شكى إلى أحد أبنائنا الطلاب ما يشعر به من أسى وألم، بل وحنق وضيق، مما يتلقاه الأزهر من طعنات متتالية ممنهجة فى شخص طلابه، أو مناهجه، أو علمائه وأساتذته وشيوخه، أو دعاته وأئمته، أو خطابه الديني، أو دوره العلمى والوطنى كما نرى ونشاهد بصورة يومية فى بعض وسائل الإعلام، وأنه مصدوم مما يرى من محاولات تشويه تراث الإسلام وتاريخ الأمة وزعزعة مبادئ وقيم الأخلاق فيها، فأقول لولدي: هون عليك يا بني، فالأزهر أكبر من هذه الصغائر، فهو عنوان الدين، ليس فى مصر وحدها، بل فى العالم أجمع، وهو قبلة المسلمين العلمية، وبعلمائه ودعاته وطلابه تتعلق الآمال، وهو يعرف مسئولياته جيداً فى حراسة منهجه الوسطى الذى تلقته الأمة عنه بالرضا والقبول على مر التاريخ، ومواقفه معروفة للكافة أنها لا تصدر إلا عن قناعاته العلمية وثوابته الوطنية.
إنها محاولات لكسر عنق الأزهر وجره إلى أجندتهم الخاصة لما يعرفون من مكانه ومكانته وأثره وتأثيره. إن هذه الهجمات لم تقف عندكم يا ولدى ولا عند أساتذتكم، بل طالت رمز الدين، وعنوان الأزهر الأكبر شيخ الأزهر. وكأنه عقاب له أن حقق لهذا الكيان الحضارى العريق استقلالاً يُنص عليه فى الدستور لأول مرة فى تاريخه، كيما ينأى به عن التيارات السياسية والجماعات والتوجهات دينية كانت أو مدنية أو سياسية أو حزبية أو إيديولوجية أو غير ذلك. فالمزايدة على الأزهر وعلمائه وطلابه والتشكيك فى مواقفه أو مناهجه إنما هى محاولات يائسة من هؤلاء، كما كانت ممن قبلهم، لاستخدام الأزهر لصالح سياساتهم وأيديولوجياتهم المتحللة الغريبة عن تراث الأمة وقيمها الأصيلة، ولكن هيهات هيهات، فلو اعتمد الأزهر، لا قدر الله، فكر جماعة أو توجهاً أو تياراً أو حزباً سياسياً أو أيديولوجية ما، فقد حمل حتفه فى كفه ولن يغنى عنه ذلك من الله فى شيء، ولا من الناس فى شيء.
فعند جماعة، أنتم يا ولدى فقهاء السلطان وأذناب الحكومة وخونة الدين إلى آخر ما تمتلئ به جعبة هؤلاء من اتهامات، وأنتم فى المقابل عند هؤلاء فقهاء الإرهاب والعنف والتخلف والانغلاق والقتل إلى آخر القائمة التى تعلمونها. وإذا كان الثابت أن الفريقين على طرفى نقيض فاعلم يا ولدى أنكم على الحق المبين.
يا ولدي: هون عليك واطمئن، فالأزهر الذى وقف حائلاً بالأمس القريب فى مواجهة المحاولات المستميتة لامتهان الدين فى السياسة واستخدامه لأغراض الحكم، وقد عانى ما عانى ليقف اليوم بنفس القوة والجرأة ضد محاولات التحلل من الدين، أو فصل الدين عن الدولة، فالإسلام يحكم حركة الإنسان بكل شمولها وتنوعها من الرقى والتسامى والربانية، وهو دين علم لا يعرف ما عرفته أمم أخرى من عداء بين الدين والدولة، أو بين الدين والعلم. ومثل هذه الحملات فى الوقت الذى أحوج ما تكون فيه الأمة إلى لم شملها واستعادة أمنها وتلمس سبل استقرارها، تكشف عن جهل هذا الصنف من الإعلاميين وانتهازيتهم وضيق أفقهم وانفصالهم عن المشروع القومى للأمة والأهداف العليا للوطن والتوجهات الأساسية للدولة.
إن المناهج الأزهرية هى التى صنعت هذه الوسطية التى تفرد بها الأزهر، وصنعت هذا التاريخ العريق للأزهر، والتى جعلت منه قبلة المسلمين العلمية، وصنعت هؤلاء الرجال من أئمة الأمة وعلمائها ومفكريها والذين بهروا الغرب والشرق على السواء، حتى أنشأوا مؤسسات لدراسة تراثهم والاستفادة منه. وهناك فرق بين علم ومعلومات، العلم منهج وهؤلاء أصحاب معلومات، فلابد أن نلتمس لهم العذر و نبيّن لهم فى هدوء معنى المنهج ومعنى العلم، وأن آلاف رسائل الماجستير والدكتوراه، وآلاف البحوث التى تناقش كل عام هى تجديد للتراث وإعادة للبناء فى ضوء معطيات الزمان دون التنصل من التراث ودون التضحية بالثوابت.
لقد أعجزت معاول الهدم التى أعملها هؤلاء المحسوبون على الإعلام زوراً وبهتاناً كثيراً من الناس أن يظنوا بأنفسهم خيراً، حتى أصبح الكثير يجرى وراء الشائعات، وتستهويه الفضائح على خلاف ما أراد الله لهم. وعزاؤنا أنه لا يزال فى حقل الإعلام الكثير ممن يقتدى بهم ويسمع لهم فيؤخذ عنهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخير فى وفى أمتى إلى يوم الدين. نقلا عن الأهرام