المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
أحمد عبد المعطي حجازي
أحمد عبد المعطي حجازي

الثورة الدينية.. أو الانقراض!

الأربعاء 04/مارس/2015 - 11:13 ص

أواصل الكتابة عن الثورة الدينية التى ختمت حديثى عنها يوم الأربعاء الماضى بأنها آتية لا ريب فيها. لماذا أؤكد أن هذه الثورة قادمة ولا يخالجنى فى ذلك أى شك أو ارتياب؟

وأنا أبدأ الإجابة على هذا السؤال فأقول إن حياتنا التى ركدت قرونا طويلة كانت انحطاطا شاملا فى كل مجال، فحالها لا ينصلح إذا غيرنا أوضاعنا فى مجال وتركناها كما هى فى مجال آخر. وقد ثرنا فى الخامس والعشرين من يناير فأسقطنا نظام يوليو الذى رزحنا تحته ستة عقود. ولأن دولة الإخوان كانت استمرارا بلحية للنظام الساقط ثرنا عليها فى يونيو ـ وأسقطناها. ولأن دولة الإخوان لم تأت من فراغ، وإنما جاء بها الطغيان، والأمية، والجوع، والفساد فلابد أن تستمر الثورة لنخلص أيدينا وأعناقنا ورءوسنا من هذه الأغلال. وإذن فالثورة الدينية آتية لا ريب فيها.والثورة الدينية آتية لا ريب فيها لأن ثقافتنا عامة ـ وثقافتنا الدينية خاصة ثقافة متخلفة تتعارض مع الثورة السياسية التى قمنا بها ولا تتفق مع مطالب العصر الذى نعيش فيه.نحن نعيش فى عصر الجماعة الوطنية، والدولة المدنية، والنظم الديمقراطية، والمواطنة، وحقوق الإنسان. ومؤسساتنا الدينية والمشتغلون بها والقائمون عليها يعيشون فى عصر الدولة الدينية، والتمييز الديني، والسمع والطاعة، والتحريم والتحليل.

يتحدثون عما يسمونه الأمة الإسلامية، كأن الدين لايزال هو الرابطة الوحيدة التى تربط بين أفراد الجماعة. وكأن المصالح المشتركة، والتاريخ المشترك، والثقافة القومية لا مكان لها ولا اعتبار. وكأن الذى يجمع بين المسلم المصرى والمسلم البنجالى والمسلم النيجيرى أقوى وأهم وأنفع من الذى يجمع بين المسلم المصرى والمسيحى المصري. وكأن المصريين ليسوا أمة وإنما هم طائفتان منفصلتان.

هذا المفهوم المتخلف للأمة مازال شائعا ليس فقط فى الكتابات والخطب الدينية التى تلقى فى المناسبات، بل حتى فى الدستور الذى صدر قبل عامين اثنين وجاء فى مادته الأولى أن «الشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية».

ولقد يظن البعض أن هذه عبارات تتسع لأكثر من تفسير، وأن الكلام عن أمة اسلامية لا يعنى أكثر من تأكيد الرابطة التى تجمع بين مختلف الأمم الإسلامية. غير أن بعض الظن إثم. لأن هذه العبارات المضللة لم تسمح فقط للإخوان الذين صدر هذا الدستور وهم فى السلطة بأن يفتحوا أبوابنا على مصاريعها للإرهابيين القادمين إلينا من أنحاء العالم، بل سمحت لهم كذلك بالتفكير فى التنازل عن سيناء لحماس وعن حلايب للأخ البشير؟

المصريون ليسوا جزءا من أمة، وإنما هم أمة مكتملة، وربما كانوا أقدم أمة فى التاريخ. هذه الأمة تربطها بالأمم العربية والاسلامية روابط قوية تصلح لأن تزداد قوة فى المستقبل، دون أن نكون مضطرين لإنكار أننا أمة مكتملة، وأن العواطف والمصالح التى تربط بيننا نحن المصريين على اختلاف عقائدنا الدينية هى أقوى بما لا يقاس مما يربط بيننا وبين أى جماعة أخري.

فإذا كان علماء الدين والمشتغلون بشئونه لايزالون يتبنون هذا المفهوم الدينى المتخلف للأمة ،فمن المنطقى أن يتبنوا المفهوم المتخلف للدولة. الدولة عندهم ليست دولة وطنية وليست دولة مدنية، وإنما هى دولة دينية تستمد قوانينها من الشريعة وتسمح للجماعات الدينية بأن تتحول إلى أحزاب سياسية، وأن تصل بالتالى إلى السلطة رغم وجود نص فى الدستور الجديد يمنع ذلك.

ولقد كنا ننتظر من مؤسساتنا الدينية أن تراجع مواقفها السابقة.

