المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
شريف حتاتة
شريف حتاتة

عن عودة «الإخوان المسلمين» إلى الحياة السياسيّة في مصر

الخميس 05/مارس/2015 - 11:06 ص

نشأت الحركة اليسارية الحديثة في مصر، عند بداية أربعينات القرن الماضي. منذ نشأت وخلال سنوات جاءت بعدها، ظلّت الصراعات بينها وبين حركة «الإخوان المسلمين» إحدى مظاهر الحياة السياسية؛ تحتدم أو تهدأ وفق الظروف القائمة في كل مرحلة من المراحل. لم يكن السبب الرئيسي لتلك العداوة وجود خلاف يتعلق بالموقف من الدين، ففي «الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني»؛ أكبر التنظيمات اليسارية في ذلك الوقت، كان يوجد قسم للأزهر، وكان يتم وقف الاجتماع في الخلايا التي يريد أعضاؤها أداء فريضة الصلاة إلى أن ينتهوا منها. كان يوجد في هذا التنظيم أيضاً، أعضاء تخرجوا في الأزهر وقدّموا دراسات، أو ألّفوا كتباً يعارضون فيها سياسات «الإخوان المسلمين»، ونظرتهم الى تطوّر المجتمع. بالطبع، وجدت تنظيمات أخرى لم تتّبع هذا النهج. مع ذلك، ظلّت حجة معاداة الدين إحدى الذرائع الأساسية التي لجأت إليها قيادة «الإخوان المسلمين» في الصراع ضد اليسار. في الثلث الأخير من القرن ذاته، ظهر اصطلاح اسمه «الإسلام السياسي»، وبمرور السنين أصبح متداولاً في دراسات ومؤلفات مثقفين كانوا من اليسار أو وُصفوا بأنهم من اليسار. أخذ هذا المصطلح ينتشر إلى درجة أنه صار شائعاً اليوم في مختلف الأوساط السياسية والثقافية، بينما هو في الحقيقة مصطلح يدلّ على عجز أصحابه عن إدراك الواقع الذي يعيشون فيه، إذ ترتّبت عليه اتجاهات تضرّ بالتطور الديموقراطي. أصحابه لم يكونوا من المطالبين بفصل الدين عن الدولة، والذي يمكن أن يطالب به بعض التيارات الفكرية والسياسية للحيلولة دون حدوث تفرقة على أساس ديني بين المواطنين (والمواطنات) وضمان تطبيق حق المواطنة. كان غرضهم الأساسي في الترويج لهذا المصطلح، حرمان من يريد أن ينشئ حزباً أو تنظيماً سياسياً يستمد اتجاهاته الأساسية من الأسس الدينية، من هذا الحق الجوهري، وهذا في بلد الغالبية الساحقة فيه تؤمن بدين من الأديان. هذا؛ بينما يجب أن يكون الفيصل في هذا الموضوع ليس هل الحزب يستمد تفكيره ونظرته إلى الأمور من أسس مرتبطة بالدين، وإنما طبيعة السياسات التي يمارسها بناء على طابعه الديني. في عالمنا المعاصر، توجد تيارات وأحزاب وتنظيمات سياسية دينية أدت وتؤدي دوراً مهماً في الدفاع عن الديموقراطية وتطوير المجتمعات التي ينتمون إليها.

 

إن غالبية الذين يعارضون حركة «الإخوان المسلمين» دافعهم إلى ذلك هو السياسات العنيفة، بل والإجرامية أحياناً التي لجأت إليها على نحو متزايد منذ تولت الحكم وبعد أن أُقصيت عنه، وليس لأنها تستند في ممارساتها السياسية إلى الإسلام. لا أحد يطالب بإلغاء حق حزب «النور» أو السلفيين في ممارسة النشاط السياسي، أو تكوين تنظيماتهم وأحزابهم طالما أنهم يلجأون إلى الوسائل الديموقراطية السلمية في نشاطهم، حتى وإن اختلف الناس معهم جذرياً في السياسات التي يتبعونها.

