المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قراءة جديدة: بنية الحركة الإسلامية المصرية (2)

الأحد 08/فبراير/2015 - 12:58 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. كمال حبيب

 في تاريخ الإسلام تعرضت وحدة الأمة لانقسامات كان أخطرها ما مثله الخوارج الذين خرجوا  على الخليفة الراشد "علي بن أبي طالب " رضي اللـه عنه ، هو الانقسام في جسد الأمة الواحدة، ولم يكن خروج الخوارج على "علي بن أبي طالب" تهديدا لاستقرار الأمة ووحدتها فقط ، وإنما كان  تهديدا لما نطلق عليه "هوية الأمة وعقيدتها" ، فأحدثوا فكرا عقديا جديدا مختلفا عن العقيدة والفكر اللذين جاء بهما الدين الإسلامي الحنيف، وأرساها محمد صلى اللـه عليه وسلم في سيرته.

كان أول ما فعله الخوارج هو القول بتكفير المسلمين لاعتبارهم أن الإسلام والإيمان شيء واحد، وأنه كل لا يمكن تبعيضه، ومن ثم فإن ذهاب بعضه بمعصية ولو يسيرة يؤدي إلى ذهاب كله والخروج من الملة كلها.

كفر الخوارج عليًّا بن أبي طالب رضي اللـه عنه، لأنه قبل التحكيم، ذلك أنهم رفضوا تحكيم الرجال وقالوا: لا حكم إلا للـه، وقد جادلهم بن عباس رضي الله عنه وقال لهم كيف وقد قال القرآن "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " وقوله تعالي " يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " فهل قبول التحكيم للصلح بين المسلمين ليس أهم من الصلح بين الرجل وزوجته .

ظلت فرقة الخوارج شوكة في ظهر الدولة الإسلامية في عصر الأمويين  والعباسيين، ولكنها هي التي أحدثت الانقسام الأول في جسد أمة كانت موحدة لما أشرت إليه بسبب "سفاهة حلمهم وحداثة سنهم" كما ذكر الحديث النبوي، وسفاهة الحلم هنا أي عدم تقدير الأمر ووضعه على أوجهه الصحيحة، وصغر السن بالطبع يعني غياب الخبرة والسرعة في الاستنتاج والتقويم وأخذ الأمور من شواشيها، والشواشي هي أطراف أعواد الذرة أو القصب ويعني أخذ الأمور بظواهرها دون التعمق في معانيها.

 الخوارج هددوا كما أشرنا وحدة الأمة في موضعين اثنين أو وجهين اثنين أولهما " في  وحدتها " وثانيهما في "عقيدتها"  وابتداع نسق تفكير يحجر على الناس رحمة ربهم ويحتكرونها هم لأنفسهم فينصبون من أنفسهم حكاما على إيمان الناس، فيخرجون منه من يعتبرونهم عصاة لأن المعصية كفر، وهذه أول مجموعة تؤسس لتنظيم تكفيري في تقديرنا – وهذه أيضا أول مجموعة تؤسس لفكرة الحكم على الناس بالتكفير والتفسيق والخروج من رحمة اللـه على أساس أن " الاشتراك في المآل يوجب الاشتراك في الحكم " فإذا كان العصاة يدخلون النار فإنهم والكفار المخلدون فيها – عياذا باللـه من ذلك لهم نفس الحكم.

واعتبر الخوارج أنفسهم فقط هم المسلمون والفرقة الناجية وبقية الأمة العظيمة الهائلة والكبيرة في النار لأنها لم تتبع فكرهم، فمن لا يدخل معهم فهو ضدهم، كما أشار الحديث في وصفهم بالقول "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، فهم يقتلون المسلمين باعتبار أنهم لم يدخلوا ضمن جماعتهم بينما يتركون الكفار والمشركين لأنهم بعد لا يزالون مقصودين بدعوتهم .

