المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

حركة الحشّاشين: الجذور التاريخية لتنظيم الإخوان

السبت 14/مارس/2015 - 11:12 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمود عبد الله
في إطار الاجتماع الأسبوعي لمجلس خبراء المركز العربي للبحوث والدراسات برئاسة الأستاذ السيد يسين وحضور خبراء المركز، قدم الخبيران الدكتور أحمد بدوي ومحمود عبد اللـه عرضين علميين حول موضوعين متكاملين، أولهما يتعلق بتاريخ نشوء وانهيار حركة الحشاشين التي تمثل الجذر التاريخي لحركة الإخوان المسلمين، فجاء العرض تحت عنوان: الجذور التاريخية لتنظيم الإخوان: حركة الحشّاشين، وثانيهما يتناول الأسباب التي دعت الشباب الأوروبي للانضمام لتنظيم داعش، وكان عنوان العرض: لماذا ينضم الأوربيون لداعش. وهنا نعرض لأهم القضايا التي تناولها موضوع العرض:

أولا-الجذور التاريخية لتنظيم الإخوان
إن أحد الأسباب والعلل الأساسية التي تجعل تنظيم الإخوان تنظيمًا قويًا وحيًا داخل نسيج المجتمع المصري هو طبيعة البناء التنظيمي وتركيبته. ورغم صحة التصور القائل بأن هناك عوامل أخرى فاعلة، منها اعتماد التنظيم على القوة الروحية الدينية كمصدر للجذب والتجنيد، وركونه إلى التغلغل الفعال في نسيج العلاقات والتفاعلات اليومية للمصريين من خلال ما يعتبره أعضاؤه وقياداته أسلمة للحياة الاجتماعية Islamization وللممارسات اليومية، أسلمة في أساسها طقوسية، تلمس الطقوس والعادات والآداب.
أن موضوع الحشاشين من الموضوعات التي لم تنل القدر الكافي من الدراسة الموضوعية لأسباب عقائدية، باستثناء محاولة واحدة قام بها برنارد لويس
ومع ذلك فالتناظر البنيوي بين الجماعة والحركة الإسماعيلية الشيعية في العموم، وحركة الحشاشين بالخصوص، يكشف لنا عن أبعاد أخرى. ولكي نصل لهذا المعنى ينبغي أولا تقديم عرض تاريخي سردي لنشوء الإسماعيلية والمحطات التي مرت بها.
والواضح أن المسلمين بعد عصر الفتنة انقسموا إلى تيارين كبار هما تيار سني وآخر شيعي آخذ في التشكل. والواقع أن موضوع الحشاشين من الموضوعات التي لم تنل القدر الكافي من الدراسة الموضوعية لأسباب عقائدية، باستثناء محاولة واحدة قام بها برنارد لويس في كتاب اختص به الحركة بالدراسة والتحليل العميق، استقاه من كتاب الحملات الصليبية وبعض المؤرخين العرب الموضوعيين مثل ابن الأثير.
حينما تشكل البناء الأيديولوجي للشيعة، وصلت الجماعة لنقطة حرجة وحاسمة بموت الإمام السادس جعفر الصادق، وانقسمت لفرقتين؛ الأولى فرقة إسماعيل بن جعفر الصادق المعروف بالشيعة الإسماعيلية، التي خرجت من عباءتها حركة الحشاشين، وفرقة موسى الكاظم المسماة بالشيعة الإثنى عشرية. وبعد سلسلة من القهر والمطاردة، اضطرت الأسرة العلوية للبقاء في مكة والمدينة، وبدأ  تطور فكرة الإمام المستتر والإمام الظاهر. وعندما خرج إسماعيل بن جعفر من المدينة إلى الشام، واتخذ من الشام مستقرا له، خرج مستخدما اسما مستعارا حتى لا يتعقبه ولاة الدولة العباسية. وظلت الحركة الإسماعيلية خلال الفترة الممتدة من عام 765-909ه على حالها حتى ابتدعت فكرة داعي الدعاة، الذي ينشر الفكرة الشيعية سواء الإسماعيلية أو الكاظمية، فأصبح الإمام المستور له داعي دعاة، يمد حركته خارج سوريا في الجهات الأربع؛ في الشام، وجنوب العراق، وفي اليمن، وشمال إفريقيا. وتنظيم داعي الدعاة تنظيم سري، وأعضاؤه يحافظون على أسرار التنظيم، وكانت حلقته مكونة من سلسلة تبدأ من داعي الدعاة، فالمبشرين، والمعلمين، والمجازين، والمستجيبين. وداخل هذا التنظيم يكون الإمام المستتر هو حامل رسالة التنظيم، ويمثل ظل اللـه في الأرض. وهو الذي يلعب الدور الأساسي، ومثله مثل المرشد الأعلى، ولا أحد يعرفه سوى داعي الدعاة. وشبكة داعي الدعاة تعمل على محورين، فهي تأخذ من داعي الدعاة ما ينقله عن الإمام المستتر من معارف وقرارات وغير ذلك، وتنقله إلى المستجيبين، وفي الاتجاه المقابل تحصل من المستجيبين على المال الذي يحتاجه التنظيم. ولعل فكرة وجود مورد مالي يتم الحصول عليه من الأعضاء هي ذاتها الفكرة الواردة في تنظيم الإخوان. وإذا ضربت هذه الشبكة ينتقل التنظيم إلى التطرف، وهو ما حدث في فترة من الفترات التاريخية.