 

هل يجب أن يكون هدف الدولة القضاء على حركة «الإخوان المسلمين» بعد لجوئها إلى ممارسات غير سلمية، عنيفة معادية للأسس الديموقراطية بل والإجرامية أحياناً؟ لقد صنّف الحكم الحالي في مصر تلك الحركة منظّمة إرهابية، ومن المفروض، وفقاً لهذا التصنيف، أن تسعى الدولة ومعها الشعب إلى القضاء عليها تماماً، فالمجتمع لا يمكن أن يقبل بقيام حركة، أو منظمة إرهابية في البلاد. مع ذلك، لم يطرح أحد هذا كهدف ينبغي السعي إلى تحقيقه، ما عدا ربما أقلية تهمس به بعيداً من الأضواء. الموقف من هذه المسألة ليس واضحاً، وبين الحين والآخر نسمع عن قيام محاولات للتصالح مع هذه الحركة وفقاً لشروط يتفق عليها، لكنها حتى الآن فشلت، على رغم تصنيفها رسمياً بأنها حركة إرهابية.

 

المفروض إذاً، أن تساهم السياسات المتبعة في خلق الظروف التي تسمح لـ «الإخوان المسلمين» بأن تعود إلى المشاركة في الحياة السياسية وفقاً لمبادئ النشاط الديموقراطي السلمي، فهل تساعد السياسات والإجراءات التي يتّبعها الحكم الحالي على الاقتراب من هذا الهدف؟ هل من شأنها أن تُنتج الجو الملائم لإرساء المناخ الديموقراطي الذي لا بدّ منه لمواجهة مشكلة خطيرة كهذه، وأن تساهم في إنهاء مخاطر الصراع العنيف القائم الآن، أم أنها تساعد على تغذية التطرف الديني، والإرهاب؟

 

لا أحد يستطيع إنكار المصاعب التي يواجهها الحكم الذي أصبح على رأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي. ثلاثون سنة من حكم حسني مبارك ونظامه، حفلت بممارسات خرّبت المجتمع والبلاد. مع ذلك، ونتيجة للوضع الذي لا وجود فيه لأحزاب وتنظيمات شعبية فاعلة، أصبح أنصار هذا النظام يتحكمون بالتعاون مع قيادات القوات المسلحة، في جهاز الدولة البيروقراطي الضخم، وفي مجالات النشاط العام كافة. في الوقت نفسه، يبدو ألا أحد في جهاز الحكم يريد أن يتعلم ولو قليلاً من دروس الماضي، ويتبع سياسات مختلفة في جوهرها عن تلك التي كانت سائدة. بالطبع، مصر جزء تابع للنظام العالمي الذي تُسيّره المصالح في الدول الكبرى وتفرضه بوسائل مختلفة، ومنها من طريق مؤسسات مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية. لذلك؛ فالسياسات والخطوات الاقتصادية والاجتماعية التي تنفّذ، لا تخرج عن الإطار الذي حددته هذه القوى العالمية إلا في التفاصيل. فالقوى الحاكمة في البلاد تابعة لهذا النظام، مرتبطة بسوقه، وتعوّل على الاستثمار الأجنبي حتى تظلّ البلاد سابحة على السطح.

 