ومن ثم فإن التنظيمات الإسلامية الحديثة التي تشير لنفسها باعتبار أنها "جماعة المسلمين" فهي في الحقيقة من هذا الوجه قد اتخذت منهج الخوارج، فليس شرطا لكي تكون خارجيا أن تكفر مثلا، بل إن الخارجي هو من اتخذ منهج الخوارج في اعتبار نفسه وتنظيمه "جماعة المسلمين" كما فعل مثلا الأستاذ "سعيد حوي" في كتابه "المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين"، وكما يشير "عبد اللـه فهد النفيسي" في دراسته بعنوان "تقويم الفكر الحركي للتيارات الإسلامية، دراسة موجزة"، فحوي يتحدث عن مجموع مواصفات جماعة المسلمين ويحددها في سبع نقاط ثم يقول "الأدلة كلها تدل على أن هذه الجماعة "الإخوان" هي أقرب الجماعات على الإطلاق لأن تكون جماعة المسلمين" ، ويقول "لا تزال دعوة الإخوان المسلمين وحدها هي الجسم الذي على أساسه يمكن أن يتم التجمع الإسلامي في العالم " ، ويقول " المسلمون ليس أمامهم سوى فكر الأستاذ البنا ، إذا ما أرادوا الانطلاق الصحيح "، ويقول " هل رأى أحد في هذه الأمة رجلا كحسن البنا ؟ وهل رأى الجيل الحاضر رجلا أصلب من حسن الهضيبي، وإن لخليفة الاثنين في أعناقنا بيعة".

ويقول: مما مر ندرك أن السير مع الإخوان شيء لا بد منه للمسلم المعاصر، وبهذا لا يسع مسلما أن يتخلف عن هذه الدعوة .... ويصل به الأمر حتى يقول "إذا كانت الجماعة" الإخوان " هذا شأنها فلا يجوز لمسلم الخروج منها قال عليه السلام : من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة "الإخوان" لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختيارًا، قال تعالى " يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين". 

ظلت فرقة الخوارج شوكة في ظهر الدولة الإسلامية في عصر الأمويين والعباسيين، ولكنها هي التي أحدثت الانقسام الأول في جسد أمة كانت موحدة

الخروج هنا في تقديري ليس الخروج على عليّ بن أبي طالب أو قتله وإنما الخروج بمعنى الخروج على الأمة ووصمها بأنها ليست من جماعة المسلمين، وأن جماعة المسلمين هي تنظيم أو مجموعة من الناس أيا كانت هي التي تحتكر لنفسها مسمّى جماعة المسلمين دون بقية المسلمين جميعا ، وقد حاول أحد المنتسبين للإخوان ويسمي "مصطفي الطحان" استخدام كلام سعيد حوّى ليؤكد أنها جماعة المسلمين وإن لم يبايعها ويدخل ضمن صفوفها فهو كافر، وهو ما جعل بن الشيخ سعيد حوى ينشر كلاما لأبيه يستغرب هذا الادعاء وينفيه .

لا نشم في رائحة كلام "سعيد حوى" حديثا عن النبي صلى اللـه عليه وسلم ولا الصحابة الكرام ولا علماء الأمة ولا مجتهديها ولا أصحاب الفضل فيها، وإنما فقط "حسن البنا" و"حسن الهضيبي" وأن البيعة لخليفتيهما واجبة، فأي تحزب ذلك الذي يقيم جماعة أو فردا أيا كان فضلها وقيمتها ستارا يحول بين المسلمين وبين نبيّهم وصحابته الذين بذلوا الغالي والثمين من أجل إقامة هذا الدين.

الأمر واضح لا خفاء فيه، وهو أن الجماعة هنا هي جماعة المسلمين وأن من يقف خارجها أو من لم يلتحق بها أو يبايعها فهو خارج جماعة المسلمين ومن ثم خارج الالتزام الإسلامي الصحيح.

