المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

ما هى التكلفة الاقتصادية لمواجهة الإرهاب ؟

الأحد 08/فبراير/2015 - 08:11 ص

نعرف عدد شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم فداء لمصر ولشعب مصر. نعرفهم ونعرف أعدادهم لأنهم يسجلون بأرواحهم حلقة هامة فى تاريخ مصر. كما أنهم يدحرون الإرهاب وسوف ينتصرون عليه أمنيا. كما نقدر عاليا تضحياتهم التى لا يمكن بأى حال أن تقدر بثمن. فالشرطة تعرف عدد شهدائها، وكذلك القوات المسلحة، فالمؤسستان تمتلكان إحصاء دقيقا لشهدائهما، تعرفان الشهداء إسما إسما وموقعا موقعا، أين ولدوا وأين دفنوا. تعلمان رتبهم وأعمارهم وسجلات خدمتهم. كما تعرفان أسرهم وتقدم لها كل العون المطلوب. وهذا واجب المؤسستين والشعب تجاه شهدائنا الأبطال. وهو فى النهاية عمل، وإن كان صعبا على النفس، إلا أنه عمل سهل فى ذات الوقت.

ويسهل على كل مؤسسة أو منظمة سقط لها شهداء أن تعرفهم فردا فردا وأن تقدم لهم التقدير الكافى لهم كما تقدم لذويهم كل الإمكانيات المتاحة لديها. فللشهيد حقه فى رقابنا لا يمكن إلا الإعتراف والوفاء به. وربما نضرب المثل، فى حالة المؤسسات المدنية، بنقابة الصحفيين المصريين التى لا تزال تحتفظ برسومات لوجوه شهدائها واسمائهم وتاريخ ومواقع استشهادهم، تعرفهم جميعا سواء صحفيات أوصحفيين، إستشهدوا منذ 25 يناير، وتحتفظ برسومات وجوههم على جدار مدخل مبناها الشهير. عدد من الرسومات الحاملة للشخصيات على يمين المدخل وعدد آخر على يساره. سقط كل منهم فى موقع وفى ظرف مختلف لكن لهم نفس الحقوق النقابية. هؤلاء الصحفيون والصحفيات، نطلق عليهم عبارة «شهداء المهنة» لأنهم سقطوا أثناء تأديتهم لعملهم المهنى بغض النظر عن إنتمائهم السياسي. فالكل يستمر واحدا أمام النقابة طالما سقط أثناء تأدية عمله المهنى وبغض النظرعن موقعه فى جداول النقابة. كما نعلم أن الدولة تعرف عدد المؤسسات التى أحرقت ودمرت بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 ثم بعد الثلاثين من يونيو 2013 كذلك بعد الرابع عشر من أغسطس من نفس العام الأخير. قد لا نكون قد تعرفنا لحظتها على الفاعل والمحرض المباشر لإشعال الحرائق وهدم المبانى ولكننا بتنا الآن نستنتج هوية المحرض لهذا الفعل الأثم. بتنا نتأكد منه كتنظيم وكأفراد فترة بعد فترة من الزمان والخبرة. مثلا تعلم الدولة عدد أقسام الشرطة التى أحرقت ودمرت كما نعرف جميعا عدد الكنائس التى أحرقت ودمرت ونهبت بجانب علمها بحرق مبنى الجمعية الجغرافية التاريخى ومقار النيابات التى كانت تحتفظ بسجلات التحقيقات والقضايا. وتعلم هذه الدولة عدد المواقع التى إنفجرت فيها القنابل المزروعة والآثار المترتبة على إنفجارها أو تفكيكها. فلكل شيء ثمن. كما تعرف الدولة عدد المركبات العامة والخاصة التى أحرقت. كما تعلم الدولة ونعلم معها أثار التدمير والتخريب الفوضوى الذى ترتب على إعتصامات المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى ثم إعتصام رابعة والنهضة وتفجير وتخريب أعمدة توصيل الضغط العالي. وفى كل يوم نتعرف على قطع الآثار التى سرقت من هذا المتحف أو ذاك.