السياسات التي اتبعت حتى الآن في مختلف المجالات، لا تؤدي سوى إلى مزيد من التوتر الاجتماعي والسخط بين جماهير الشعب المصري. من الأمثلة على ذلك، إلغاء الدعم الموجّه إلى الطاقة، أي الكهرباء والوقود، تعويم سعر الدولار، ترك السوق حرة تماماً يتلاعب فيها الكبار بأسعار السلع ومستلزمات الإنتاج، على حساب التجار والمنتجين المتوسّطين والصغار والعاملين في مختلف المجالات، وإجراءات أخرى كثيرة. ترتّبت على ذلك، زيادة معدل التضخم بنسبة قد تصل إلى 10 في المئة في الشهر الواحد، وارتفاع أسعار السلع، ومنها الأغذية، والأدوية، والملابس، والخدمات كافة بنسب متقاربة. في الوقت نفسه، تسنّ قوانين مثل قانون الاستثمار، وتطبّق سياسات اقتصادية تسمح بزيادة الأرباح والمكاسب التي تدخل في خِزن الكبار كوسيلة لتشجيع الاستثمار. أما المشاريع الكبرى التي يكثر عنها الحديث، فحتى الآن ربما لا أحد يعرف عنها ما يكفي للحكم على صلاحيتها. هذه الأوضاع تطرح تساؤلاً حول تأثيرها في مقاومة التطرف الديني، وتوابعه الإرهابية. لا توجد قوة منظمة في المجتمع خارجة عن نطاق القوات المسلحة، وقوى الأمن الداخلي تقاوم منظمات الإرهاب وحركة «الإخوان المسلمين». في هذا الوضع أيضاً، تظلّ حركة «الإخوان المسلمين» القوة المعارضة الوحيدة التي احتفظت بكيانها على رغم الضربات التي وُجهت إليها، ومن صالح هذه الحركة أن يتفاقم التوتّر في المجتمع، فالمنبع الأساسي الذي يتدفّق منه التطرف الديني وأنصاره، هو السياسات التي تدفع جماهير الشعب إلى التمرد على النظام، لا سيما أنه توجد في غالبية البلاد العربية تنظيمات تتبع «الإخوان المسلمين»، أو صديقة لها. نظام الحكم يعتقد أنه يستطيع مقاومة الإرهاب والتطرف الديني والسياسي الممثّل في حركة «الإخوان المسلمين» بالوسائل الأمنية. إنه في ظل التركيبة السلطوية القائمة، لا يتبع سياسات تقرّبه من الشعب، بينما من المرجح أن تفشل السياسات التي تعتمد فقط على القمع الأمني. إن مصالحه وعجزه عن التفكير بطريقة مختلفة، يجعلانه عاجزاً عن الإدراك بأن الشعب الراضي إلى حدّ ما عن أداء الحكم والمتعاطف مع بعض الجهود التي يبذلها النظام الذي يحكمه، هو عنصر حاسم في هذه المعركة. هذا في وقت توجد قوة دولية مهمة تشجّع الإرهاب بمختلف الوسائل، لأنه يتيح لها أن تقسم الشعوب العربية، وتجنّد جزءاً من جماهيرها في مقاومة خصومها، وتوجّه معاركها بعيداً من المطالبة بحقوقها، وتبرّر القوانين والإجراءات القمعية. شعبية عبد الفتاح السيسي معرّضة للتآكل نتيجة السياسات التي يتبعها نظام الحكم، والطبقة الحاكمة المصرية في عمومها عاجزة عن انتزاع نفسها من قبضة الأوضاع التي عاشت فيها طويلاً، لكن إن أرادت تفادي ما يمكن أن يحدث في المستقبل من أزمات خطيرة، لا بد أن تغيّر من سياساتها ولو تدريجياً، وتدرك أن القوانين القمعية مثل قانون التظاهر وغيره، والحكم على شباب بالسجن مدى الحياة، بينما هم أعداء الإرهاب والتطرف الديني، وإطلاق الخراطيش وأحياناً الرصاص عليهم بدلاً من تطبيق قانون التظاهر الذي يحدّد هو نفسه إجراءات وخطوات فض التجمعات، وأن القوانين التي صدرت مثل قانون التظاهر، أو قانون الانتخابات الذي تم تفصيله على مقاسها ويحوّل البرلمان المنتظر إلى شتات برلمان، كلّها أمور لن تجدي نفعاً في السنين المقبلة، فالشعب الذي صنع 25 كانون الثاني (يناير) 2011 و30 حزيران (يونيو) 2013، قادر على صنع ما سيكون أكثر فاعلية منهما، لكن عندئذ ستكون العبرة مرة أخرى معتمدة على نوع القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في حركة الشعب المصري. نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