الانقسام الثاني الكبير في جسد الأمة الإسلامية بعد انقسام الخوارج كان انقسام الشيعة بعد أن تبلور مذهبهم في القرن الرابع الهجري، فقد كان الشيعة تعبيرا عن خلاف سياسي داخل الأمة الواحدة، يعبر عن معارضة سياسية لمن بايعوا أبا بكر الصديق رضي اللـه عنه كخليفة وحاكم للأمة بعد النبي صلى اللـه عليه وسلم، ولكن مع ظهور أنظمة متغلبة تعبر عن الملك العضوض وقمع المعارضة التي ترفض الاستبداد واحتكار الثروة والسلطة في يد الأمويين وحلفهم، فإن الشيعة دعموا تلك المعارضة سياسيا ودعموا الدولة العباسية التي كان هواها شيعيا، وكانوا فرعا من آل البيت، بيد إن استمرار قمع المعارضة واحتكار السلطة والثروة بيد النخب الحاكمة المتغلبة قاد إلى تحويل الاختلاف السياسي إلي تأسيس عقدي جديد لمذهب يكاد يقترب من كونه دينا جديدا مختلفًا عن التقاليد التي أرساها النبي صلى اللـه عليه وسلم والصحابة من بعده، فقد اعتبر الشيعة أن عليّا هو أحق بالخلافة من أبي بكر وهؤلاء هم المفضلة أخف فرقهم، بل إن الاثنى عشرية هم من اعتبروا أن الأئمة هم أبناء فاطمة وعليّ، وأنهم معصومون يكادون يقتربون من مقام الأنبياء في المعرفة والتشريع والولاية، ومن ثم فإنهم أحق بالخلافة والحكم والإمامة، بيد إن الثاني عشر منهم قد اختفى في السرداب، ولا يزال حتى اليوم، وبالطبع فإن الدولة البويهية كانت تعبيرا عمليا عن المذهب الشيعي، هنا التهديد الذي مثله الشيعة ليس في تحدي استقرار الأمة والخروج عليها بالمعني الذي عبر عنه الخوارج، وإنما تحدوا عقيدة الأمة وهويتها والتأسيس لمذهب جديد ليس على المستوى الفقهي كما هو الحال بالنسبة لمذاهب الأمة الفقهية المعروفة والتي هي مناهج لفهم الشريعة واجتهاد للأمة وليس في مواجهتها، كما أشير دوما، هذا المذهب العقدي الجديد قال بالعصمة وهي ليست من مذاهب أهل السنة، وقال بالتقية وهي ليست من مذاهب السنة وقال بالوكلاء عن الإمام المختفي، ثم اختفاء الإمام " محمد بن الحسن العسكري "  في السرداب، وقال بالرجعة أي رجعة الإمام المهدي بعد اختفائه، وهنا أقول بوضوح إن الشيعة هم أول من أسس لما أطلقت عليه "الفقه الحركي للجماعات الإسلامية"، باعتباره فقها موازيا لفقه الشريعة، وأنه فقه عقلي لمواجهة الحركة والواقع يغلب عليه الانطباع وعدم الضبط، وكذا كل ما ذكرنا هو تعبير عن موقف حركي للمذهب الجديد الشيعي وهو يتحرك في أوساط مخالفة لعقيدة الأمة وجمهورها وغالبيتها.

فكرة المهدوية أي الإيمان بإمام أو بمرشد وهو تعبير عن موقف ديني بالأساس، ولكنه يشير إلى اختلاط بالسياسة وهو ما يعبر عنه في جماعة الإخوان بالإمام "حسن البنا" أو بالمرشد العام للجماعة، هنا نوع من السطوة الرمزية التي يشير إليها اللقب، إن الإمامة هنا لا تعني بالطبع إمامة الصلاة، وإنما تعني معنى أوسع وأعمق يستمد رمزيته مما يمثله الإمام من مكانة دينية شاملة أو جامعة تفرض حقوقا وواجبات على أتباعه تصل إلى حد الولاية الدينية التي لا يمكن رد ما تريده أو ترغبه، وهذا أيضا له علاقة بالطرق الصوفية التي ربما يكثر فيها الحديث عن الإمام فلان بما له من حق ديني على أتباعه ومريديه. 

