المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

عدم الثبات: ملامح وتحديات الحقبة السياسية الجديدة في السعودية

الإثنين 02/مارس/2015 - 10:24 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم نوّار*

بصعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى كرسي العرش الملكي في المملكة العربية السعودية، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك عبد اللـه بن عبد العزيز في 22 يناير 2015، أصبحت المملكة على أعتاب حقبة سياسية جديدة. السبب في ذلك إنه لم يتبق من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود في سلسلة الحكم غير الأمير مقرن (69 سنة) الذي يشغل حاليا منصب ولي العهد بقرار من الملك الراحل عبد اللـه حصل على تأييد هيئة البيعة السعودية. وفي حال انتقال الحكم بعد الملك سلمان إلى ولي عهده، فإن الملك المقبل لن يجد من أخوته من يتولى الحكم بعده. ولذلك وجب البدء في ترتيب الأمور من الآن لتولي الجيل التالي مقاليد الحكم في البلاد. ومع ذلك فإن الأوامر الملكية السريعة والمتلاحقة التي أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز تشير بوضوح إلى أن هناك أولوية أخرى أصبحت تتقدم الآن على ما عداها وتتمثل في التخلص سريعا من جزء مهم من الميراث السياسي الذي تركه وراءه الملك الراحل عبد اللـه بن عبد العزيز. فالملك الجديد لم ينتظر لإعطاء الفرصة لولي العهد، وإنما بادر هو بعملية لا يمكن وصفها بأقل من "عملية تطهير سياسي وإداري" للتخلص من ميراث الملك عبداللـه السياسي والإداري.

 

من المرجح أن تؤدي التغييرات التدريجية إلى الكشف عن توجهات جديدة في الإدارة السياسية داخل المملكة تصب في مصلحة جيل أحفاد الملك المؤسس

أولا- توازنات جديدة في الإدارة

وقد تضمنت الأوامر الملكية التي أصدرها الملك سلمان خلال الأسبوع الأول من حكمه، والتي بدأ نشرها قبل بدء مراسم دفن الملك الراحل، إزاحة اثنين من أبناء الملك الراحل هما الأمير مشعل بن عبد اللـه أمير منطقة مكة الذي حل مكانه الأمير خالد بن فيصل، والأمير تركي بن عبداللـه أمير من منطقة العاصمة الرياض والذي حل محله الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز. لكن الملك أبقى على كل من الأمير متعب بن عبد اللـه وزيرا للحرس الوطني (200 ألف جندي وضابط)  والأمير عبد العزيز بن عبداللـه نائبا لوزير الخارجية. ويبدو أن القرارات التي صدرت بشأن تقليص نفوذ أبناء الملك الراحل أخذت في اعتبارها التوازنات الدقيقة بين نفوذ أحفاد الملك عبد العزيز الذين ستنتقل السلطة إليهم بعد ولي العهد الحالي. وقد فتح قرار الملك سلمان الباب لانتقال السلطة رسميا إلى جيل أحفاد الملك المؤسس بتعيين الأمير محمد بن نايف نائبا لولي العهد (ولي ولي العهد)، ليقطع بذلك الطريق على الشكوك التي ثارت في الأشهر السابقة لوفاة الملك عبداللـه حول احتمال تولي الأمير متعب بن عبداللـه ومنصب ولي ولي العهد.

كما امتدت عملية التطهير السياسي والإداري التي أصدرها الملك سلمان، والتي يقودها من وراء الستار الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع المستشار الخاص للملك رئيس الديوان الملكي، لتشمل عددا من أمراء الأسرة الحاكمة، كان من أبرزهم الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة الذي تم إعفاؤه من منصبة وتعيين الفريق خالد بن عبداللـه الحميدان خلفا له. كذلك تم إعفاء الأمير بندر بن سلطان أمين عام مجلس الأمن الوطني من منصبه وتم إلغاء المجلس بالكامل، وتقرر نقل صلاحياته إلى مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وهو أحد مجلسين (الآخر هو مجلس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية) تم استحداثهما أيضا في هيكل مؤسسات الدولة.

وتضمنت التغييرات عددا كبيرا من المسئولين من خارج الأسرة الحاكمة ينتمون إلى عائلات معروفة بقربها وولائها للملك الراحل. وتعتبر عائلات التويجري وآل الشيخ والشريف من أهم هذه العائلات. وقد بدأت هذه التغييرات بالإطاحة بالسيد خالد التويجري رئيس الديون  الملكي السابق وأمين عام هيئة البيعة. وكان خالد التويجري معروفا بنفوذه القوي داخل القصر الملكي. وبرحيله عن القصر فقد معظم آل التويجري المناصب العليا التي كانوا يتولونها في مؤسسات الدولة المختلفة، مثل المهندس عبد العزيز التويجري رئيس المؤسسة العامة للموانئ السعودية. كما تم إعفاء رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس هيئة التحقيق والرقابة الحكومية ورئيس هيئة الطيران المدني وغيرهم.

