المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.أحمد صقر عاشور
د.أحمد صقر عاشور

الإبداع الاستراتيجى والمؤسسى هو الحل

الإثنين 12/يناير/2015 - 11:13 ص

يمثل الإبداع والابتكار الذى تتنافس فيه الدول الآن، أساس الثورة المعرفية والتكنولوجية ومصدر التفوق والتقدم الاقتصادي، ومنبع القيمة المضافة العالية. هذا لأن الاستراتيجيات والمعارف الجديدة والمبتكرات والمخترعات إذا أضيف إليها الوعى والثقافة والقيم القويمة الكامنة فى المجتمعات وفى المؤسسات

 تمثل المصدر الجديد لثروات الأمم. وتعتبر المبتكرات العلمية والمعرفية والتكنولوجية والفنية التى توظف لتحسين حياة الناس وإسعادهم وإتاحتها للقاعدة العريضة منهم، أساس المقارنة الآن لتقدم أو تأخر الأمم. وتحتاج مصر لتعويض ما فاتها وليكون لها مكان بين الأمم عامة والاقتصادات الصاعدة خاصة (مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند والبرازيل وماليزيا) أن تولى اهتماما بالغا بإنتاج المعارف والتقنيات والابتكارات التى لها مردود تنموى واقتصادي. وتمثل مجموعة المبادرات التى يقوم بها الرئيس السيسى والمشروعات الكبرى التى يجرى تنفيذها أو الإعداد لها من قبل الدولة؛ مبادرات مبدعة تحاول كسر الجمود التنموى الذى عانت منه مصر لعقود. لكن حراك وقوة الدفع والاستمرارية لهذه المبادرات وجعلها تشمل قطاعات واسعة من المجتمع لتحقيق طفرة فى التقدم والتنمية، ستحتاج إلى أن تتضافر فى إطار كلى يجمعها يمثل الرؤية الاستراتيجية للمستقبل.

وقد عانت مصر خلال العقود الأخيرة من الجمود وغياب الرؤية وضبابية الغايات، وتجميد الطاقات الإبداعية للمصريين، اقترن به اختطاف مؤسسات وسياسات الدولة من قبل نخب اقتصادية وسياسية وتسخيرها لخدمة مصالحها الضيقة. واستطاعت هذه النخب، فضلا عن احتكارها للعمل السياسي، أن تسيطر على قطاعات اقتصادية مهمة وتصبغها بصبغة احتكارية تعطل بها المنافسة وقوى الإبداع والابتكار فى مجالاتها. ومع غياب وضبابية الرؤية وغياب المساءلة لأغلب مؤسسات الدولة ترهلت هذه المؤسسات وانهارت كفاءتها وتجمدت ممارساتها وسادتها ثقافة وأعراف معادية للإبداع والتجديد والابتكار. حدث هذا فى قطاعات كانت مهمتها تكوين المعارف والمبتكرات العلمية والتكنولوجية، مثل مؤسسات التعليم والبحث العلمي، فأصابها العجز والجمود والانغلاق على اللوائح العقيمة وانتشر فيها الفساد كالسرطان فقضى على دورها فى إنتاج المعرفة واحتضان وتشجيع الإبداعات العلمية والتكنولوجية. وأصابت هذه الآفات أيضا قطاعات ومؤسسات لها أدوار مفترضة فى إلإنتاج المعرفى والإبداع التكنولوجى (مثل مؤسسات ومراكز البحوث والتطوير)، فتجمدت داخل أدوار روتينية غير مبدعة ودون تواصل أو تفاعل مع المؤسسات الإنتاجية ذات العلاقة، لأنها هى الأخرى غير معنية بالتطوير والإبداع لغلبة الطابع الاحتكارى عليها. كذلك الحال فى المؤسسات التى تشكل الوعى والعقائد والقيم وتذوق الفنون حيث هيمن عليها الجمود وتراجعت فيها قوى التجديد والابتكار، وبعضها تركت ساحته للمبادرات التجارية للقطاع الخاص مثل الإعلام والسينما والمسرح. ولا يتصور أن يتحقق التقدم فى حياة المجتمع إلا من خلال تضافر السياسات والجهود التى تستهدف إخراج هذه المؤسسات من حالة الترهل والتقاعس والجمود وكذلك الفساد الذى سيطرت عليها لزمن طويل. والسؤال هنا: كيف يمكن تحويل الإبداع إلى منهج وأسلوب عمل وحياة للمجتمع والاقتصاد ومؤسسات الدولة؟