وعبر نشاط داعي الدعاة، ظهرت بيئة خصبة لتقبل الأفكار الشيعية في شمال إفريقيا. ولعل ذلك مرجعه في الأساس إلى التشابه البنيوي بين التركيبة التنظيمية للتنظيمات الصوفية المنتشرة في شمال إفريقيا، والتركيبة التنظيمية للفرق الشيعية. كذلك من العوامل ضعف قوة الدولة العباسية، وهو ما دعا لدعوة الإمام المستتر للظهور، وهو الإمام المهدي. ومع نشوء الدولة الفاطمية التي تؤمن بأفكار الإسماعيلية، أخذ داعي الدعاة في زيادة حضوره في مناطق عديدة (شمال إفريقيا، الشام وبلاد فارس واليمن، ومنطقة الإحساء والبحرين). ثم حدث ما أظهر حركة الحشاشين إلى الوجود. فقد دب الضعف في الدولة الفاطمية، بصورة كبيرة، حتى قام المستنصر باللـه باستدعاء بدر الدين الجمالي والي عكا ومنحه عدة مناصب، شملت ولاية الدولة المصرية وإمارة الجيوش والعمل كداعي للدعاة، فحصل على منصب داعي الدعاة بغير الطريق المعتاد. ولما جاء ابنه الفضل، قام بما تسبب في نشوء حركة الحشاشين، حيث قام بتنصيب الابن الأصغر للمستنصر خليفة بدلا من أخيه الأكبر نزار. وكل أتباع الدعوة مقرين بإمامة نزار الذي قتل في أحد الحروب. وقدر خرج أحد الدعاة وهو حسن الصباح، يدعو لإمامة نزار، مدعيا بأن للرجل محظية أنجبت ولدا. واتخذ حسن الصباح من قلعة آل موت مقرا لدعوته، وهي قلعة محصنة يصعب الدخول لها. واتخذ من الاغتيالات وسيلة له في عمله السياسي، حيث كان يتم اغتيال الشخصيات السياسية الهامة في الدولة الفاطمية والعباسية، بل ومن القضاة والأفراد العاديين.              
   ولما تولى الإمام حسن الصباح الإمام الظاهر نيابة عن الإمام المستتر ابن نزار، ظل محصنا في قلعته، واتخذ قلاعا عديدة مستقرا لأعوانه. ولم تنته الاغتيالات إلا بعودة رئيس الحشاشين نفسه إلى الأسرة الإسلامية. ولم تسقط القلاع إلا على يد هولاكو. وكان أول ما فعله هو إغراء قيادة الحركة بالمناصب، حتى استطاع دخول القلعة تلو الأخرى، والقضاء على التنظيم تدريجيا قضاء نهائيا بقوة السلاح، فانتهى التنظيم كوجود تنظيمي مادي، فيما انتهى فكريًا مع عودة الحركة فكريًا على أحضان الجماعة العامة للمسلمين بالتخلي عن الأفكار الشاذة للتنظيم. وهو ما يعني أن التفكك الداخلي للتنظيم قد بدأ فكريًا.
