قبل بضع مئات من السنين، كان مصطلح "الرياضة" يشير إلى مجموعة متنوعة من أشكال اللهو الخفيف والتسلية، ليتطور نموذجه على المدى مع تطور عملية التصنيع، إلى الدرجة التى لا يسع المرء فيها سوى أن يدهش، بالنظر إلى التوازى بين هاتين السيرورتين، أى الانتشار الذى بدأ لنماذج صناعية فى الانتاج والتنظيم والعمل، وانتشار هذا النوع من أنشطة وقت الفراغ والمسمى بالرياضة، وضمن أنواع التنظيم المرتبط بها.
فى إطار هذا التنظيم، تشكلت روابط لتشجيع اللاجئين ومؤازرة فرقهم ونواديهم، لم يتعدى دورها، إلا فيما ندر، هذا التشجيع، وهو ما يسجله تاريخ النوادى الرياضية المصرية حتى وقت قريب، حين كانت العلاقات بين هذه الروابط تقوم على المنافسة الشريفة، فما الذى حدث بعدها كى تتحول هذه الروابط إلى تجمعات متعصبة؟ وقبلا، ما هو التعصب؟
لنقرر، ابتداء، أننا بإزاء واحد من المفاهيم الإشكالية، التى تنسج حضورها البارز فى الواقع وفى الخطاب. ويمكن لنا فى هذا السياق أن نميز فى التعصب أشكالا مختلفة ومتباينة (التعصب العرقى، التعصب الثقافى، التعصب الدينى، التعصب الطائفى، التعصب الكروى..)، وإن جاز القول أن التعصب، فى مختلف صوره وتجلياته، يؤكد على جوهر واحد قوامه تشكيل رأى ما دون أخذ وقت كاف أو عناية للحكم عليه بإنصاف، فيما قد يكون هذا الرأى إيجابيا أو سلبيا، ويتم اعتناقه دون اعتبار للدلائل المتاحة، وقد يعنى التعصب أيضاً، الرأى السلبى تجاه أفراد ينتمون إلى مجموعة اجتماعية معينة، حيث ينمو الأفراد المتعصبين إلى تحريف وتشويه وإساءة تفسير، بل وتجاهل الوقائع التى تتعارض مع آرائهم المحددة سلفا.
ولدينا فى مصر، بدأت هذه التجمعات المتعصبة فى الظهور، مع ما يعرف باتحاد عشاق الأهلى عام 2004، والذى نجح فى جذب قطاعات كبيرة من الشباب المغرم بتشجيع الرياضة عامة، والمنتمى للنادى الأهلى بالتحديد، لنتشر بعد ذلك فى بقية الأبنية عبر روابط الألتراس، ممن ترسخت لديهم عقيدة شمولها "روح الألتراس".
والتى ما لبثت أن تصاعدت على نحو متعصب، يوضحه حادث استاد بور سعيد الذى أودى بحياة (72) من أعضاء ألتراس الأهلى، وحادث دار الدفاع لجوى مؤخرا، ونتج عنه وفاة أكثر من عشرين مسجعا.
ويشار هنا أن ظهور هذه التجمعات، يأتى فى ظروف لم تعد فيه الأسرة أو المدرسة أو الحزب قادرة على تحقيق دورها فى التنشئة الاجتماعية أو التعليمية أو السياسية، مما فسح المجال لانضواء أعضاء هذه التجمعات حول أنديتهم الرياضية، كبديل عن المؤسسات الأخرى، وهو ما يمكن أن يفسر عداءهم للدولة بكافة تنظيماتها.
ويتوارد ظهور هذه التجمعات كذلك، فى ظروف محاولة الدولة إتباع سياسة احتوائها، والتأمل مع أعضاءها باعتبارهم مازالوا قاصرين.
ويتبقى فى الأخير مقاربة حادث دار الدفاع الجوى، وهو الحادث الذى تآزرت فى وقوعه مختلف الأطراف: فوزارة الشباب كان عليها أن تهيئ الاستاد، وطبقا للشروط الدولية، بإقامة منافذ عديدة يمكن أن تسمح للمتفرجين بالخروج فى أمان، بدل المنفذ الواحد الذى أقامته، وأن تأخذ بنظام البوابات الالكترونية والتذاكر الممغنطة.
أما الآمن، فكان عليه أن يتريث فى السماح بدخول المشجعين، أخذاً فى الاعتبار تلك التهديدات العلنية والمتبادل قبل الحادث.
كذلك فعلى رئيس نادى الزمالك ألا يقدم نفسه، باعتباره من سيتمكن من القضاء على هذه التجمعات الغاضبة.
ويتبقى سؤال فى الأخير: أين دور أجهزة الثقافة فى مواجهة هذا التعصب؟.