تكمن مشكلة إدارتنا في غياب مبدأ الالتزام بتحقيق نتائج. حتى لو أردنا بناء دولة ديموقراطية وعقلانية، لا يؤمن السكان عموماً بهذا الهدف الذي أُبعدوا عنه باستثناء الدوائر التي تجذبها غنائم السلطة. وبما أن كل شيء يباع ويُشترى بما في ذلك رُخص قيادة السيارات، فأي موقف يمكن تبنيه في وجه دولة فاشلة تبدو كأنها فوجئت بخطورة الوضع في المنطقة وتطلق النفير قائلة: «الجمهورية في خطر وبوكو حرام بين ظهرانينا»؟
والحال أن لا مفاجأة بوجود خلايا من مواطني النيجر تنشط تحت راية «بوكو حرام» ذلك أن الدعاة الذين يتكاثرون في البلاد ملأوا الفراغ الذي خلفته السلطة. لدينا دولة لا تسيطر منذ زمن بعيد على مقاليد الأمور.
وتولت المدارس القرآنية تنشئة الشبان بما أن المدرسة الرسمية لا تستطيع استيعابهم حيث يوجد 120 تلميذاً في الصف الواحد لا يحصلون في النهاية على شهادة ذات قيمة. ولا ينتج التعليم في النيجر غير العاطلين عن العمل. كما أن نسبة المواليد في البلاد تمثل مشكلة كبرى. فهي تضعف بل تحطم الأسر. ويترك الشبان لمصيرهم أو يتولى المسؤولية عنهم آخرون (غير والديهم). ونركز اهتمامنا على شرق البلاد حيث تهيمن حال الحرب، وحيث عدد السكان قليل. ولكن ماذا نقول عن زندر، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان والتي تواجه الصعوبات ذاتها مع سكانها من الشبان الذين ليس لديهم أي أمل والمهددين بأن يقعوا في يد من يتحكم بهم؟يكثر الحديث عن جماعة «الإزاليين» (من كلمة «إزالة» العربية بمعنى إزالة ما لحق بالدين من رواسب)، التي جاءت من نيجيريا في تسعينات القرن العشرين، وهي في الواقع فئة برجوازية نجدها اليوم في كل مكان من البلاد تقريباً، مع بعض الفئات التي تحرض على العنف. وهي مستقلة مالياً، برجوازية تجارية ومدنية لم تعد تستخدم الدوائر المصرفية، لذلك، يستحيل تتبع أثر الأموال التي تحولها.
في الواقع، إنها تتهرب تماماً من الدولة. ولها مدارسها الخاصة أيضاً. والدولة الضعيفة حالياً، تغري «الإزاليين» لمساعدتها في التمويل أو للحصول على دعمهم في الانتخابات المحلية بسبب سيطرتهم على المساجد. وفي كل مكان تتراجع الدولة فيه، يتقدم «الإزاليون» من دون أن يسعوا بعد إلى أن يحلوا مكان الدولة، لأنهم لم يصوغوا نظرية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ولا يسعى هؤلاء إلا لتحقيق هدف واحد: إقامة دولة إسلامية ذات يوم في النيجر.ولا يفاجئ أيضاً الحديث عن وجود نساء انتحاريات، ذلك أن المرأة لدى (قوميتَي) الهاوسا والكانوري – والأخيرة إلى درجة أقل – في حال خضوع تام. وقد تموت إذا طلب زوجها منها أن تموت. وتستخدم «بوكو حرام» المرأة استخداماً أداتياً. أما الفتاة الصغيرة السن فترسل إلى مدرسة قرآنية تحت سلطة مربية تعدّها لتكون امرأة منزل. بذلك تكون المرأة مقيدة بثلاثة قيود: قيد الأب وقيد المربية الدينية وأخيراً قيد زوجها الذي يفرض عليها وضع التبعية التامة، ولا تخرج من بيتها إلا برفقته. نقلا عن الحياة
* باحث في «معهد بحوث العلوم الإنسانية» في نيامي – النيجر، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 17/2/2015، إعداد حسام عيتاني