يتساءل مراقبون عن الأسباب التي دعت الحكومة التركية، وتحديداً رجب طيب اردوغان، الی دعم «داعش» وعدم قطع هذا التعاون. وأماط احتلال مدينة الموصل العراقية اللثام عن تعاون وثيق بين الحكومة التركية وهذا التنظيم. فعملية احتجاز اعضاء القنصلية التركية في الموصل لم تكن غير مسرحية دبرتها الاستخبارات التركية من أجل التستر علی الدور التركي. وكانت هذه القنصلية في مثابة غرفة القيادة التي تدير عناصر هذا التنظيم وعملياته. وهي مهدت لتغلغل قواته في عدد من المدن العراقية. ورفضت الحكومة التركية التعاون مع الائتلاف الدولي الذي رعته الحكومة الاميركية في مواجهة الارهاب، وطالبت بضرورة جعل إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد جزءاً من مشروع هذا الائتلاف كشرط لمشاركة تركيا. ولكن لماذا تربط الحكومة التركية مصيرها بمصير «داعش»، ولماذا تربط سياستها في المنطقة بـ «داعش»؟
وأبلغت مصادر مطلعة موقع «ديبلوماسي ايراني» عن تغلغل «الإخوان المسلمين» المكثف في صفوف «داعش». وعليه، يمتلك هذا التنظيم خلفية إخونجية. لذا، تدعم الحكومة التركية هذا التنظيم. واستناداً الى تلك المصادر، «داعش» يملك وجهين: الاول داخلي تنظيمي «إخونجي»، وخارجي سلفي متطرف. وأبو بكر البغدادي الذي يتزعم اليوم تنظيم «داعش» كان في الثمانينات من القرن الماضي عضواً بارزاً في حزب البعث العراقي قبل ان ينضم الی «الإخوان المسلمين». وتشير معلومات الى ان البغدادي التحق بالحركة السلفية المتشددة في 2001 وصار من المتشددين المتطرفين في العراق. وإثر سقوط نظام صدام حسين في 2003، انضم الی المعارضين لسقوط نظام صدام وعارض الشيعة الذين تعاونوا مع الادارة الاميركية لإسقاط نظام صدام. وقد اعتقلته القوات الاميركية، وقضی عامين في معتقل بوكا الأميركي «الإدارة والأمرة» في حينها. ولكن هذه القوات أفرجت عنه بسبب عدم توافر أدلة تثبت تورطه في عمليات ضدها. وانقطعت اخباره لمدة عامين. والسلطات الاميركية تقول بأنها فقدت أثره وانقطعت أخباره عنها إثر خروجه من السجن.
وتقول بعض المعلومات الأمنية بأنه قصد اسرائيل حيث خضع لدورات أمنية مكثفة قبل ان يعود الى العراق ويلتحق بتنظيم «القاعدة» الذي كان بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. وتولى أبو عمر البغدادي قيادة التنظيم الی جانب ابو حمزة المهاجر إثر مقتل الزرقاوي. وآلت اليه القيادة، إثر مقتل المهاجر في 2010. وبعد مقتل ابو عمر البغدادي وقعت انشقاقات كثيرة في صفوف «القاعدة» في العراق. ونجح أبو بكر البغدادي في استقطاب البعثيين الفارين، وربطته بهم علاقات منذ نظام صدام، وأسس تنظيم منشق عن تنظيم «القاعدة». وبعد فوزهم في مصر وبدء مرحلة «اخوانية» جديدة، نشط «الإخوان المسلمون» في العراق، وسعى الاميركيون الى ما يحقق مصالحهم إثر بروز ظاهرة «الإخوان». وساهمت علاقة البغدادي بـ «الإخوان» في استقطاب عدد كبير منهم، وهو ما عبّد كذلك الطريق امام تشكيل «داعش» في مرحلة لاحقة. وساهم الدعم «الاخواني» والتركي للبغدادي في نقل عمله الی الاراضي السورية من اجل المشاركة في الجهود التي رمت الى اسقاط نظام بشار الاسد. وأفلح «داعش» على وقع الائتلاف مع عدد كبير من المجموعات المسلحة المعارضة للاسد في تشكيل ما عرف بتنظيم الخلافة الإسلامية. واستطاع الاتصال بتركيا بواسطة «الإخوان المسلمين» من عناصره ليحصل علی دعمها. وكانت أنقرة الی جانبه خلال احتلاله مدينة الموصل العراقية، وقدمت له ما يحتاجه من سلاح ومال من أجل احتلال المدن العراقية وإسقاط الحكومة في بغداد.
وقطعت دول خليجية لا تربطها علاقات جيدة بـ «الإخوان المسلمين» الجسور مع «داعش»، ورأت انها خطر حقيقي يهدد مصالحها. ووفق بعض المعلومات الصحافية، يعتقد «الإخوان المسلمون» ان الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، ليس «اخوانجياً» على قدر ما هو اسلامي. وتشير هذه المعلومات الى ان حزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه أردوغان يدور في فلك نفوذ «الإخوان المسلمين». وظهر أثر هذا الدوران في الاجهزة الامنية والاقتصادية والسياسية التركية في تعاملها مع «داعش» في العراق وسورية. ويعتقد عدد كبير من المختصين في شؤون الحركات الاسلامية ان تركيا تسعى الى جعل «داعش» الجناح العسكري لحركة «الاخوان المسلمين» من أجل فتح جبهات قتالية في مناطق اخری، وتحديداً في الجبهة السورية. ولا شك في أن تركيا ترمي الى بلوغ «الإخوان» سدة الحكم في سورية. وفي هذه المعادلة المعقدة، قد تطول المواجهة مع «داعش» في المنطقة لسنوات. نقلا عن الحياة
* عن «دبلوماسي ايراني» الإيراني، 17/1/2015، إعداد محمد صالح صدقيان