الإرهاب والتطرف والتكفير على أصعدة مختلفة منها ما يتعلق بالصعيد الوطنى المحلى ومنها ما يتعلق بالمستوى الإقليمى، وبعضها الثالث يتعلق بالصعيد الدولى والعالمى، وهذا التمييز فى صعود الظاهرة بين ما هو وطنى وإقليمى ودولى لا يعنى بحال انفصال كل من هذه المستويات عن الآخر أو عدم وجود علاقات بين هذه المستويات المختلفة فى نشأة الظاهرة.

على الصعيد الوطنى تميزت حقبة السبعينيات فى مصر بتعثر المشروع الوطنى والقومى لعبد الناصر بعد هزيمة 1967، وقصور الدولة عن تلبية حاجات المواطنين إلى الديمقراطية والتعددية وهو الأمر الذى شجع على تبنى سياسات جديدة اعتمدت التعددية المقيدة والانفتاح الاقتصادى والليبرالية الاقتصادية، التى ترتب عليها انسحاب الدولة التدريجى من ضمان خدمات التوظيف والعمالة والصحة والإسكان والتعليم واستمر ذلك رغم الإبقاء على مجانية التعليم والحد الأدنى من الخدمات الصحية، لجأت الدولة والسادات على رأسها للدين والجماعات الدينية والإخوان المسلمين لمعادلة ومعاكسة تأثير المعارضة اليسارية والناصرية، ودخلت الدولة مجال المنافسة فى الاستحواذ على الدين وتوظيفه لتبرير السياسات والتوجهات الجديدة، وقد أفضى هذا المناخ إلى سيطرة الجماعات الإسلامية والإخوان على قطاعات كبيرة من المواطنين، تلك القطاعات التى خذلها تراجع الدولة وتخليها عن بعض وظائفها، وأصبحت هذه القطاعات بحاجة لمن يقدم خدمة تعليمية أو صحية أو علاجية أو اجتماعية بأسعار زهيدة بعيداً عن أسعار القطاع الخاص فى المجالات المختلفة، وقد أفضى ذلك إلى تدين الثقافة وقطاع كبير من الخدمة الأهلية وانتشار الإسلام بصبغته السياسية فى الأوساط الاجتماعية المختلفة خاصة الأوساط الفقيرة والمهمشة والتى كانت ضحية السياسات الجديدة.

منذ ذلك التاريخ ومن خلال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتراجع الدولة وانسحابها التدريجى من أداء وظائفها الأساسية فى تلبية احتياجات المواطنين، أصبح الإسلام والدين موضوعاً ومجالا للمنافسة والسباق للاستحواذ عليه بين الدولة وأجهزتها الإعلامية وبين مختلف جماعات الإسلام السياسى، وارتهنت هذه المنافسة بالتفاهمات الضمنية حيناً والصريحة حيناً آخر، وبالصراع بين الدولة وبين الجماعات وفق معادلات القوى والسياسة، وكان من نتائج ذلك تهميش المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر ودار الإفتاء والأوقاف واستحواذ الجماعات الدينية والسلفية على مجال الفتوى وترويج الرؤى الدينية المجتزأة والمبتسرة باعتبارها صحيح الدين وتتميز بالقداسة لأنها تستند إلى الخطاب الدينى.

أما على الصعيد الإقليمى ففى ذات الحقبة نفسها ظهرت الثورة الإيرانية الإسلامية بزعامة الإمام الخومينى عام 1979 وقدمت للعالم الإسلامى نموذج الثورة فى الإسلام واعتمدت مبدأ ولاية الفقيه باعتباره المرجع الأعلى فى الشئون الدينية والدنيوية، بالإضافة إلى ذلك فإن صعود دور النفط والدول البترولية العربية بعد حرب 1973 قدم دعماً كبيراً لتيارات الإسلام السياسى والجماعات الإسلامية من خلال توظيف عدد كبير من كوادر هذه الجماعات فى الدول النفطية وتمكن هؤلاء من مراكمة الكثير من الأموال التى وظفوا جزءاً كبيراً منها لخدمة دعوة هذه الجماعات السياسية والدينية كما أن هذه التيارات والجماعات قد لاقت دعماً كبيراً من بعض المتبرعين الخليجيين والجمعيات الأهلية الخليجية.

على الصعيد الدولى شهد العالم ثورة فى الاتصالات والمعلومات والبث المباشر وعولمة أسواق المال ودخلت العولمة أطواراً جديدة من توحيد أنماط الاستهلاك وأنماط الإنتاج وظهرت السياسات النيو ليبرالية باعتبارها البديل الوحيد والناجح لتجاوز عثرات الفقر والبطالة والإنتاج، خاصة بعد سقوط وانهيار الاشتراكية السوفيتية ودول أوروبا الشرقية، وظهرت النزعات الانفصالية على أساس دينى وعرقى وطائفى، لأن العولمة خلقت مخاطر توحيد الهوية أو تغريبها أو تذويبها فى هويات أخرى غربية وعالمية والحال أن تلك المخاطر والمخاوف قد شجعت على العودة إلى الهويات الأولية هويات ما قبل الدولة الحديثة، هويات ذات طابع طائفى أو دينى أو عرقى باعتبارها الحصن الأخير والملاذ ضد المخاطر والتحديات التى تواجه الهوية القومية.

ما قبل هذه الحقبة أى حقبة العولمة كان الاتحاد السوفيتى السابق قد غزا أفغانستان وأعلن الأفغانيون الجهاد ضد القوات الغازية ودخلت الولايات المتحدة على خط الجهاد ضد السوفيت بهدف أن تكون أفغانستان للاتحاد السوفيتى كما كانت فيتنام للولايات المتحدة الأمريكية ولعبت المخابرات المركزية أدوارا مهمة فى تدعيم كتائب المجاهدين ضد السوفييت من جميع الأقطار العربية، لم تنظر الولايات المتحدة الأمريكية كغيرها من الدول الغربية التى انخرطت فى مسلسل دعم الجهاد والمجاهدين ضد السوفييت إلا إلى الأهداف السياسية المؤقتة أى هزيمة إمبراطورية الشر وأغمضت الطرف عن المخاطر التى يتضمنها هذا النهج فى المدى الطويل.

مواجهة هذه الظاهرة ينبغى أن تكون شاملة بمعنيين الأول أن تشمل جميع الجهات والدوائر والأجهزة فى المجتمع المدنى والدولة والمؤسسات الدينية الرسمية وغيرها والثانى أن تشمل المواجهة الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليم وأن يسترشد ذلك بفصل الدين عن السياسة باعتبار أن الدين مطلق ومقدس والسياسة شأن دنيوى يخضع للنسبية ويحتمل الجدل والاختلاف وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه المواجهة ينبغى أن تكتمل ببناء تحالفات إقليمية لمواجهة الإرهاب وأن يكون المجتمع الدولى داعماً لخطط مواجهة الإرهاب. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