إن الشيخ الغزالي وفريد عبد الخالق شهدا بأن البنا قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت بالإخوان إلي قراءة المأثورات

ومن ثم فإن جماعة الإخوان حين اعتبرت نفسها بأنها جماعة شاملة فهي" دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفيه وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية"  فهي طرحت نفسها باعتبارها مجالا ممتدا لا يمكن لمنتسبها أن يتجاوزه أو يفكر في الخروج عنه، نحن أمام تأسيس جديد مهيمن وممتد وشامل ومتسع يبدو لنا كعالم مؤسس فضفاض، وشامل كما لو كان مذهبا جديدا يجب علي المسلمين جميعا بكل طوائفهم واتجاهاتهم الانخراط فيه، لا أظن أن جماعة جاءت فقدمت نفسها بهذا الشمول والاتساع المطبق سوى المذاهب ذات الطابع الانقسامي الشيعة بتحولهم من خلاف سياسي إلى عقيدة جديدة وانقسام جديد ومن قبلهم الخوارج.

وكما كان خلاف الشيعة سياسيا مع الأمة حين اختارت أبا بكر الصديق ولكنه تحول إلى خلاف عقدي ومذهبي متكامل لفصيل جديد من الأمة في مواجهة بقيتها معرّفا نفسه بهوية مختلفة ومتمايزة، كل همه أن يتمايز ويفاصل ويؤسس لحالة انقسامية هي تعبير عن واقع أزمة نفسية أكثر منها تعبيرا عن حاجة الأمة إلي ذلك الانقسام الجديد، فإن الإخوان بدأوا جماعة دعوية لعشر سنوات، ثم تطوروا إلي حالة سياسية منذ عام 1938، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 كانت الجماعة قد قويت شوكتها واستوت على سوقها فأسست تنظيما خاصا وسريا لا يعلم عنه أحد شيئا سوى مؤسسه البنا، وصار للتنظيم الخاص علاقاته بالقوى العاملة في التنظيمات السرية ومنها تنظيم الضباط الأحرار، ثم دخل التنظيم الخاص عالم التنفيذ فكانت حوادث الاغتيالات مثل قتل الخازندار في مارس 1948م، حين حكم على أحد الإخوان وكان متهما بإلقاء المتفجرات على نادٍ تابع للإنجليز بالإسكندرية، بيد أن مقتل رئيس الوزراء المصري "محمود فهمي النقراشي" بيد طالب الطب البيطري عبد المجيد حسن، والذي ارتدى زي ضابط وانتظر الرجل في بهو وزارة الداخلية ثم أطلق عليه النار فأرداه قتيلا وذلك في 28 ديسمبر عام 1948، ومن قبل كانت هناك قضية السيارة الجيب التي وقعت في شهر نوفمبر عام 1948 والتي أكدت الأوراق المضبوطة فيها أن الإخوان لديهم تنظيم سري عسكري، وأن كثيرا من الحوادث التي لم يكن معروفا فاعلها يبدو أن الإخوان هم من قاموا بها، وهو ما قاد إلى أن يأخذ رئيس الوزراء قرارا بحل الجماعة في 8 ديسمبر 1948، وهنا قال حسن البنا "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" لما حاول التنظيم الخاص أن يحرق أوراق قضية السيارة الجيب التي كانت مودعة في محكمة الاستئناف.

وفي هذه الأجواء العصيبة جدد حسن البنا اشتراكه في جمعية الشبان المسلمين، وكان له مكتب فيها فهو من مؤسسيها، وكما يشير عبد العظيم الديب في كتابه "الإخوان المسلمون والعمل السري والعنف" فإن الشيخ الغزالي وفريد عبد الخالق شهدا بأن البنا قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت بالإخوان إلي قراءة المأثورات"، ويمضي الرجل ليقول: وحكاه كثيرون عنهما – أي أن ما قاله البنا ذكره كثيرون من الإخوان في مقام يوحي بأن حسن البنا كان نادما على أنه دخل بالإخوان ميدان العمل السياسي والتنظيم السري والتدريب العسكري، ومعنى هذا أنه لو عاش لانسلخ من كل هذه الأنشطة – والديب ينفي ويبرر أن حسن البنا قال ذلك في وقت المحنة، وهو من نوع ما قال بعض الصالحين "يا ليت أمي لم تلدني"، وهذا في الحقيقة يعكس التهافت في التبرير والإصرار على الاستمرار في دفع الجماعة إلى مواجهة مستمرة مع الدولة وإلى محنة طويلة لا تنقطع.

