المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مسارات معقدة: أزمات مستمرة في الشرق الأوسط

الثلاثاء 10/مارس/2015 - 10:59 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عباس ناجي•
على عكس بعض التوقعات التي راجت في بداية عام 2015، يبدو أن مرحلة جديدة من التوتر والاحتقان سوف تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال هذا العام، ففضلا عن تصاعد حدة الصراع بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، فإن الأزمات الرئيسية في المنطقة لا يبدو أنها مقبلة على تسوية قريبة، سواء لجهة عدم نضوج حلول أو صفقات إقليمية يمكن أن تحظى بدعم معظم الأطراف، إن لم يكن مجملها، أو لجهة بروز ظواهر جديدة، لاسيما على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، من شأنها تكريس حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في دول عديدة بالمنطقة.

أولا- أزمات إقليمية مزمنة
ربما يمكن القول، إن الأزمات الرئيسية التي تشهدها المنطقة لن تتجاوز، على الأرجح، مربعها الأول، ليس فقط بسبب تشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية المعنية بها، وإنما أيضا، وربما يكون ذلك هو الأهم، بسبب توازنات القوى الداخلية التي لا تسمح لأى من أطراف تلك الأزمات بحسمها لصالحه. وبعبارة أخرى، فإن "توازنات الضعف" التي تتسم بها خريطة التفاعلات الداخلية في دول الأزمات لن تسمح بالوصول إلى نهاية قريبة لمعظم تلك الأزمات، إن لم يكن مجملها.
إن "توازنات الضعف" التي تتسم بها خريطة التفاعلات الداخلية في دول الأزمات لن تسمح بالوصول إلى نهاية قريبة لمعظم تلك الأزمات إن لم يكن مجملها
إذ لا تبدو الأزمة في سوريا في طريقها إلى الحل، رغم الجهود التي تبذلها أطراف عديدة لتقليص حدة الخلافات العالقة بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقوى المعارضة، حيث يسعى المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى تفعيل مبادرته بتجميد الصراع في حلب، طموحا في تمديده إلى مناطق أخرى، رغم أنه تعرض لانتقادات ليست هينة عندما اعتبر، في 13 فبراير 2015، أن "الرئيس الأسد جزء من الحل"، فيما تواصل موسكو مساعيها للبحث عن حل سياسي، حيث دعت أطرافا سورية عديدة، سواء من النظام أو من المعارضة، إلى إجراء حوار في موسكو في الفترة من 26 إلى 28 يناير 2015، إلا أن ذلك في مجمله لم يحقق بعد نتائج مباشرة على الأرض.
إذ إن المواقف ما زالت متباعدة، في ظل احتفاظ كل طرف بقراءته الخاصة لبيان "جنيف 1"، حيث يرى النظام أن الأولوية أصبحت لمحاربة الإرهاب، قبل تشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما ترى المعارضة أن تنحى الرئيس الأسد يشكل الأساس لأى حل ممكن للأزمة.
 وبالطبع، فقد استفاد النظام من تصاعد نشاط التنظيمات المتطرفة داخل سوريا وتواصل الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" من أجل إضفاء نوع من الوجاهة والزخم على رؤيته لتسوية الأزمة في سوريا.
والمفارقة هنا تكمن في أن تلك المواقف المتباعدة تجاوزت الأطراف الداخلية الرئيسية وامتدت إلى القوى الدولية المعنية بالأزمة. فرغم أن موسكو حاولت إنهاء حالة الجمود السياسي من خلال اتخاذ خطوات جديدة للوصول إلى حل للأزمة، التي يبدو أنها تحولت إلى عب ثقيل عليها في الوقت الذي تواجه فيه ضغوطا وعقوبات دولية بسبب الأزمة الأوكرانية، إلا أن ذلك لا يعني أنها ستتخلى عن مصالحها في سوريا أو أنها ستوافق على أى حل لا يتوافق مع تلك المصالح.
 وبعبارة أخرى، فإن موسكو تضع "خطوطا حمراء" لأى تصور للحل في سوريا، تتصل بمصالحها المهمة في سوريا. ومن هنا، فإنها أرفقت جهودها لإجراء حوار مع بعض قوى المعارضة السورية بالتأكيد على أن "بيان جنيف لا ينص على رحيل الأسد" حسب ما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وعلى أن الأهم هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب من خلال تطبيق قرارى مجلس الأمن رقمي 2170 و2178.