وفى كل يوم نشاهد مبنى الإتحاد الإشتراكى القديم يقف حاملا لون نهايات الحرق والتدمير والسطو بالقرب من ميدان التحرير. هذا المبنى الذى كان جميلا هندسيا والذى بنى عام 1960 ليكون مقرا لمحافظة القاهرة ثم خصص ليكون مقرا للإتحاد الإشتراكى ثم تحول إلى مقر للمجلس الأعلى للصحافة الجامع لأكبر مكتبة قانونية عن الصحافة. كما كان بضم المجالس القومية المتخصصة التى كانت تمتلك أبحاثا متنوعة لكبار مثقفى وباحثى مصر تغطى كل القضايا المجتمعية. كما كان يضم المجلس القومى للمرأة ومكتبته التى كانت فى طور التطور لتصبح مرجعا أساسيا لكل قضايا وقوانين المرأة فى الداخل والخارج.. ولم يحتل الحزب الوطنى إلا جناحا صغيرا ملحقا به. وبالرغم من كل هذه التبدلات عليه يظل ملكا للشعب المصري. والخسارة الكبيرة أنه كان يحتفظ بعشرات الآلاف من الأبحاث وآلاف من المراجع العلمية التى كان الباحثون يستعينون بها فى استكمال أطروحاتهم العلمية. وقبل كل ذلك فهو ملك الشعب المصري، بناه بأمواله. مع علمنا بكل ذلك فإننا نبحث عن شيء هام آخر. هذا الذى نبحث عنه هو التكلفة المادية الاقتصادية التى تحملها الشعب لمواجهة هذا الإرهاب والتى يحتاجها لإعادة بناء ما تهدم. نريد أن نعرف من الدولة كم الأموال التى أهدرها الإرهابيون وكم الأموال التى تكلفتها وسوف تتحملها خزانة الدولة المصرية لمواجهة هذا الإرهاب الذى بدأ هجومه منذ أن تجمع الشباب فى ميدان التحرير بادئين ثورتهم السلمية. نريد ان نعرف هذا الكم من الأموال التى دفعها وسوف يدفعها المواطن من جهده وعمله. نريد من الدولة أن تقوم بتقييماتها المادية التى احتاجتها وأنفقتها لإعادة بناء كل مقر شرطة وكل كنيسة وكل ميدان وكل أعمدة الضغط العالي، بحيث يتعرف الشعب المصرى ليس فقط على عدد شهدائه الأبرار وإنما كذلك على ما سيدفعه من إنفاق عام لن يتحمله إلا هو، كشعب. يدفع الشعب المصرى بشكل يومى ثمن التخريب والقلق الذى يحدثه الإرهاب بما يؤكد على أن تلك الإعتداءات اليومية الارهابية عليه لا تقع على الجنود من القوات المسلحة والشرطة فحسب وإنما تقع على حقوق الشعب المصرى فى التعليم والصحة والسكن والحياة بشكل عام.

لقد خرج الشباب ومعه الشعب المصرى إلى ميدان التحرير فى الخامس والعشرين من يناير مطالبين بحياة أفضل وبعدالة إجتماعية وبديمقراطية حقيقية. لذلك كان شعارهم «خبز وحرية وعدالة إجتماعية وكرامة إنسانية». كما خرج الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو ليحقق ما لم يتحقق من ثورته الأولى التى سرقت منه. وبعد الثورتين علت المطالب التى كان مسكوتا عنها. تحدث الناس بصوت عال يطالبون بكل إستحقاقاتهم الانسانية التى كانوا محرومين منها بسبب الإهمال او بسبب غياب العدل الاجتماعى أوبسبب إنتشار الفساد.

لم تعد المطالب تقدم فى مظالم مكتوبة ترسل للحاكم أو للوزير أو للمسئول المباشر، وإنما باتت المطالب الشعبية، مهما بدت صغيرة، تقدم على الفضائيات بلا خوف وبلا انتظار إلا أن تتحقق واحدة تلو الأخري.

وتتعاظم المطالب لأنها قديمة لم يُنْتبه إليها قبلا بهدف حلها، فتراكمت الواحدة على الأخرى بحيث يبدو للمرء بأن الأرض قد انشقت وظهرت منها أمور لم تكن موجودة. ولكن فى حقيقة الأمر ان هذه المشاكل كانت موجودة وكانت واضحة للبعض منا، وكان العديد منا ينبه إليها ويحذر من توابعها. وكانت المشاكل تعيش حولنا وأمام أعين الذين كانوا يتجاهلونها. ولكن أصحابها، أو الذين كانوا ولا يزالون يعانون منها، لم يكن فى مقدورهم الحديث عنها بصوت عال. والأن وبعد أن عرفوا قيمة الخروج إلى الميادين باتوا يجهرون بها ويطالبون بسرعة حلها. وهو حق لهم كبشر وكمواطنين.

وعلى سبيل المثال كنا جميعا نشكو من منظومة التعليم ومن منظومة خدمات البنية التحتية من مياه وكهرباء وصرف. وكنا جميعا ننظر لمنظومة العلاج كمنظومة تحتاج إلى سياسات جديدة تساعد على وصول كل مواطن إلى خدمة صحية تعينه على تجاوز كلفة العلاج والدواء التى باتت فلكية لا يستطيع مواطن متوسط الحال مواجهتها. كما أن الدولة تواجه إستحقاقات دستورية لابد أن تفى بها، مثل النسب المخصصة للعلاج والبحث العلمى فى الموازنة العامة للدولة. وهذه إستحقاقات عامة تطالب بها النقابات وبجانبها كل العلماء المهتمين بتقدم مصر.

نعرف كل ذلك، لكن الفارق أن المواطنين يجهرون بها الآن دون خوف، كما ذكرنا. وعادة يتساءل أصحاب المشاكل عن سبب تأخر حل مشاكلهم المتراكمة بينما قد قاموا بتأدية واجباتهم الوطنية بشكل كامل. فالمواطنون صبروا قديما ولم يعودوا يملكون قدرا آخر من الصبر يعتمدون عليه ليستطيعوا تحمل ما يمرون به من معاناة. لذا نريد أن نعرف تكلفة هذا الإرهاب لكى نتعرف على كم الأموال التى صرفت على مواجهته خصما من الموازنات التى كان من الممكن أن توجه لحل هذه المشاكل اليومية التى كان حلها ولو جزئيا، سيخفف معاناة البشر. أتصور أن هذا المطلب حق للشعب وواجب على الدولة حتى تتم المكاشفة الصريحة.

 

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