ورغم ما تمتع به هذا العرض التاريخي من تميز تعلق بقدرته على الإمساك بأهم المحطات التي مرت بها الحركة الإسماعيلية بشكل عام، وحركة الحشاشين بشكل خاص، في محاولة ضمنية للموازاة بينها وبين تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، من حيث البناء التنظيمي الهرمي، والعلاقة بين المرشد والقاعدة الشعبية، وتحول الجماعة للعنف عند التضييق عليها، وخروج تنظيم إرهابي يعتمد على استخدام العنف من رحمها، وانقضاء وجودها التنظيمي بالقوة الأمنية، وعودتها للنشاط العلني بالتغيير في بنيتها الفكرية بالعدول عن الأفكار الشاذة. ومع ذلك لم يقدم العرض مسوغات اعتبار الحركة الإسماعيلية (وجناحها الحشاشي) الجذر الفكري لبنية التنظيم الإخواني، سواء كانت المسوغات فكرية بإثبات ذلك من واقع الوثائق التاريخية للجماعة، ممثلة في مؤلفات أعضائها، أو الوسائط الإعلامية لها، أو فيما صرح به أعضاؤها من تصورات وبيانات علنية. فيما اعتمد العرض على التناظر البنيوي والهيكلي بين الجماعتين. فيما غاب عن التحليل أن التناظر الحقيقي والقوي حاضر فيما بين تنظيم الإخوان والتنظيمات الصوفية، وهو الأمر الذي يمكن التدليل عليه من خلال التماثل البنيوي، وأسبقية انتماء القيادات التنظيمية ممثلة في الشيخ حسن البنا أحمد السكري لواحد من التنظيمات الصوفية، وخروجهما لبناء التنظيم الجديد.

ثانيا- بواعث الانضمام لداعش: الحالة الأوربية
اعتمد هذا العرض على عدد من الأسئلة المحورية، وهي سؤال محوري حول لماذا انضم الشباب الأوروبي لداعش؟، وبناء على هذا السؤال الجوهري تأتي أسئلة أخرى عديدة، فما أنماط هؤلاء المحاربين، ومن أين جاءوا بالتحديد، وما أصولهم الطبقية، وكيف انضموا للتنظيم، وما حجمهم بالنسبة للتنظيم ككل، وما احتمالات عودتهم لبلادهم، وكيف ستتعامل الدول الأوربية معهم حال عودتهم؟ 
إن سياسة التذويب الكلي للهوية تتطلب التوجه نحو توحيد الهوية القومية للقطر الواحد، بحيث تذوب الهويات جميعا في هوية واحدة، وتستبعد أي محاولة للتعبير عن التعدد الثقافي
    وانقسم العرض لعدة أقسام: أنماط الجهاديين الأوربين، مناطق الطرد للعناصر الإرهابية في أوربا، سياسات الدمج في المجتمعات الأوربية، طرق التنظيم في التعبئة والتجنيد، ثم أخيرا بواعث الانتماء.
فيما يتصل بأنماط الجهاديين، فيمكن الحديث عن نمطين: الأول من أصل عربي، أي أنهم أبناء الجاليات العربية من الجيل الثاني والثالث، وتربّى داخل أسرة عربية، وورث عنهم الدين والعادات والتقاليد العربية، والثاني المتحولون عن المسيحية للإسلام من أبناء الجيل الثاني والثالث. ويعيش أبناء الفئة الأولى أزمة هوية حادة، حيث عليهم أن يختاروا بين الاندماج والذوبان في المجتمع المضيف أو أن يظلوا مقيمين في الثقافة الأصلية التي تربى عليها آباؤهم. فإن اختار الواحد منهم الانحياز للثقافة الغربية، تغير مظهره في الملبس والمأكل وطريقة التفكير، وفي تغيير اسمه أو تحريفه، وفي عدم إبلاء أي اهتمام باللغة العربية، والابتعاد عن الجالية العربية، وتكون غالبية صداقاته من غير المنحدرين من أصول عربية. أما من يختار الثقافة الأصلية فيفعل العكس، يقترب من الجالية، ويقيم صداقات منها. فيما ينقسم أبناء الفئة الثانية من المتحولين إلى أربع فئات: المسيسون الذين بهرهم بلاغة الإسلام السياسي المضادة للإمبريالية، والمتحولون للإسلام بعدما مروا بأديان أخرى غيره، والمجرمون أصحاب السجل الجنائي ممن رأوا في الدين الجديد ملجأ لهم، وأبناء الجماعات الأقلوية من الزنوج واللاتين ومختلطي الأعراق، الذين جذبهم في الإسلام نزعته الإنسانية. علاوة على بعض الماركسيين السابقين، كما في حالة روجيه جارودي.
 أما المناطق التي يخرج منها الجهاديون، فإنه رغم صعوبة التوصل لأرقام دقيقة حول أعداد المجاهدين الذين خرجوا للانضمام لداعش، يمكن تقسيم هذه المناطق المحتملة إلى ثلاث مناطق:
•    بلاد لديها أكبر عدد من المشاركين في القتال، وتشمل بريطانيا، وبلجيكا، وفرنسا، وهولندا، وألمانيا، والبلقان.
•    بلدان متوسطة العدد، ممن لا يتجاوزون مائة مقاتل، وتضم أيرلندا، وإسبانيا، وإيطاليا، والدنمارك، والسويد، وفنلندا، والنرويج، والنمسا.