هناك ثلاث ركائز أساسية ليتحول الإبداع إلى توجه استراتيجى ومنهج للمجتمع ومؤسساته. أولها، ضرورة تبنى رؤية استراتيجية طموحة لتحقيق التفوق التنموى ولصناعة مستقبل متميز، وليس مجرد محاولة اللحاق بالدول التى حققت نقلة تنموية. فالطموح المتواضع يؤدى إلى إنجازات متواضعة وقد ينتهى إلى إخفاقات. وهو يعتمد فى الغالب على التقليد أو استخدام المناهج والأساليب القديمة المألوفة. ولا ينبغى أبدا البدء من حيث بدأ الآخرون (التقليد بالنسبة لليابان والصين مثلا) وإنما من حيث انتهوا. وتوافر الرؤية والغايات الطموحة المتكاملة قوة الدفع اللازمة لتحقيق نقلة كبري، وتلك النقلة لا تتحقق إلا من خلال الاستناد إلى الإبداع والتطوير كمنهج شامل. وتحتاج مصر لتحقيق طفرة تنموية إلى رؤية شاملة وخلاقة لكل جوانب الحياة، وإلى سياسات وبرامج ومؤسسات مبدعة لتحقيقها، تنهج منهجا غير تقليدى فى معالجة جذور المشكلات القائمة. وتمثل المؤسسات الهادفة والكفؤة المبدعة الركيزة الثانية، فهى الإطار المنظم لقطاعات المجتمع وأنشطته وتعاملاته ومن خلالها تشبع الحاجات المجتمعية وهى مصدر القوى الدافعة أو المعيقة لتحقيق أى تقدم. وهى تحدد إلى أى مدى تتaوجه قطاعات وأنشطة المجتمع لتحقيق الأهداف الموضوعة ضمن الرؤية. وهى التى توفر المقومات اللازمة للإنجاز والإنتاج المعرفى والتقنى والفني، وتوفر الحوافز وقوى الدفع لتحقيق هذا. وسيحتاج الأمر مثلا إلى توفير حوافز للتطوير والتجديد موجه للمنشآت الإقتصادية لتشجيعها على القيام به والاستثمار فيه، وكذلك إلى دور تلعبه الدولة فى دعم المشروعات العلمية والبحثية والتكنولوجية الإبداعية التى يمكن الاستفادة الاقتصادية منها أو التى تحل مشكلات تعانى منها قطاعات إنتاجية مستهدفة. وهناك ضرورة للتصدى بصورة حاسمة للعوامل والقوى المعطلة للتقدم والمهدرة للموارد والفرص فى المؤسسات المتعاملة مع القطاع الاقتصادى والإنتاجى مثل تعقيد الإجراءات والفساد وضعف وغياب الأهداف والمساءلة عن الإنجاز والإبداع. ويكمل الركيزة المؤسسية ضرورة إدخال تطوير شامل على الإطار التشريعى المنظم لأعمال الدولة ونظم الإدارة الحكومية على المستوى المركزى والمحلي، لتكون موجهة بالأهداف والنتائج، وبحيث يدخل التجديد والتطوير فى نظمها وأدائها وضمن ما تساءل عنه. ولا يكفى فى هذا تغيير قانون الوظيفة العامة، وإنما إعادة النظر بصورة شاملة فى هياكل الدولة وأدوارها ومنظومة العمل والإدارة والقيادات برمتها، لتشجيع المبادرات والإبداعات اللامركزية وبحيث يكون الأداء المؤسسى (أهدافه المخططة ونتائجه وتطويره ومردوده ونزاهته وحوافزه) الأساس الجديد لهذه المنظومة التى تعتبر متأخرة عن العالم بما لا يقل عن نصف قرن، وتعتبر حجر عثرة فى طريق أى تقدم يراد تحقيقه فى مصر. ولا يمكن تحفيز وتفعيل قوى الإنجاز والتجديد والتطوير فى المؤسسات الحكومية دون تطوير أدوار ومنهج وممارسات أجهزة الرقابة. فهذه الأجهزة رغم فشلها المزمن وعدم فاعليتها فى مكافحة وكبح جماح الفساد، تمثل فى نظمها وأوضاعها الراهنة أكبر القوى المعيقة للإبداع والتطوير، لأن منهجها فى الرقابة يركز على مدى الإلتزام الحرفى والشكلى (الصوري) باللوائح والإجراءات، وليس على النتائج والإنجاز والتطوير والابتكار. وهى أحد أهم عوامل تكريس الجمود وخنق المبادرات التطويرية الإبداعية لدى المؤسسات الحكومية. وثالث الركائز، يتمثل فى ضرورة إدخال إصلاح استراتيجى شامل فى مؤسسات وبرامج التعليم والبحث العلمى والتطوير التكنولوجي، للإستثمار فى تنمية الطاقات الإبداعية والابتكارية واحتضانها فى كل مراحل ومناهج التعليم والأساليب المستخدمة فيه، ولتشجيع الإبداع العلمى والتكنولوجى فى التعليم العالى (خاصة الدراسات العليا والرسائل وبحوث الهيئة الأكاديمية) وفى مؤسسات ومراكز الأبحاث العامة والقطاعية المتخصصة. ويشمل هذا تيسير وتبسيط إجراءات تسجيل وحماية الملكية الفكرية للمبدعين والمخترعين وتشجيع ودعم قيام حضانات أعمال لدعم تحويل مبتكراتهم إلى مشروعات ومبادرات اقتصادية. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