وعلى الرغم من أن أهم الأسباب الكامنة وراء هذه التغييرات يتعلق باعتبارات الولاء للملك الجديد، إلا أنه من المرجح أن تؤدي هذه التغييرات تدريجيا إلى الكشف عن توجهات جديدة في الإدارة السياسية داخل المملكة تصب في مصلحة جيل أحفاد الملك المؤسس وتمهد الطريق للحقبة السياسية الجديدة التي تستعد السعودية للدخول إليها.

ونظرا للحالة الصحية التي يمر بها الملك سلمان، فإنه من المرجح أن يكون التعاون الوثيق بين الأمير محمد بن سلمان الرجل القوي في الديوان الملكي والأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد هو حجر الزاوية في التغييرات التي من المتوقع أن تستمر خلال الأشهر المقبلة حتى تتضح ملامح التغير في الخريطة السياسية داخل الأسرة الحاكمة. ولذلك فإن إحدى المشكلات التي ستواجهها الإدارة السياسية الحالية تتمثل في كيفية إدارة العلاقة مع ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي عينه الملك الراحل عبد اللـه وحصل له على البيعة واشترط في نص قرار البيعة ألا يتم تغييره بأي حال من الأحوال أو تحت أي ظرف من الظروف. وإذا اعتبرنا أن الحقبة المقبلة هي حقبة حكم أحفاد عبد العزيز، فإن نفوذ ولي العهد الأمير مقرن سيكون محدودا جدا، نظرا لأنه أصبح محصورا بين فكي كماشة، فهو يقع بين ملك يدير شئونه فعلا مستشاره الخاص ورئيس ديوانه الأمير محمد بن سلمان، وبين ولي لولي العهد هو الأمير محمد بن نايف الذي ينتمي هو الآخر إلى جيل الأحفاد. ويتمتع كل منهما بسلطات قوية، فمحمد بن سلمان هو وزير الدفاع ومحمد بن  نايف هو وزير الداخلية ومعهما الفريق خالد بن علي الحميدان رئيس المخابرات العامة الذي حل محل الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز في التغييرات الأخيرة.

لقد أدت الأوامر الملكية السريعة المتلاحقة التي أصدرها الملك سلمان خلال الأسبوع الأول من حكمه إلى تقليص نفوذ أبناء الملك عبد اللـه وأبناء ولي العهد الأسبق الأمير سلطان بن عبد العزيز، حيث اختفى تقريبا من على المسرح إثنان من أقوى الأمراء في أوقات سابقة هما الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع الأسبق والأمير بندر بن سلطان سفير السعودية الأسبق لدى واشنطن، كما استمر تراجع نفوذ عدد كبير من أحفاد الملك عبد العزيز الكبار سنا مثل الأمير تركي الفيصل. وعلى الرغم من أن الملك سلمان أبقى على الأمير سعود الفيصل وزيرا للخارجية، إلا أن الأمير الذي يعاني من سوء حالته الصحية، ربما يفقد الكثير من نفوذه خلال الأشهر المقبلة، لمصلحة أمراء أصغر سنا وتكنوقراط من خارج الأسرة المالكة. وربما تؤكد الأسابيع المقبلة أن التغييرات الرئيسية التي تجري الآن تصب كلها تقريبا في مصلحة تحالف محمد بن سلمان – محمد بن نايف، وهو التحالف الذي يعد نفسه لقيادة المستقبل في السعودية.

إن حكام السعودية يحرصون على استمرار العلاقة المتوازنة مع المؤسسة الدينية الوهابية، باعتبارها أحد مقومات الاستقرار الاجتماعي والسياسي

ثانيا- هل هناك حاجة لتعديل نظام الحكم؟

يقوم النظام الحالي للحكم على النظام الأساسي الذي أصدره الملك فهد بن عبد العزيز في العام 1992 ولائحته التي أصدرها الملك عبد اللـه بن عبد العزيز عام 2006. وبمقتضى النظام أصدر الملك عبداللـه أمر تكوين ما يسمى "هيئة البيعة" وهي تمثل من الناحية العملية مجلس أهل العقد والحل في السعودية، وتضم أبناء الملك عبد العزيز الذين ما يزالون على قيد الحياة وبإمكانهم المشاركة في الحياة العامة من الناحية الصحية والعقلية. كما تضم واحدا من أبناء أي من أبناء عبد العزيز المتوفين يختاره الملك. وبالإضافة إلى هؤلاء يعين الملك اثنين في عضوية الهيئة أحدهما واحدا من أبنائه والآخر واحدا من أبناء ولي العهد. وتتكون هيئة البيعة حاليا من 34 أميرا بعد استقالة الأمير طلال بن عبد العزيز من عضويتها، ويرأسها حاليا الأمير مشعل بن عبد العزيز الذي يعاني من متاعب صحية متعددة قد تحول بينه وبين الاستمرار في مكانه هذا. لكن ذلك لا يمنع من أن يتولى الأكبر سنا من أبناء الملك المؤسس رئاسة هيئة  البيعة، فإذا انقطع وجود أبناء الملك، لأسباب طبيعة أو سياسية، فسيكون من الضروري تعديل تكوين الهيئة ونظامها.