•    بلدان أقل مشاركة، وتشارك بعشرة أفراد، وتشمل بلغاريا، وألبانيا، والمجر، ورومانيا، وسويسرا.
على أن النظر في السياسات المنتهجة في البلاد الأوربية يكون معينا في التعرف على أبعاد الأزمة، وأسباب إنتاج التطرف. فالواقع أن الدول الأوربية اتخذت سبيلين مختلفين في التعامل مع المسلمين، ما بين سياسات الدمج الكلي وتذويب الهوية وسياسات التعبير الحر عن الهوية الثقافية.
إن سياسة التذويب الكلي للهوية تتطلب التوجه نحو توحيد الهوية القومية للقطر الواحد، بحيث تذوب الهويات جميعا في هوية واحدة، وتستبعد أي محاولة للتعبير عن التعدد الثقافي. هذا النموذج ينتج، في نهاية الحال، مفهومًا مختلفًا للعلمانية كأسلوب حياة. في هذه الحالة، تصبح العلمانية هي الفصل المطلق بين الدين والسياسة، ولا يكون لرأس المال الديني وصناعه أي دور في الحياة السياسية وبنائها. وهو النموذج المعتمد في بلدان أوربية كفرنسا، وانعكس دوره في بعض الدول العربية كتونس. هذا النموذج لا يسمح بوجود أحزاب دينية، أو على أساس ومرجعية دينية.
وفي مقابل هذا النموذج، يأتي مفهوم التعددية الثقافية، وفيه يمكن للأقليات التعبير عن خصوصياتها الثقافية بحرية، بحيث تستطيع أن تمارس شعائرها وتعلن هويتها في العلن. ويستند هذا النموذج لتصور للديمقراطية كوسيلة لإنتاج التعدد وتأكيده، وإبراز حق الاختلاف، وبناء عليه تتبنّى الدولة تصورًا للعلمانية، يسمح بالتعبير الديني أن يجد مكانا له في السياق العام، كما هو الحال في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. ففي إنجلترا، تسهر الحكومة على توفير الآليات التي تضمن نوعا من العلاقة السلسة بين مختلف الأقليات الدينية والعرقية والثقافية، مثل تشجيع إنشاء المدارس التي تسمح بالحفاظ على الثقافة الأصلية لهذه الأقليات. وتفوض من أجل ذلك الجمعيات والهيئات الدينية التابعة للأقليات، والسهر على وضع برامج التعليم ومراقبته بها، كما تقدم الدعم المالي اللازم.
تتبع داعش سبلا عديدة لجذب المقاتلين الجدد لصفوفها. فهي تستخدم حزمة كاملة من وسائل الاتصال الاجتماعي
وفيما يتعلق بطرق الجذب، يمكن القول بأن داعش تتبع سبلا عديدة لجذب المقاتلين الجدد لصفوفها. فهي تستخدم حزمة كاملة من وسائل الاتصال الاجتماعي، مثل تويتر وفي سبوك وتامبلر وكيك واليوتيوب وأسك فم، وسكاي بي، وجوجل بليه، لتوجه دعايتها لمجتمع الإنترنت العالمي. وتصدر مجلة إليكترونية (مجلة دابق) بلغات عديدة، ولديها قنوات تلفزيونية، وصفحات عديدة على الشبكة.
إن استخدام الآليات الرقمية الحديثة يساعد في جلب الأفراد الذين لديهم استعداد للتطرف، وتساعدهم في البقاء على مقربة من المقاتلين، ليصبحوا على دراية، فتنشأ جراء ذلك خبرة مشتركة. ولذلك يكون هناك حرص على التوثيق اليومي للسيرة الذاتية، ومنه ما قام به بعض المحاربين الأجانب من توثيق مشاركتهم في الصراع السوري على الشبكة، باللغة الإنجليزية، للجمهور الأوربي.
ولا يمر المجند الجديد بمرحلة واحدة حتى يعتبر مقاتلا في صفوف داعش، لعله يخوض عدة مراحل، نستطيع أن نوردها على النحو التالي:
-    مرحلة الإقناع: وهي المرحلة التي يتم من خلالها جذب العضو الجديد، عبر عديد من الإغراءات منها الحلم بتحقيق حلم الخلافة الإسلامية الذي بمقتضاها يتساوى الجميع دون تمييز، أو بالحديث عن الانتصارات المتحققة على الأرض، أو بذكر الهدايا والغنائم الموزّعة بالعدل التي يحصل عليها المشاركون بعد الغزو، أو بإثارة التعاطف بشأن ضحايا الحرب من المسلمين، أو بإبراز التحقق الذاتي للمشاركين، وبتحقيق أمنياتهم. وتتم هذه المرحلة من خلال وسطاء هم في العادة أصدقاء أو أقارب للعضو الجديد.