 ومع أن نظام الأسد قبل مضطرا الجلوس على مائدة المفاوضات مرة أخرى مع بعض قوى المعارضة في موسكو، فإن ذلك لا يؤشر إلى أن لديه رغبة في الوصول إلى حل. إذ يبدو أن الانتصارات الأخيرة التي حققها النظام على قوى المعارضة ونجاحه في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها دفعته إلى تبني سياسة أكثر تشددا في التعامل مع المطالب والجهود الدولية التي تبغي التوصل إلى تسوية للأزمة.
 وبمعني آخر، فإن النظام بات يدرك أنه لم يعد في حاجة إلى تقديم تنازلات من خلال المشاركة في حوارات مع قوى المعارضة، طالما أنه نجح في امتلاك زمام المبادرة، إلا أن الضغوط التي مارستها موسكو، فضلا عن محاولة الأسد استيعاب الجهود التي تبذلها للتوصل إلى تسوية للأزمة تجنبا لحدوث نوع من التباين في الرؤى بين الطرفين، خاصة في ظل الدور الحيوي الذي تمارسه موسكو التي مثلت ظهيرا دوليا مهما للنظام في الفترة الماضية، حيث منعت صدور ثلاثة قرارات إدانة ضده من مجلس الأمن الدولي، دفعته في النهاية إلى الموافقة مع المشاركة في حوار موسكو دون أن يكون لديه استعداد حقيقي للتوصل إلى تسوية مع تلك القوى.
فضلا عن ذلك، فإن الخلافات العالقة بين قوى المعارضة السورية، سواء المسلحة أو غير المسلحة، تصب في صالح النظام، خاصة أنها تحول دون الوصول إلى توافق عام فيما بينها على سبل تسوية الأزمة، لاسيما أن تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية على غرار تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، خصم من الموقع التفاوضي لقوى المعارضة ووفر فرصة للنظام لاتهامها بالإرهاب، وللدعوة إلى منح الأولوية لمحاربة الإرهاب على تشكيل حكومة وحدة وطنية حسب ما تضمن بيان "جنيف 1".  
     كذلك، يبدو الوصول إلى تسوية قريبة للأزمة في ليبيا احتمالا صعبا في ظل تصاعد حدة المواجهات بين الميليشيات المسلحة خاصة "تحالف الكرامة" الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ويحظى بدعم من جانب القوات النظامية ومجلس النواب في طبرق، وتحالف "فجر ليبيا" الذي تدعمه التنظيمات الإسلامية في العاصمة طرابلس وبعض المناطق الأخرى، وعدم قدرة أى طرف على حسم الصراع لصالحه.
 ورغم موافقة العديد من الأطراف الداخلية على إجراء عدة جولات للحوار كان آخرها في مقر الأمم المتحدة بجنيف في منتصف يناير 2015، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة خلافات شاسعة فيما بينها تحول دون الوصول إلى حلول وسط للقضايا الرئيسية، وعلى رأسها هوية النظام السياسي الجديد ومستقبل الميليشيات المسلحة، وهى الرقم الأهم في المشهد السياسي الليبي، الذي يستطيع تغيير المسارات المحتملة لأي حوار وطني، بسبب التبدلات المتسارعة في توازنات القوى فيما بينها والتي يمكن أن تدفع أحد أطرافها إلى إفشال الحوار الذي لم يتجاوز بعد مربعه الأول.
 ويبدو أن ذلك كان سببا رئيسيا في انخفاض سقف التوقعات من النتائج النهائية التي يمكن أن تسفر عنها هذه الحوارات، إذ حرصت الأطراف الوسيطة على وضع القضايا الأقل تعقيدا على رأس أجندة الحوار، خشية أن يسهم التطرق إلى القضايا الأبرز في اتساع نطاق الخلافات وإفشال الجهود المبذولة لضمان استمرار الحوار بين الأطراف الرئيسية في المشهد الليبي.
ومن دون شك، فإن تصاعد حدة الصراع في ليبيا وفر بيئة مناسبة لدعم نفوذ بعض التنظيمات المتطرفة على غرار تنظيم "داعش"، الذي بدأ في السعي إلى توسيع نطاق سيطرته على مناطق عديدة داخل ليبيا، وتهديد دول الجوار، لا سيما مصر، بعد أن قام بقتل 21 قبطيا مصريا في 15 فبراير 2015، وهو ما دفع الجيش المصري إلى مهاجمة مواقع ومخازن الأسلحة الخاصة بالتنظيم.