لكن انقطاع الوجود الطبيعي أو السياسي لأبناء الملك المؤسس، سيضع النظام السياسي السعودي بأكمله في مواجهة معضلة كبيرة تتعلق بكيفية استيعاب الآلاف من الأمراء من الأحفاد وأحفاد الأحفاد في هيئة البيعة وفي مؤسسات الحكم المختلفة. ويزيد من صعوبة حل هذه المعضلة أن النظام السعودي اعتمد على ما يمكن تسميته "النظام الأفقي لانتقال السلطة"، فالجلوس على كرسي الملك لا ينتقل من الأب إلى أكبر الأبناء ولكنه ينتقل من الابن إلى الأخ، الشقيق أو غير الشقيق. وبذلك يكون الأمير مقرن بن عبد العزيز هو آخر الأمراء السعوديين الذين انتقل إليهم منصب ولي العهد وفقا لهذا النظام. ونظرا لأن الملك سلمان قد اختار الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد، فإنه بذلك قد ضمن مؤقتا انتقالا سلسا للحكم بعد الأمير مقرن، لكنه لم يضع أي تغييرات تضمن انتقالا سلسا للحكم بعد الأمير محمد بن نايف.

وإزاء هذه المعضلة ستجد الأسرة الحاكمة السعودية نفسها إزاء واحد من خيارين، إما الإبقاء على سلطة هيئة البيعة في اختيار ولي العهد، وهنا سيكون من الضروري تعديل تشكيل هيئة البيعة وإعادة النظر في سلطاتها وتحديد هذه السلطات تحديدا دقيقا. وسيتطلب الأمر وضع شروط لاختيار أعضاء الهيئة بواسطة أحفاد الملك المؤسس، بما يضمن توازن النفوذ بين أبناء وأحفاد الملك المؤسس من زيجاته المختلفات، وبحيث يكون عدد أعضاء الهيئة ملائما لممارسة سلطاتها. وهنا ستتسع دوائر الصراع على النفوذ بين الأحفاد حسب اعتبارات السن وحسب اعتبارات الانتماءات القبلية من ناحية الأم إلى جانب اعتبارات الخبرات السابقة وممارسة الإدارة السياسية في الفترات السابقة.

أما الخيار الثاني فقد يكون في حصر ولاية العهد في أبناء الملك الحالي. وهنا سيثور الخلاف في المصالح بين محمد بن نايف وبين محمد بن سلمان، لأن عرش البلاد لا يتسع إلا لواحد منهما فقط. وربما قد يحتاج حسم الصراع لنشوب أزمة كبيرة في الحكم، يتم على إثرها إقصاء أحد الطرفين.

وهناك خيار ثالث، وهو خيار "الملكية الدستورية" وهو من الخيارات المستبعدة في الوقت الحاضر، نظرا لظروف التوتر الحاد والقلق التي تسود المنطقة العربية والخليج والمملكة العربية السعودية.

 

ثالثا- العلاقة بالمؤسسة الدينية الوهابية

من المعروف أن معادلة الحكم في السعودية منذ تأسيس المملكة في عشرينات القرن الماضي تقوم على التحالف بين آل سعود وبين المؤسسة الوهابية. وعلى الرغم من مظاهر الثروة والتقدم في المملكة السعودية نتيجة إيرادات تصدير النفط، فإن المجتمع السعودي لا يزال بدويا في جوهره تسيطر عليه سمات الحياة والروابط القبلية اجتماعيا والتفكير الديني السلفي عقليا. ولذلك فإن حكام السعودية يحرصون على استمرار العلاقة المتوازنة مع المؤسسة الدينية الوهابية، باعتبارها أحد مقومات الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لكن هذه العلاقة بين المؤسستين السياسية (السعودية) والدينية (الوهابية) قد تكون مقبلة على تغيرات جوهرية نظرا لطبيعة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية المحيطة في الوقت الحاضر والتي قد تستمر أو يستمر تأثيرها لفترة من الوقت. وبعض هذه المتغيرات وإن كانت تغذي قوة واحدة من المؤسستين على حساب الأخرى، فإنها في الوقت نفسه تغذي الصراع بينهما في الوقت نفسه.

