تقول أودرى كيرت كرونن Audrey Kurth Croninفى كتابها كيف ينتهى الارهاب: إن ثمة ميلاً تاريخياً يؤكد فشل الارهاب.
ولعل المعركة الحاسمة التى تسهم فى اجتثاث جذور الارهاب تتمثل فى إفشال عملية توريث الأفكار المتطرفة عبر الأجيال، بالإضافة إلى خلق بيئة فاعلة للمشاركة السياسية التى تستوعب جميع المواطنين على قدم المساواة. وتُظهر الخبرة المعاصرة فى محاربة الارهاب تحديات البحث عن الاستراتيجيات الملائمة لتكريس الشرعية السياسية ومنع التبشير بأفكار ومعتقدات التطرف والغلو الديني. وخلال العقدين الماضيين بات واضحاً التحول من المنظورات الأمنية والعسكرية ليتم تبنى اقتراب ناعم لمحاربة الارهاب.
ويتضمن المنظور الناعم سعياً حثيثاً نحو التخلص من بيئة التطرف الفكرى وهندسة عملية العودة الآمنة للمتطرفين لأحضان الاعتدال المجتمعي، وتزويدهم بشبكة دعم مستمرة، والتغلب على الأسباب المؤدية للتطرف، وفك الارتباطت بينهم وبين المعتقدات المتطرفة وبيئتها الاجتماعية الحاضنة.تويطلق البعض على المنظور الناعم فى محاربة الارهاب اسم التحصين المعرفى بحسبانه جزءاً من حرب أوسع ضد الأفكار المرتبطة بالتطرف والارهاب وتلك التى تدعو إليه وتحض عليه. ولا شك أن هذا المنظور ينظر إلى الارهاب باعتباره مشكلة مجتمعية، وهو ما يجعل من الضرورى تبنى رؤية تكاملية تجمع بين الدولة والمجتمع المدنى من أجل توحيد الجهود فى محاربة التطرف الفكرى والارهاب العنيف.
إن استراتيجيات منع التطرف العنيف ومواجهة الراديكالية فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ينبغى أن تشكل مزيجا فريدا من سياسات الاكراه والترغيب بما فى ذلك الحوافز المالية لاقناع المتهمين بالإرهاب على نبذ التطرف العنيف. هذه السياسات تتألف من مكونين أساسيين : أولهما معرفى ثقافى بما فى ذلك مواجهة الحجج ومحاربة الأفكار ، والثانى هو عنصر تحفيز للمتطرفين على أساس الدعم المادى والتدريب المهنى .
وعلى الرغم من مقولة حتمية فشل الارهاب وأهمية تبنى استراتيجيات بعيدة المدى لاجتثاث جذوره والتخلص من البيئة الحاضنة له فإن حلا سريعا للتخلص منه لا يلوح فى الأفق القريب.لقد أضحت بوكو حرام حالة بالغة التعقيد حيث تحولت مواجهتها إلى حرب إقليمية. ففى القمة الأفريقية المنعقدة فى أديس أبابا نهاية يناير 2015 تم إقرار انشاء قوة مشتركة متعددة الجنسيات قوامها (8700) جندى لمحاربة بوكو حرام. ومن الطريف أن الجيش النيجيرى يزعم أنه على استعداد للتخلص من هذه الجماعة فى غضون شهر واحد كى يتمكن النيجيريون من الذهاب إلى صناديق الانتخابات.وللأسف الشديد فإن هذه التقديرات الخاصة بحجم وخطورة الجماعات الارهابية فى أفريقيا تحديدا تبدو غير دقيقة . لقد أضحت بوكو حرام تحارب على جبهات خارجية فى الكاميرون والنيجر وتشاد بالاضافة إلى مدن الشمال النيجيري.ومن الواضح أن الجماعة تمتلك المال والسلاح من خلال السطو على البنوك والمدن التى يتم السيطرة عليها، فضلا عن عمليات التهريب التى تتم عبر الحدود انطلاقا من الأراضى الليبية. ومن الواضح أن النطاق الجغرافى الذى تعمل فيه قوات بوكو حرام فى غاية الاتساع ، وهو ما يعنى ارهاق القوات المنخرطة فى الحرب على الارهاب. ولكن السؤال الأهم هنا يتعلق بالأسباب التى تدفع المزيد من الشباب إلى الالتحاق بمثل هذه التنظيمات الراديكالية المتطرفة؟.لقد أظهرت العديد من الدراسات أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية ليست هى الدافع الأساسى للتطرف. فثمة مفاهيم ترتبط بالهوس الدينى مثل فكرة دولة الخلافة وحلمها التاريخي. وربما يكون رد الفعل المبالغ فيه من قبل قوات الأمن دافعا كذلك لإحباط وتطرف بعض الشباب. وثمة بعض المؤشرات التى تدفع للقلق فى أفريقيا فيما يتعلق بجهاز الأمن ،مثل انتشار الفساد واستخدام التعذيب واختفاء بعض المشتبه بهم .