فضلا عن ذلك، لم تسفر الجهود الحثيثة التي بذلتها العديد من الأطراف عن الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة في اليمن، خاصة بعد سيطرة الحوثيين على المشهد السياسي اليمني، بعد اجتياحهم العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2015. ويبدو أن الأزمة تتجه إلى مزيد من التصعيد بعد رفض الحوثيين قرار مجلس الأمن رقم 2201 الذي صدر في 15 فبراير  2015، وأدان سيطرة الحوثيين على السلطة واستخدامهم العنف وطالبهم بإعادة الشرعية في اليمن وإطلاق الرئيس المستقبل عبد ربه منصور هادي وأعضاء حكومته، وأبدى دعمه للمسار السياسي ولمهمة المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر.
 وربما يتجه الحوثيون، في إطار ردهم على قرار مجلس الأمن والضغوط التي تفرضها العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالازمة في اليمن، إلى توسيع نطاق سيطرتهم على مزيد من المحافظات اليمنية، وهو ما يهدد باندلاع مواجهات مسلحة مع بعض القبائل والقوى التي ترفض سيطرة الحوثيين على الدولة، خاصة في محافظة مأرب الغنية بالنفط، والتي بدأت قبائلها الرئيسية في حشد قواها من أجل صد أى هجوم محتمل من جانب الحوثيين على المحافظة في الفترة القادمة.
وعلى غرار ليبيا، فإن استمرار الصراع المسلح داخل اليمن، يزيد من احتمالات نشوء ثلاثة أقاليم داخل اليمن، الأول يسيطر عليه الحوثيون، والثاني يتسع فيه نفوذ تنظيم "القاعدة"، والثالث يطمح إليه ما يسمى بـ"الحراك الجنوبي"، وهو ما يؤهل اليمن إلى الانضمام لقائمة "الدول الفاشلة" بامتياز.
أما القضية الفلسطينية، والتي أسهمت التطورات والأزمات التي عصفت بالمنطقة في تراجع أهميتها، فلا يبدو أنها سوف تشهد انفراجة قريبة، في ضوء تباعد وجهات النظر بين إسرائيل، التي تعطي الأولوية في الوقت الحالي لانتخابات الكنيست التي سوف تجرى في 17 مارس 2015، ويتوقع أن تسفر عن تشكيل حكومة يمينية تتبنى سياسة متشددة تجاه قضايا التسوية خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات والقدس وغيرها، والفلسطينيين، الذين أصبحوا أكثر انقساما، رغم كل الجهود التي بذلتها أطراف عديدة لتقليص حدة الخلافات بين السلطة الوطنية وحركة "حماس"، إلى جانب فشل المبادرات التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق اختراق في عملية التسوية.

ثانيا- أدوات غائبة في الصراع مع "داعش"
رغم الهزائم الأخيرة التي منى بها تنظيم "داعش" بفعل الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، والمعارك البرية التي يخوضها التنظيم مع قوات "البشمركة" الكردية والميليشيات الشيعية فضلا عن قوات الجيش العراقية، والتي دفعته إلى الانسحاب من بعض المناطق المهمة على غرار منطقة "عين العرب" (كوباني) التي تقع على الحدود السورية-التركية، فإن ذلك لا ينفي أن حسم الصراع مع التنظيم لا يبدو قريبا.

إن تصاعد حدة الصراع في ليبيا وفر بيئة مناسبة لدعم نفوذ بعض التنظيمات المتطرفة على غرار تنظيم "داعش"،
فمع أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما طلبت من الكونجرس، في 11 فبراير 2015، تفويضا لاستخدام القوة العسكرية ضد "داعش" لمدة ثلاثة أعوام وهو أول طلب من نوعه تتقدم به الإدارة الأمريكية منذ التفويض الذي طلبه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قبل الحرب على العراق في عام 2003، إلا أن ذلك لا يبدو كافيا، في ضوء عزوف واشنطن عن التدخل بريا في الحرب، وهو متغير مهم يمكن أن يسهم في تحويل مسارها، بسبب الضغوط القوية التي تتعرض لها الإدارة في الداخل، فضلا عن تفضيلها التعاون مع الميليشيات والقوات المحلية التي يمكن تشكيلها في العراق لخوض حرب برية ضد التنظيم.