لقد تمكنت المملكة العربية السعودية من تطوير جيل جديد من المتعلمين داخل وخارج المملكة. وهذا الجيل شهد انفتاحا أكبر على العالم منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، مما جعله من الناحية العقلية والثقافية يتجاوز عددا من مقومات المجتمع القبلي التقليدي داخل البلاد. وفي هذا السياق، فإن الجيل الجديد من المتعلمين السعوديين ينقسم إلى قسمين رئيسيين، الأول من حصلوا على تعليمهم داخل البلاد في المدارس والجامعات السعودية التي يسيطر عليها تقريبا الفكر الديني السلفي في جميع المجالات. والقسم الثاني يتكون ممن حصلوا على تعليمهم، أو على الأقل المراحل الجامعية وما بعد الجامعية في الخارج، خصوصا في الولايات المتحدة وأوربا. وهؤلاء يتمتعون بتكوين عقلي وثقافي مختلف يتميز بالانفتاح على الحداثة وعلى الفكر النقدي في العالم، ويؤمن سياسيا بقيم الحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ومن المهم هنا التنبيه بأن عددا كبيرا من الأمراء السعوديين من جيل أحفاد الملك عبد العزيز ينتمون إلى هذا القسم من المتعلمين. ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء اختار طوعا البعد عن السياسة مثل الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز والأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، ومنهم من اشتغل بالإعمال التجارية والاقتصادية ومنهم من اهتم بالثقافة والعلوم.

تبدو منطقة المشرق العربي منذ يونيو 2014 وكأنها ترقص على الإيقاعات الإيرانية سواء في العراق أو في سورية أو في اليمن

وتختلف الاختيارات السياسية لكل من القسمين اختلافا حادا، ويبرز في هذا السياق الانقسام العميق داخل جيل المتعلمين الشباب في السعودية بشأن العلاقة بالمؤسسة الوهابية، فأصحاب الثقافة التقليدية يميلون إلى تأييد المؤسسة الوهابية والانخراط في أنشطتها، بينما أصحاب ثقافة الحداثة والإنفتاح على العالم يكرهون هذه المؤسسة ويتمنون زوالها من الوجود! وتطفح عادة الصراعات بين هذين التيارين في أجهزة الإعلام وفي الجامعات والمدارس. ويكاد الإخوان المسلمون يسيطرون على النظام التعليمي في السعودية، خصوصا في التعليم ما قبل الجامعي وهم يبثون سمومهم الفكرية والسياسية من خلال هذه السيطرة. وهم يستقطبون إلى المدارس السعودية مدرسين تابعين لهم من كل أنحاء العالم العربي، فمن ذلك يستفيد المنتمين لهم ماليا، ومنه أيضا يقدمون للطلاب السعوديين وجبات إخوانية بلهجات عربية متنوعة ترضي كل الأذواق وترفع درجة مصداقية الخطاب التعليمي الإخواني.

ونظرا لأن المؤسسة السلفية الوهابية تمثل تقريبا عموم المسلمين السنة في السعودية، فإنها تقع لا محالة داخل دائرة الصراع بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة في المملكة خصوصا في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. فإذا افترضنا أن الصراع الذي من المرجح أن يسيطر على الحياة السياسية في السعودية (وفي المشرق العربي) هو الصراع السني – الشيعي، فإنه من المرجح أن تزيد تلقائيا قوة المؤسسة الدينية التي تنتمي إليها أغلبية المسلمين في السعودية. وكلما اشتدت حدة الصراع السني – الشيعي، كلما زادت الحاجة إلى المؤسسة الدينية الوهابية بوصفها الملاذ الديني الحامي أو الواقي من تداعيات الصراع المذهبي بين السنة والشيعة.

ومن الضروري أن نسجل هنا أن الصراع السني – الشيعي قد حل عمليا محل الصراع العربي- الإسرائيلي في منطقة الخليج، وصعد إلى مكانة تتقدم على الصراع التاريخي الذي وقع فيه العرب أو تم تجهيزه لهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وقد مرت عملية صناعة الصراع السني- الشيعي عبر ثلاثة مراحل رئيسية حتى الآن. بدأت المرحلة الأولى مع قيام "الجمهورية الإسلامية في إيران" في العام 1979 التي تبنت مبدأ "تصدير الثورة" وأعلنت سياسة عدائية ضد العرب دشنتها باحتلال جزر الإمارات الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