وهناك من يرى أن الارهاب ما هو إلا صناعة خارجية، ويعبر عن لعبة الأمم فى أفريقيا والشرق الأوسط. ففى مايو 2014 نشرت شبكة نهضة أفريقيا الاخبارية تحليلا عميقا عن بوكوحرام باعتبارها إحدى عمليات جهاز الاستخبارات الأمريكية السرية فى أفريقيا.
وطبقا لهذه الرؤية فان ثمة أيدى خفية أدت إلى ظهور داعش وأخواتها فى أفريقيا. فالهدف الأسمى للقيادة الأمريكية فى أفريقيا (أفريكوم) هو فرض منطق الباكس أمريكانا الذى ينتقص من القيم والثوابت الوطنية ويفرض السلام بمنظور أمريكي. وأحسب أن ذلك لن يتحق إلا بالفوز بالدول الكبيرة مثل نيجيريا ومصر. وتذهب بعض التقديرات الأفريقية إلى القول بأن الهدف الأمريكى غير المعلن هو العمل على تفكيك نيجيريا والوقوف فى وجه امكانية تشكيلها تهديدا استراتيجيا للمصالح الغربية فى أفريقيا. وتنقسم الخطة الأمريكية إلى ثلاثة مراحل. أولها زرع النموذج الباكستانى فى نيجيريا وذلك مع تصاعد حدة ووحشية هجمات بوكو حرام ضد المدنيين والمنشآت العامة . أما المرحلة الثانية فإنها تشير إلى تدويل وعولمة بوكو حرام واستخدام آلة الاعلام الغربى لتبرير التدخل الدولى بحسبانه الحل الوحيد. ولعل ذلك يدفع فى نهاية المطاف إلى تفكيك نيجيريا ووضعها تحت الوصاية الدولية من خلال الاقرار بوجود قوات لحفظ السلام.
ربما يقول قائل أن هذا منطق تآمرى يميل إلى التبسيطية المفرطة التى لاترقى إلى فهم طبيعة الأوضاع المعقدة والمتشابكة التى يموج بها الواقع الأفريقى بشكل عام. ربما يكون ذلك صحيحا، ولكننا أبرزنا أهمية التعامل مع العوامل الأساسية والبيئة الحاضنة للارهاب. ونحن نؤمن بأن أهم سلاح يواجه الفكر المنحرف هو الفكر الصحيح، وقد أطلقنا على هذه المعضلة صراع الأفكار، وهى تمثل الشكل الذى سوف تكون عليه الحروب الجديدة فى عالم القرن الحادى والعشرين. ومع ذلك فإن منطق الحروب الجديدة يقول بوجود قوى غيرمرئية.
.لقد أشارت بعض التقارير إلى اشكالات التدخل الفرنسى فى أفريقيا وكيف أن الاستخبارات الفرنسية قد ساعدت بعض جماعات التمرد كما هو الحال فى مالي. بيد أن النتيجة تكون أحيانا انقلاب السحر على الساحر. .ومن جهة أخرى فان منطق الأيدى الخفية هنا لا ينطبق على الخارج ولكن يمتد ليشمل بعض الأطراف الداخلية فى أفريقيا. إنها حروب جديدة وبأسلحة جديدة ، ومع ذلك فان إرادة الشعوب تنتصر فى نهاية المطاف.
نقلاً عن الأهرام