وقد بدا أن الإدارة تدرك مدى صعوبة الموافقة على التدخل بريا ضد "داعش"، ومن هنا حرصت على أن ترفق طلبها للكونجرس بتفويضها باستخدام القوة العسكرية، بحظر استخدام القوات الأمريكية في هجوم بري ممتد وإبطال التفويض باستخدام القوة العسكرية خلال الحرب على العراق الذي صدر في عام 2002، مع الاحتفاظ بالتفويض الذي صدر في عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر.
ومع ذلك، لم يتخذ الكونجرس الأمريكي قرارا فوريا بالموافقة على خطة أوباما، خاصة في ضوء تباين المواقف بين أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لاسيما حول النطاق الجغرافي الذي ستتضمنه الخطة، حيث يشير بعض المنتقدين إلى أن الخطة تتسم بنوع من الغموض فيما يتعلق بالمناطق التي سوف تستخدام فيها القوة العسكرية، وهو ما يمكن، في رؤيتهم، أن يوفر فرصة للرئيس لشن حرب ضد "داعش" ليس في سوريا والعراق فقط، وإنما أيضا في لبنان والأردن أو أى منطقة أخرى يتصاعد فيها نشاط "داعش".
 وقد أشارت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي، في 12 فبراير 2015، إلى أنه سيكون صعبا على الكونجرس إقرار خطة الرئيس، في ضوء الخلافات العالقة بين الديمقراطيين والجمهوريين حولها، وإن كانت اتجاهات أخرى بدأت تربط بين تعمد الكونجرس تأخير إقرار خطة الرئيس للحرب ضد "داعش" وبين الخلاف العالق بين الطرفين حول الملف النووي الإيراني، حيث ترى أن ما يحدث ربما يكون جزءا من مواجهة يتوقع أن تنشب بين الطرفين خلال الفترة القادمة، خاصة مع اقتراب موعد انتهاء المفاوضات النووية التي تجري مع إيران وتهديد الكونجرس بفرض مزيد من العقوبات عليها.
ومن هنا ربما يمكن القول: إن الحرب على تنظيم "داعش" سوف تستغرق وقتا طويلا، ولن تشهد تسوية قريبة، خاصة مع نجاح التنظيم في استقطاب أعداد متزايدة من المتطوعين في صفوفه، وهو ما أكده ستيفان مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي كشف عن أن عدد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم وصل إلى 20 ألف من 90 دولة، منهم 3400 من دول غربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي ينتمي إليها 150 شخصا.

ثالثا- مسارات مراوغة لأزمة الملف النووي الإيراني
كذلك، ورغم التقدم الذي حققته المفاوضات التي تجري بين إيران ومجموعة "5+1" للوصول إلى اتفاق حول أزمة الملف النووي الإيراني، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة صعوبات عديدة ما زالت تحول دون تسوية الأزمة وربما تعيدها إلى مربعها الأول من جديد، وعلى رأسها  الخلافات العالقة بين الطرفين حول بعض المسائل التقنية، والتي لم تفلح الجهود التي بذلت في تقليص مساحتها، خاصة فيما يتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي وتوقيت رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران والمدة المقترحة لتطبيق الاتفاق.

إن استمرار الصراع المسلح داخل اليمن، يزيد من احتمالات نشوء ثلاثة أقاليم داخل اليمن، وهو ما يؤهل اليمن إلى الانضمام لقائمة "الدول الفاشلة" بامتياز
ففيما تريد إيران أن تكون مدة الاتفاق ثمانية أعوام تستطيع بعدها إمداد مفاعلاتها بالوقود النووي الذي سوف تنتجه ذاتيا، بعد انتهاء الاتفاق مع روسيا الذي يمتد حتى عام 2022 لإمداد مفاعل "بوشهر" بالوقود، أى أن يكون لديها نحو30 طنا من اليورانيوم المخصب في نهاية الاتفاق مع روسيا، يدفع الغرب في اتجاه إطالة مدة الاتفاق لأكثر من 15 عشر عاما بهدف كسب مزيد من الوقت وتعطيل البرنامج النووي بأكبر قدر ممكن. كما أن إيران ترغب في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها فور توقيع الاتفاق، وهو ما ترى الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أنه غير ممكن، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة من داخل مجلس الأمن.