ثم جاءت المرحلة الثانية مع احتلال الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي للعراق عام 2003 حيث تم تحويل العراق إلى ساحة أمامية للنفوذ الإيراني في مواجهة العالم العربي، وتم في الوقت نفسه تعزيز الطبيعة الطائفية للنظام السياسي في العراق لمصلحة الشيعة، وتغذية صراع دموي ضد السنة في السنوات الأولى للاحتلال، حيث تم الدفع بالميليشيات المسلحة التي حصلت على تدريبها وتسليحها في إيران لشن هجمات على المسلمين السنة في العراق والتخلص من القيادات العسكرية والعلمية السابقة التي كانت قد شاركت في الحرب على إيران أو في البرنامج النووي العراقي. ومن الطبيعي أن نتوقع نتيجة لذلك نموا في الروح الطائفية بين العراقيين السنة وزيادة في حدة العداء للشيعة الموالين لإيران من وجهة نظر السنة. وهكذا نشأت الحركات السنية شديدة التطرف مثل تنظيمات القاعدة وداعش وأنصار السنة وغيرها امتدادا من بوتقة "الجهاد" في أفغانستان.

أما المرحلة الثالثة فتمثلت في توسيع نطاق ما يسمى "الهلال الشيعي" حول السعودية، حيث امتد النفوذ الإيراني من بغداد إلى دمشق إلى بيروت إلى غزة إلى صنعاء إلى البحرين. وأظن أن تهديد إيران للحدود السعودية عبر اليمن والبحرين والعراق ربما يخلق ردود فعل دينية هائجة بين السنة السعوديين بقيادة المؤسسة الوهابية التي ستجد في التهديد الإيراني مبررا لإعلان المزيد من التطرف والتشدد داخل البلاد. وقد نلاحظ في الأشهر المقبلة صدامات متقطعة قد تتحول تدريجيا إلى حملات مستعرة بين السنة والشيعة داخل السعودية مما يهدد المناطق الرئيسية لإنتاج النفط. كما قد نشهد أيضا صدامات حدودية متقطعة على الحدود السعودية مع كل من العراق واليمن. وفي حال الفشل في احتواء الصدامات المتقطعة، فإنها ستتحول إلى عمليات مستمرة تدريجيا. إن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يعزز من نفوذ المؤسسة الوهابية ويزيد قوتها في السعودية، على حساب الأسرة المالكة إذا ما حاول أمراء من هذه الأسرة تقليص نفوذ الوهابيين. وأستطيع أن أقرر هنا باطمئنان، إنه في حال وجود صراع بين آل سعود وبين الوهابيين، فسيكون من مصلحة الوهابيين تأجيج المشاعر الطائفية المذهبية داخل السعودية وإشعال حرب على جبهة الصراع السني – الشيعي.

وفي المقابل فإنه من المتوقع مع انخفاض درجة اعتماد الولايات المتحدة والغرب عموما على نفط الخليج، أن تزداد الضغوط العالمية على دول الخليج وعلى رأسها السعودية من أجل إدخال إصلاحات سياسية تحقق مشاركة أوسع في السلطة وإدارة البلاد، وتلبية مطالب احترام حقوق الإنسان خصوصا حقوق المرأة والأقليات، بما فيها الأقليات الإثنية والدينية والمهاجرين، والتحول من نظام الحكم الملكي المطلق إلى النظام الملكي الدستوري. وبسبب هذه الضغوط ستجد المؤسسة السياسية السعودية نفسها محشورة بين ضغوط دولية من أجل الإصلاح وبين مقاومة شرسة لهذا الإصلاح من جانب المؤسسة الدينية الوهابية.

وبناء على ذلك، فإن المرحلة المقبلة ستشهد صراعا متعدد الأطراف داخل الأسرة الحاكمة، من أجل النفوذ وبينها وبين المؤسسة الدينية في المعركة بين الحداثة وبين السلفية، وبينها وبين العالم في سياق الضغوط من أجل التغيير السياسي. وسيحاول كل طرف من الأطراف في هذا الصراع المتعدد، أن يعيد بناء التوازنات على الأرض لمصلحته استعدادا لمرحلة فاصلة قد تكون أقرب مما يتوقع الكثير منها، وقد تأخذ وقتها. لكنها آتيه لا محالة بسبب الظروف المعقدة التي تحيط بالمنطقة التي قاوم حكامها التغيير لعقود طويلة حتى آلت الأمور إلى ما يشبه الفوضى وانعدام الأمن. 

 

رابعا- الصراعات الإقليمية

تشير التطورات السريعة في المنطقة منذ صيف العام الماضي إلى أن الصراع السني – الشيعي أصبح يتقدم على الصراع العربي – الإسرائيلي. ومع أن دول الخليج عموما كانت تعتبر إيران منذ ثورة الخميني، أكثر تهديدا للأمن الخليجي من إسرائيل، فإنها كانت تعبر عن تلك الحقيقة بكثير من الخجل كلما سنحت الظروف. الآن وبعد التطورات التي جرت في العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين، تبدو إيران وقد تمركزت في موقع العدو رقم 1 للدول العربية الخليجية، باستثناء سلطنة عمان التي تنتهج تاريخيا سياسة خاصة تجاه إيران، وقطر التي تحاول المحافظة على علاقات متوازنة مع جارتها القوية على الجانب الآخر من الخليج، على الرغم من إنها تحمل على أرضها كبرى القواعد الأمريكية في الخليج ومركز قيادة عمليات القيادة الوسطى الأمريكية.