-    مرحلة الفحص: وهي المرحلة السابقة على السفر. حيث لا بد من توفر ضامن للعضوية. فنظرا للخوف المحيط بعملية ضم عضو الجديد، والتخوف من كونه جاسوسًا وعميلا لأحد الأجهزة التابعة للقوى المعادية لداعش، لا يتم قبول العضو الجديد دون الحصول على أمان وضمانة من أحد الشيوخ المصدقين لدى التنظيم. وعلى هذا المصدق أن يتعرف على مدى معرفة المرشح الجديد بالدين الإسلامي والمسجد الذي أتى منه، وحضوره على الإنترنت، ثم التحري عنه لفترة تمتد من ثلاثة أشهر لعام كامل.
مرحلة الالتحاق: وتشمل هذه المرحلة على عدة مراحل، أولاها السفر إلى أقرب نقطة للوصول، وهي عادة ما تكون تركيا، ويتوجب فيها اتباع عدد من الاحتياطات حتى لا تشك السلطات التركية فيه.
وأخيرا، فإن العوامل التي تدعو الأعضاء للانضمام للتنظيم الإرهابي داعش هي عوامل متنوعة، منها البحث عن حداثة محافظة، بحسب وصف سالفوي جيجيك لها، فنمط الحداثة القائم لا يسمح بالتعددية الثقافة المأمولة من جهة هؤلاء الأوروبيين، حيث لا يستطيعون التعبير عن هويتهم الإسلامية كما يحلو لهم، دون أن يتعرضوا للتوقيف، أو السخرية، أو التوبيخ. فالفتاة التي ترتدي الحجاب تتعرض لتوبيخ شديد من قريناتها، تحت دعوى أن الحجاب رمز للقهر الذكوري. وسواء كان ذلك صحيحا أم لا، فإن المسألة تتجاوز ذلك إلى التعرض للقتل على يد بعض الجماعات المتطرفة والعنصرية، علاوة على أن الأحداث التي تلت سقوط برج التجارة العالمي، حول المسلمين ككل إلى "مشتبه بهم".
ومنها الرغبة في الخروج من مادية الواقع الأوربي وفرديته إلى روحانية "الأمة". فمفهوم الأمة نفسه يحوي الأمرين معا، فهو من جهة مفهوم جماعي، يحمل الفرد على نسيان فرديته وأنانيته التي يجدها في واقعه الأوروبي، ومفهوم تجريدي عام يخلص المنتمي إليه من مادية العالم.
ويتصل بما سبق حديث فلسفة ما بعد الحداثة عن مفهوم السيولة، ثمة عالم سائل لا يقين فيه بسقوط الأيديولوجيات الكبرى. وفي إطار هذا المفهوم، يمكن الحديث أيضا عن مجتمع غربي موسوم بالسيولة، حيث تتحدد معالم الأشياء فيما بعد، أي أن تنشأ قوانين الواقع بإرادة فردية، دون تحديد مسبق. في المقابل تؤسس الجهادية لحل آخر، حيث ثمة قواعد محددة سلفًا بإرادة يظن فيها الموضوعية والعدل، وهي إرادة الإله، فلم تعد الإرادة الذاتية هي مصدر العدل، بل إرادة مسبقة حددت حدود العالم دون تدخل الهوى البشري، ومراعاتها يجلب الخير.
كذلك يمثل الانتماء للجماعات الجهادية محاولة، من جهة المتحولين، لإثبات ولائهم للدين الجديد وتحيزهم له. ففي فرنسا، مثلا، يعيشون أحيانًا في الأحياء الفقيرة، محاطين بالشباب من ذوي الأصل الوافد من شمال إفريقيا، شباب على عداء مع المجتمع الذي استبعدهم، ويرون أنفسهم ضحاياه. هؤلاء الشباب لا يثقون أحيانا في المتحولين لدينهم، وأحيانًا ما يسخرون من فهمهم السطحي والضيق له. والمتحولون بدورهم لا يعرفون العربية جيدا، وأحيانًا ما يتحدثون اللغة الدارجة التي لا تمكنهم من فهم القرآن. ولكي يثبتوا لأقرانهم حسن إيمانهم، فقد لجأوا للجهاد كوسيلة للتعبير عن رغبتهم في التضحية بأرواحهم، كنوع من التحدي الرمزي لمن ولدوا على دين الإسلام الذي يعتنقونه.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