يأتي الغلو والتطرف والتحزب والاستئثار بالإسلام دون الناس رغم أن الإسلام دين للناس جميعا ورسوله بعث للكافة

كان يمكن أن نسمي ما تركه حسن البنا من آراء نوعا من الفكر السياسي التجديدي، كما كان ذلك شائعا لمفكرين أو وعاظ أو مجتهدين في تلك الفترة، فقد كان هناك رشيد رضا ومن قبله محمد عبده ومن قبله جمال الدين الأفغاني والكواكبي، بيد أن هؤلاء المجددين والمفكرين كان اجتهادهم شائعا في الأمة كلها، ولم يكن اجتهادهم أو كلامهم موجها لفئة منها باعتبارها هي الفئة التي إن توفرت لها الكتائب فإنها سوف تغزو كل جبار عنيد، فقد قال حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس "في الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيا بالإيمان والعقيدة وفكريا بالعلم والثقافة وجسميا بالتدريب  والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجاج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء وأغزو بكم كل جبار عنيد فإني فاعل إن شاء اللـه".

هنا اجتهاد حسن البنا الحقيقي في التنظيم والبناء الذي أسسه للجماعة والذي أغراه بالمضي قدما من مرحلة إلي مرحلة جديدة في الحركة يؤسس الكتائب والجوالة ومن قبلها الأسر، ثم واجه مشكلة وماذا بعد؟ وهنا المأزق وقع الشيخ تحت مطرقة التنظيم الذي أسسه وسندان السرية التي ربَّى خيار قومه عليها، المتعجلون يتعجلون المواجهة، والشيخ لا يعرف أين تكون وجهة المواجهة وقد كانت في فلسطين في حرب 1948 أما بعد الحرب فقد كانت في القناة ولكن نزعة التربية المواجهة لعدو مترسخة في الأسر والمناطق والمكاتب الإدارية وهي التي عبرت عن نفسها في مواربة دائمة لباب العنف، التنظيم الخاص انفلت من يد مؤسسه واتجه بفائض طاقته بالضرورة وبمنطق الأشياء نحو التنفيس عن مكبوتاته والتعبير عن التعبئة التي ملأته حتى كادت تفجره ومن هنا كان رد الحكومة في عهد إبراهيم عبد الهادي بقتل مؤسس الجماعة وباذر بذرتها وراعيها لكي تواجه ما يقرب من ثلاث سنوات من الضياع قبل أن تستقر على مرشد جديد.

تراث البنا يمكن أن يكون موضوعا لاعتباره جزءا من حلقة الفكر الإسلامي لو ترك ليكون للأمة جميعها وللمصريين كلهم وليس فقط لجماعة، لأن الجماعة تقدس وتتدين بما ليس مقدسا وليس دينا، وهنا يأتي الغلو والتطرف والتحزب والاستئثار بالإسلام دون الناس رغم أن الإسلام دين للناس جميعا ورسوله بعث للكافة.

ولا يزال ذلك ممكنا في تقديرنا لو حررت الجماعة هذا الفكر عن التقديس وعن اعتباره عقيدة ودينا، فهو فكر لمجتهد أو مفكر أو مجدد كبقية أمثاله ومعلميه ممن سبقوه، ولو تحررت الجماعة من سطوة تنظيمها وعادت لأمتها لا يحول بينها  وبين الناس تنظيم خاص أو سري أو جهد يحتكرونه هم نيابة عن الناس ودونهم، فليكن العمل والجهد داخل الأمة وتعبيرا عنها وبعيدا عن السرية وأحاديث السرار، لا نريد مزيدا من الانقسام للأمة ولا نريد مزيدا من التنظيمات ، كل من لديه خير فليجعله شائعا لأمته لا يستأثر به دونها ولا يستخدمه في مواجهتها. 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