فضلا عن ذلك، ركزت إيران في الفترة الأخيرة على ضرورة توقيع الاتفاق النووي المحتمل على مرحلة واحدة بدلا من مرحلتين، حسب ما تسعى الدول الكبري، التي ترغب في التوصل إلى اتفاق إطاري في مارس 2015 يتبعه اتفاق شامل قبل 30 يونيو 2015، وهو موعد انتهاء المهلة التي توافق عليها الطرفان لمواصلة التفاوض. وقد كان ذلك محور جدل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة، فرغم أن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئي أبدى موافقته، في 9 فبراير 2015، على التوصل لاتفاق يمثل حلا وسطا بين إيران ومجموعة "5+1"، فإنه عارض في الوقت نفسه توقيع "اتفاق على الخطوط الحمراء يليه بحث في التفاصيل"، مشيرا إلى أن "تجربة التعامل مع الطرف الآخر تدفع في اتجاه توقيع اتفاق يشمل كل المسائل ولا يترك فرصة للبحث في التفاصيل مرة أخرى"، وهو ما رد عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالتأكيد على أن عدم موافقة إيران على إطار عمل أساسي يضمن للعالم أن يكون برنامجها للأغراض السلمية، يمكن أن يتسبب في فشل المفاوضات لأنه لن يؤد إلى تمديد المفاوضات بين الطرفين.
كما أن إسرائيل تقف حجر عثرة أمام الوصول إلى تسوية سلمية للأزمة، إذ إن مخاوفها المتصاعدة من احتمال نجاح إيران في الاحتفاظ بمختلف مكونات برنامجها النووي، خاصة فيما يتعلق بمواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم، في حالة توقيع اتفاق نووي محتمل في الشهور الأربعة القادمة، دفعها إلى محاولة فرض ضغوط قوية على إدارة الرئيس باراك أوباما، من خلال التواصل مع الكونجرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون الذين يتبنون سياسة أكثر تشددا في التعامل مع إيران. وقد أدى ذلك إلى تصاعد حدة الخلافات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو، خاصة بعد الإعلان عن إلقاء الأخير خطابًا في الكونجرس، في 3 مارس 2015، دون التنسيق مع البيت الأبيض، ما دفع الرئيس أوباما إلى اتهام نتنياهو بـ"اختراق البروتوكول".
ورغم نجاح الإدارة الأمريكية في التوصل إلى حل وسط مع الكونجرس من أجل تأجيل فرض عقوبات جديدة على إيران، إلى حين انتهاء المهلة الحالية في 30 يونيو 2015 تجنبا لإفشال المفاوضات في الوقت الحالي، فإن ذلك لا يعني أن الخيارات أصبحت أكثر اتساعا أمامها، للوصول إلى تسوية مع إيران، خاصة أنها لن تستطيع، على الأرجح، تمرير أى اتفاق دون أن يحظى بقبول تل أبيب، التي تعول على الكونجرس في عرقلة أى اتفاق قد يشكل تهديدا في رؤيتها.

رابعا- تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة
بدون شك، فإن استمرار تلك الأزمات دون الوصول إلى تسويات بشأنها ربما يفرض تداعيات سلبية عديدة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. فعلى الصعيد الاجتماعي، يمكن القول إن تصاعد حدة عدم الاستقرار في كثير من دول المنطقة سوف يؤدي إلى عودة التكوينات الأولية في المجتمعات العربية لتصدر المشهد من جديد، وذلك بسبب ضعف دور الدولة المركزية وسيطرة الميليشيات على مناطق واسعة في دول الأزمات.

إن استمرار الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة في المنطقة من شأنه فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على كثير من دول الأزمات
ومن هنا يمكن تفسير أسباب تصاعد دور القبائل في بعض تلك الدول على غرار ليبيا واليمن والعراق، حيث أصبحت تمثل أرقاما مهمة في الصراعات المسلحة التي تشهدها تلك الدول. ففضلا عن أن القبائل العراقية تشارك في تشكيل قوات شعبية لمواجهة "داعش"، فإنها تلعب دورا مهما في المشهد السياسي الليبي من خلال تحالفاتها المختلفة مع الأطراف الرئيسية في الصراع، كما أنها تمارس دورا مشابها في اليمن، حيث تسعى قبال محافظة مأرب في الوقت الحالي، على سبيل المثال، إلى تنظيم صفوفها وحشد قواها استعدادا لأى هجوم محتمل من جانب الحوثيين على المحافظة في الفترة القادمة.