وتبدو منطقة المشرق العربي منذ يونيو 2014 وكأنها ترقص على الإيقاعات الإيرانية سواء في العراق أو في سورية أو في اليمن. ففي العراق فازت إيران بالحقوق الحصرية لمواجهة تنظيم داعش في العراق بالمشاركة مع القوات العراقية والكردية. وسمحت الحكومة العراقية لقوات وخبراء وأسلحة قادمة من إيران بالمشاركة في عمليات الحرب على "داعش"، بينما اشترطت على الولايات المتحدة ألا تقترب قوات ما يسمى "التحالف الدولي للحرب على داعش" من حدودها البرية أو مجالها الدولي أو مياهها الإقليمية. وفرضت إيران على الولايات المتحدة رؤيتها بشأن الوضع في سورية، فتخلت واشنطن عمليا عن هدف إسقاط بشار الأسد في المرحلة الحالية. وأدى ذلك إلى صب المزيد من المرارة في كأس العلاقات السعودية الأمريكية، التي كانت قد اهتزت بشدة بعد توقيع الاتفاق المؤقت بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني. ومع استمرار تقدم إيران عن طريق عملائها أو وكلائها حتى وصلت إلى اليمن، تبدو السلطات السعودية في وضع شديد الحرج، ولا تجد لنفسها مخرجا إلا عن طريق تعزيز علاقاتها الدولية لموازنة الثقل الإيراني، وعن طريق تعزيز التحالفات الإقليمية بما يقطع الطريق على التمدد الإيراني إقليميا.

وليس أمام السلطات السعودية إقليميا إلا العمل على جبهتين، الأولى هي تعزيز التماسك داخل مجلس التعاون الخليجي والحيلولة دون تدهور الموقف في البحرين. وقد كانت مبادرة الملك الراحل عبد اللـه بن عبد العزيز للمصالحة مع قطر خطوة مهمة على طريق تعزيز التماسك الخليجي. أما الثانية فهي جبهة التحالفات مع قوى إقليمية أهمها مصر وتركيا. وسوف يتعين على القيادة السياسية الجديدة في الرياض أن تعيد النظر في أولويات السياسة الخارجية السعودية والتحالفات الراهنة، للوفاء باحتياجات القوة المطلوبة لمواجهة إيران دبلوماسيا وسياسيا وإعلاميا، وربما عسكريا من خلال وكيل أو وكلاء إقليميين. إن مصر بوضعها الراهن لا تمثل حليفا كافيا لمواجهة إيران. وهنا تبرز أهمية تركيا، التي كانت حتى وقت قريب ترتبط مع السعودية بعلاقات صداقة قوية. وإذا تعثر تطوير العلاقات السعودية- التركية، أو لم تكن كافية لمواجهة التمدد الإيراني، فسوف تجد السلطات السعودية نفسها في وضع صعب إقليميا، مما قد يفتح الباب لخيارات تاريخية مختلفة.      

إن الاستمرار في سياسات "الحداثة" و"الحرب على الإرهاب" وتأكيد "الاستقرار" والمضي قدما على طريق "التنمية" ستظل كما كانت هي أولويات السياسة السعودية

وعلى الصعيد الدولي تعتبر الحرب على الإرهاب والإختلالات الراهنة في سوق النفط وتراجع النمو في العالم والموقف من التحالفات الدولية، بما في ذلك الموقف من روسيا والصين والهند، من القضايا الرئيسية التي ستحتاج السياسة الخارجية السعودية إلى إعادة النظر فيها، خصوصا وأن الرياض تملك مقعدا رئيسيا في مجلس الإدارة الموسع للعالم ألا وهو مجموعة العشرين. حكيم آل سعود إذن الملك سلمان يجد أمامه جدولا حافلا بالقضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعامل معها الفارس الراحل الملك عبداللـه بهدوء وروية وحكمة بالغة خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا منذ عصفت بالمنطقة رياح التغيير في العام 2011. وبينما نجح الملك السعودي الراحل في المحافظة على أكبر قدر من الاستقرار للسفينة العربية المبحرة في بحور هائجة، فإن الأنظار تتطلع الآن إلى ما سيقدم عليه الملك الجديد في الرياض، مع اشتداد حدة التحديات التي تواجه المملكة.