من مسألة الخلافة، وأن تصدر بيانا أو فتوى تغلق به هذا الباب الذى يدخل منه الإرهابيون، وتقول للمسلمين، أن الخلافة ليست ركنا من أركان الدين، وليست حاجة من حاجات العصر الذى نعيش فيه، بل هى نظام سياسى كان يصلح للعصور الوسطى، وقد حلت محله الدولة الوطنية فى العصور الحديثة. لكن هذه الفتوى لم تصدر حتى الآن. بل نحن نرى أن مؤسساتنا الدينية تبتعد عن العصور الحديثة بقدر مانحتاجه نحن لاقتراب منها، وأنها تتراجع للوراء بقدر حاجتنا لأن تتقدم إلى الأمام.

ونحن نقرأ الآن ماينشر عن البرامج المقررة على طلاب المعاهد الأزهرية، وعن الوهابيين والإخوان والسلفيين الذين أصبح لهم ممثلون فى هيئة كبار العلماء، وفى مجمع البحوث الإسلامية، وفى الجامعة الأزهرية فيزداد شعورنا بالحاجة الى ثورة دينية نتحرر بها ونحرر الاسلام مما فرضته عليه العصور الوسطى من أفكار ونظم وقناعات فى السياسة والثقافة والمجتمع.

العصور الوسطى التى تأخذ ديننا من فقهائها ومفسريها ومحدثيها لاتعرف شيئاً اسمه الديمقراطية، ولاتعرف شيئاً اسمه المواطنة، ولاتعرف حرية التفكير والتعبير والاعتقاد، ولاتعرف المساواة بين الرجل والمرأة، ولاتعرف حقوق المواطن ولاحقوق الإنسان، وقد أخذت الأمم المتقدمة تتحرر من هذه العصور الوسطى وتخرج من نظمها وأفكارها وثقافتها منذ خمسة قرون أوأكثر، ونحن لانزال نتخبط فى ظلماتها، لأن بلادنا كانت طوال القرون التى تحررت فيها الشعوب الأخرى وتقدمت خاضعة للمماليك والاتراك الذين حكمونا بالسيف وبالسوط وبالدين، وفرضوا علينا تخلفهم، وحولونا إلى رقيق أرض نزرع لهم ونحصد لهم. وفى الوقت الذى أنتقل فيه الاوروبيون من العصور الوسطى الى عصر النهضة، ومن عصر النهضة الى عصر الاستنارة، ومنه إلى العصور الحديثة ظللنا نحن إلى اليوم نعيش بفكرنا الدينى فى القرن الثالث عشر، وإن كنا نعيش بأجسادنا وحدها فى القرن الحادى والعشرين. نحن نعيش فى هذا العصر دون أن نصبح جزءا منه ودون أن ننتمى إليه. نستخدم مايكتشفه غيرنا من طاقات، ونستهلك ماينتجونه من أجهزة وأدوات، لكننا نفكر بالطريقة التى كان أسلافنا يفكرون بها فى العصور الماضية. والوضع الذى يجسد هذه الحقيقة ويرمز لها هو وضع المهاجرين العرب فى المجتمعات الأوروبية. يعيشون معها دون أن يندمجوا فيها ومنهم من يولد فيها، ويتعلم ويعمل، حتى اذا حانت له الفرصة انضم لداعش.

وباستطاعتنا أن نقول إن الشعوب العربية والاسلامية كلها أو معظمها تعيش فى العصور الحديثة، دون أن تندمج فيها أو تشارك فى بناء حضارتها، فهى تعانى من الاغتراب فى الزمن رغم وجودها فى الوطن، وهو الوضع الذى تعرضت له الاجناس التى انقرضت فى الأزمنة السحيقة لأنها لم تستطع أن تطوع نفسها للتغيرات والتطورات التى حدثت فى الطبيعة، ولم تستطع أن تطوع الطبيعه لنفسها

نحن ايضا مهددون بالانقراض أو بوضع لايختلف كثيرا عن الانقراض، لأننا لانستخدم عقولنا كما يستخدم الآخرون عقولهم، ولانستثمر ثرواتنا كما يستثمر الآخرون ثرواتهم، ولاننمى طاقتنا لنعرف مانجهله وننتفع بما لم نكن ننتفع به، بل نحن نبدد طاقتنا ونفقد ما استطعنا أن نحصله فى القرنين الآخيرين من ثقافة العصر الحديث وعلومه وفنونه، ونرجع القهقرى الى ماكنا عليه فى عصور الظلام ونحن إذن مهددون بالانقراض. ولأننا مهددون بالانقراض فالثورة الدينية آتية لاريب فيها!

 نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