 وبالإضافة إلى ذلك، فإن تصاعد حدة الصراعات في بعض دول المنطقة، التي تواجه في الوقت ذاته أزمات اقتصادية مزمنة انعكست في ارتفاع مستويات البطالة والتضخم والفقر، كل ذلك ساهم في تآكل بعض الطبقات الحيوية في تلك المجتمعات، وفي مقدمتها الطبقة الوسطى، التي مارست دورا مهما في الحراك السياسي والمجتمعي الذي شهدته الدول العربية منذ نهاية عام 2010.
 كما أن تلك الأزمات من شأنها تعزيز تراجع دور الدولة الريعية، ربما باستثناءات قليلة، بشكل يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع سقف التوترات الاجتماعية في بعض دول المنطقة، خلال المرحلة القادمة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن استمرار الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة في المنطقة من شأنه فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على كثير من دول الأزمات، بسبب هروب الاستثمارات الأجنبية وانهيار البنية التحتية وضعف القدرة على السيطرة على الموارد الاقتصادية التي بدأت بعض الميليشيات المسلحة في استخدامها كمصادر رئيسية لتمويل أنشطتها.    
وتكمن المفارقة في أن هذه التطورات فرضت تداعيات عكسية على أسعار النفط التي اتجهت، منذ منتصف عام 2014، إلى الانخفاض بشكل كبير، وهو ما يعود إلى أسباب عديدة منها تراجع معدلات النمو الاقتصادي في الدول الأوربية والصين، التي تعتبر مستوردا أساسيا للنفط من الشرق الأوسط، إلى جانب زيادة إنتاج النفط من جانب بعض الدول النفطية الرئيسية، واتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع إنتاجها من النفط الصخري.
 وقد انعكس ذلك في مجمله في تعمد اتجاهات عديدة خفض توقعاتها بالنسبة لأسعار النفط خلال عامي 2015 و2016، فعلى سبيل المثال، خفض مصرف "سيتي بنك" الاستثماري توقعاته لسعر نفط برنت في المتوسط إلى 54 دولارا بدلا من 63 دولارا خلال عام 2015، وإلى 69 دولارا بدلا من 70 دولارا في عام 2016.
والمفارقة تكمن هنا في أن انخفاض أسعار النفط بهذا القدر ربما يفرض تداعيات سلبية عديدة على الأزمات الإقليمية الرئيسية في المنطقة. إذ يمكن القول إن هذا الانخفاض يمكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين بعض الدول النفطية، فقد وجهت إيران، على سبيل المثال، اتهامات مباشرة لبعض الدول المصدرة للنفط، خاصة المملكة العربية السعودية والكويت، بالمسئولية عن الانخفاض التدريجي لأسعار النفط بسبب رفضها تخفيض سقف إنتاجها، وهو ما سوف يؤثر على الجهود التي بذلت في الفترة الماضية لتقليص حدة التوتر بين إيران والسعودية، على خلفية التباين في التعامل مع الأزمات الإقليمية المختلفة، ولا سيما الأزمة السورية وأزمة الملف النووي الإيراني.
 وقد أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 13 يناير 2015، إلى أن الدول المسئولة عن انخفاض أسعار النفط سوف تندم على قرارها، مؤكدا على أن إيران يمكن أن تواجه ذلك الانخفاض على عكس تلك الدول التي تعتمد على الصادرات النفطية.
كذلك، فإن انخفاض أسعار النفط سوف يؤثر بشكل ما على الموارد المالية التي كان يحصل على تنظيم "داعش" في الفترة الماضية، والتي اعتمد عليها في تمويل توسعاته في العراق وسوريا، رغم أن ذلك لن يفرض تداعيات سلبية خطيرة على التنظيم في ضوء نجاحه في تأمين مصادر جديدة للتمويل، فضلا عن أن هذا الانخفاض ربما لا يخلو من مكاسب نسبية بالنسبة لـ"داعش"، خاصة أنه يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في بعض الدول العربية، بشكل يمكن أن يدفع بعض العاطلين عن العمل إلى الانضمام لـ"داعش"، الذي يسعى دوما إلى استغلال أزمات الفقر والبطالة والفروق الطبقية في سبيل تجنيد أكبر عدد من المتطوعين في صفوفه.
إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تبدو مقبلة على مرحلة جديدة من التوتر خلال عام 2015، رغم الجهود التي تبذلها أطراف عديدة للتوصل إلى تسويات لبعض الأزمات الإقليمية الرئيسية.

رئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية"
بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