لكن القضية الأخطر التي تواجهها السعودية داخليا والتي تترافق مع التحديث كظله هي قضية التصدي للإرهاب. فالإرهاب هو الخطر العاجل الذي يهدد السعودية، خصوصا مع تراكم التهديدات الأمنية التي تتعرض لها السعودية على حدودها البرية والبحرية. وقد جاء اختيار الأمير محمد بن سلمان مستشارا خاصا للملك ورئيسا للديوان الملكي ووزيرا للدفاع لكي يؤكد أولوية التصدي للتهديدات الأمنية الداخلية والخارجية في بداية حكم الملك سلمان. وإذا كان الملك سلمان قد اختار الأمير محمد بن سلمان لهذه المهام جميعا، فهو بذلك يمنحه صلاحيات واسعة النطاق تتجاوز كثيرا اختصاصات وزير الدفاع وتجعله القوة الأكبر داخل المملكة في قضايا الدفاع والأمن التي تتصدر اهتمامات المملكة. ونظرا لاعتبارات السن، فمن المرجح أن يصبح الأمير محمد بن سلمان صاحب كلمة قوية في كل ما يتعلق بشؤون المملكة الإستراتيجية. ومع ذلك فإن النجاح في الحرب على الإرهاب وفي كافة القضايا الأخرى يحتل المكان الثاني في أولويات الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز بعد المهمة الأولى التي تتقدم زمنيا على ما عداها ألا وهي إعادة ترتيب البيت السياسي لآل سعود.

 

خامسا- اختبارات السياسة الخارجية

وبعد إعادة ترتيب البيت السعودي من الداخل، فإن السياسة الخارجية السعودية ستواجه ثمانية اختبارات رئيسية منذ اللحظة الأولى لتولي الملك سلمان. وهذه الاختبارات الثمانية هي:

1-     الحرب على الإرهاب، وكيفية التعامل مع التشابكات والتعقيدات الناشئة عن تخلي الولايات المتحدة عن هدف إسقاط بشار الأسد. ويشمل ذلك مستقبل الدور السعودي في التحالف الدولي ضد داعش والحرب على الإرهاب في مناطق أخرى في الشرق الأوسط والعالم.

2-     معالجة الاختلالات في سوق النفط، وما إذا كانت السعودية ستستمر في قيادة أوبيك بمقتضى سياسة "البقاء للأقوى" أم أن السعودية ستخضع لضغوط الولايات المتحدة وبعض شريكاتها في أوبيك مثل العراق وإيران من أجل تخفيض الإنتاج لغرض رفع المستوى العام للأسعار التي انخفضت إلى ما  دون 50 دولارا للبرميل.

3-     إعادة النظر في العلاقات السعودية – الأمريكية على ضوء موقف الولايات المتحدة من إيران، والصفقة التي يحاول الرئيس الأمريكي أوباما تمريرها والتي بمقتضاها سيتم رفع العقوبات الدولية عن إيران. ويرتبط بذلك إعادة تقييم العلاقات السعودية- الإيرانية على ضوء التمدد الإيراني في المشرق وشبه الجزيرة العربية. ومن الواضح أن السياسة الأمريكية في اليمن لا ترى غضاضة من سيطرة الحوثيين على حساب سلطة الدولة. وأن قوات الأسطول الخامس الأمريكي في بحر العرب وقيادة القوات المركزية في قطر تعمل بوضوح في دعم الحوثيين، بما في ذلك تصفية عناصر القاعدة لمصلحتهم وليس لمصلحة الدولة اليمنية. لكن مصالح الولايات المتحدة في السعودية وسعيها إلى المحافظة على "شعرة معاوية" في علاقتها بدول الخليج العربية، واستمرار احتمالات الصدام مع إيران في المفاوضات النووية، خصوصا مع زيادة نفوذ الجمهوريين في الكونجرس، تمثل جميعها عوامل قد تعيد الدفء إلى العلاقات بين بين واشنطن والرياض.

4-     إعادة ترتيب الأوضاع في شبه الجزيرة العربية، سواء فيما يتعلق بالمصالحة القطرية- الخليجية التي بدأت ولكنها لم تكتمل بعد، أو فيما يتعلق بالوضع المتوتر في البحرين، وكذلك الوضع في اليمن حيث تبدو الجماعات الموالية لإيران في موقع السيطرة الفعلية ربما لفترة طويلة مقبلة ما لم تتغير توازنات القوى على الأرض، وما لم تتوقف إيران عن دعم جماعة عبد الملك الحوثي.

5-     كيفية إعادة ترتيب الأوضاع مرة أخرى في منطقة شرق البحر المتوسط، بما يحفظ أمن الحدود السعودية مع كل من العراق والأردن، والعودة مرة أخرى إلى تشديد الحصار على بشار الأسد في سورية، وضمان قدرة الجيش اللبناني على مواجهة تحديات القوة المسلحة لحزباللـه الموالي لإيران، ومساندة القوى السياسية اللبنانية في سعيها لانتخاب رئيس للجمهورية وإنهاء حالة الفراغ الدستوري القائمة حاليا.

6-     تطوير العلاقات الإستراتيجية مع مصر وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بين البلدين. ويوجد في السعودية تيار داخل الأسرة الحاكمة، خصوصا بين جيل أحفاد الملك عبد العزيز، وبين رجال الأعمال، يتشكك في جدوى استمرار المساعدات الاقتصادية لمصر بدون إحراز تقدم ملموس على صعيد الإصلاح الاقتصادي والسياسي. ويجدر بالذكر هنا أن فكرة المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في شرم الشيخ في شهر مارس المقبل، تبلورت أصلا في السعودية، ليكون المؤتمر بمثابة إطار بديل عن المساعدات الخليجية لمصر. كذلك يرتبط بالعلاقات مع مصر خيارات متعددة تتعلق بالأوضاع في ليبيا والعلاقات مع الولايات المتحدة.

7-     القضية الفلسطينية، ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية، والملك الراحل عبداللـه بن عبد العزيز شخصيا، لعب الدور المحوري في صياغة المبادرة العربية للاعتراف الجماعي بإسرائيل في حال تنفيذها قرارات مجلس الأمن وانسحابها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. وهناك ما يشبه الإجماع في العالم كله على أن هذه المبادرة تمثل أساسا ملائما لإنهاء الصراع التاريخي في الشرق الأوسط. وتتعرض القضية الفلسطينية حاليا لمزايدات سياسية صارخة سواء على الصعيد الفلسطيني نتيجة للصراع بين حماس وبين السلطة الوطنية الفلسطينية، أو على الصعيد الإقليمي نتيجة للمنافسة على قيادة المنطقة من جانب كل من إيران وتركيا، أو على الصعيد الدولي حيث تحظى السياسات الصهيونية المتطرفة في فلسطين، خصوصا الاستيطانية منها ومسألة "يهودية الدولة" بدعم القوى السياسية المحافظة في أوربا والولايات المتحدة. ونظرا لضعف مصر، فقد أصبحت السعودية تتحمل العبء الرئيسي في إعادة طرح القضية الفلسطينية على العالم.

8-     الانطلاق من المصالحة الخليجية إلى المصالحة العربية. لقد نجح الراحل الملك عبد اللـه بن عبد العزيز في جمع دول مجلس التعاون الخليجي في القمة الطارئة في الرياض، ثم في قمة الكويت الخليجية، بعد أن كانت العلاقات بين دول المجلس قد وصلت إلى حالة التدهور تهدد بقاء المجلس نفسه وارتفعت دعوات تطالب بطرد قطر من عضويته. واستخدم كل من أمير الكويت والعاهل السعودي الراحل كل المهارات الدبلوماسية الممكنة، إلى حد التهديد بسياسة "العصا والجزرة" لإعادة قطر إلى الصف الخليجي. أما وقد نجحت هذه المصالحة، فإن الوضع العربي يفرض قدرا عظيما من المجهود لإعادة التضامن العربي إلى ما كان عليه قبل 2011 على أقل تقدير. ونظرا لأن السعودية امتنعت عن مساندة سياسة المحاور في المشرق والمغرب على السواء، فإن الملك سلمان ستقع عليه مسئولية إجراء مصالحة عربية من المغرب إلى العراق، لكي تتمكن سفينة السياسة الخارجية السعودية من الإبحار في بحور هادئة غير مضطربة.

إن الاستمرار في سياسات "الحداثة" و"الحرب على الإرهاب" وتأكيد "الاستقرار" والمضي قدما على طريق "التنمية" ستظل كما كانت هي أولويات السياسة السعودية. لكن الظروف المضطربة في العالم وفي المنطقة ستلقي بظلالها الكثيفة على حركة وسياسات الملك الجديد في السعودية. وعلى الرغم من أن الملك سلمان أعلن منذ توليه تمسكه بـ "النهج القويم الذي سارت عليه الدولة منذ تأسيسها"، فإنه ربما يحتاج إلى إعادة تقييم الأوضاع المحيطة بالمملكة على ضوء التحديات والتهديدات المتزايدة التي تواجهها في الوقت الحاضر والتي قد تستمر لسنوات مقبلة. لقد حاول الملك عبداللـه رحمهاللـه أن يحافظ على حالة من التماسك والهدوء في علاقات المملكة بالخارج وسط ظروف شديدة الاضطراب، والآن يجيء الدور على الملك سلمان بمعاونة كل من وزيري الدفاع والداخلية لكي يكمل المسيرة ويبحر بالسفينة بعيدا عن البحور الهائجة مع المحافظة على توازنها وضمان تقدمها إلى الأمام في الاتجاه الصحيح.

رئيس وحدة البحوث الاقتصادية *

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