المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
آرنو لوبامانتييه
آرنو لوبامانتييه

جيش أوروبي دونه سلميّة ألمانيّة وتقوقع بريطاني

الأربعاء 18/مارس/2015 - 11:24 ص

«أريد ألماناً بثياب عسكرية في الخريف المقبل»، ليس صاحب هذا القول جان – كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية الذي دعا قبل أيام الى إنشاء جيش أوروبي، بل هو وزير الخارجية الأميركي، دين آشيسون، في أيلول (سبتمبر) 1950 في اجتماع «أطلسي» في نيويورك. وفي تلك المرحلة، شنّ ستالين حرباً على كوريا، وكانت إدارة الرئيس الأميركي ترومان تخشى هجوماً ستالينياً على أوروبا. فاقترحت فرنسا مشروع دفاع أوروبياً «يذيب» أو يدمج الجنود الألمان في وحدات أوروبية. ولكن هذا المشروع طُوي في 1954، واضطر الفرنسيون الى قبول ما يخالف رغباتهم: تسليح ألمانيا ودمجها في «الناتو».

ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه اليوم بعد 65 عاماً. فأوروبا ترغب مجدداً في جنود ألمان، في وقت تجبه خطر «الدولة الإسلامية» وفلاديمير بوتين. وليست من بنات الصدفة، دعوة يونكر في صحيفة ألمانية الى إنشاء جيش أوروبي يوجّه رسالة الى روسيا مفادها، أن الأوروبيين مستعدّون للدفاع عن قيم الاتحاد الأوروبي. ولقيت تصريحاته صدى إيجابياً في وزراتَي الدفاع والخارجية الألمانيّتين.

وعلى رغم إعلان الألمان رغبتهم في شطر أكبر من المسؤوليات الأوروبية في مطلع ولاية أنغيلا مركل الثالثة، لم تتجاوز نسبة موازنة الدفاع من الناتج المحلي الألماني 1.3 في المئة، في وقت يطالب «الناتو» بأن تخصّص الدول الأعضاء 2 في المئة من الناتج المحلي للنفقات الدفاعية. و16 في المئة من الموازنة الدفاعية الألمانية مخصّصة للعتاد العسكري، على رغم دعوة «الأطلسي» الى رفع هذه النسبة الى 20 في المئة. وعلى خلاف الموازنة الألمانية الدفاعية، تبلغ نسبة الموازنة الفرنسية الدفاعية 1.8 في المئة من الناتج المحلي تُنفق 25 في المئة منها على العتاد العسكري، والموازنة البريطانية الدفاعية 2 في المئة، 23 في المئة منها تُنفق على التسلّح. ولا يُخفى أن برلين هي عائق يحول دون إنشاء جيش دفاع أوروبي. فألمانيا تخشى الديون والأسواق المالية أكثر مما تخشى الروس و»الدولة الإسلامية». وهي تميل الى وزير ماليّتها، ولفغانغ شوبل، الذي يدعو الى تخفيض العجز الى الصفر عوض الإنفاق على الشؤون الدفاعية التي يتولاها اليوم الأميركيون و»حلف شمال الأطلسي». وألمانيا تميل الى المعسكر السلمي.

وفي مطلع القرن الواحد والعشرين، نأت برلين بنفسها عن المغامرات الخارجية التي رفعت لواء المحافظين الجدد، وعارضت حرب «بوش (الرئيس الأميركي) - بلير (رئيس الوزراء البريطاني) - أزنار (رئيس الوزراء الإسباني)»، على صدام حسين في العراق. والتدخّل في أفغانستان خلّف أثراً بالغ السلبية في صفوف الألمان، إثر سقوط 57 جندياً ألمانياً من طريق الخطأ في قندوز في 2009. ولم تؤيد برلين شنّ حرب من غير أهداف أو إعداد لمرحلة ليبيا ما بعد القذافي.

ولكن أحوال العالم تغيرت اليوم، ولم تعد أوروبا مدعوة الى التدخل الخارجي فحسب، نتيجة عدد من العوامل: 1) خطر موسكو و»الدولة الإسلامية» يتهددها في عقر الدار. 2) ألمانيا تميل الى تحدّي أميركا. فالمستشارة الألمانية لم تغفر لأوباما تنصّت استخباراته على مكالمتها. 3) ثمة شدّ حبال بين أميركا وروسيا. وأميركا تحمل الأوروبيين على التشدّد مع موسكو، وتنفخ في التوتّر مع بوتين. وآثار التوتر السلبية يكابدها جيران روسيا في شرق أوروبا وألمانيا، وليس أميركا.

ويأمل بعض المراقبين في أن تبادر ألمانيا الى تغيير موقفها السلمي، ويرون أن خطاب يونكر قد يساعدها. فدورها لا غنى عنه. وهي القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا، والقوة السياسية النافذة في بروكسيل. ولا تغفل برلين الحاجة الى الاستثمار في القطاع العسكري، وهي رفعت موازنتها الدفاعية في 2015 الى حوالي 2 في المئة من الناتج المحلي، ولكنها لا ترغب في الهيمنة العسكرية. ولن تتسلّح تسلحاً ينفخ الخوف في أوصال جيرانها، وترجّح كفة الطابع الأوروبي لعملية تسلّحها.

ولكن بروز جيش دفاع أوروبي متعذّر من غير مشاركة بريطانيا التي لا تطيق اليوم المشروع الأوروبي، وتنأى أكثر فأكثر عن شؤون العالم، وتقلّص النفقات العامة. ولا يخفى أن التعب غلب عليها إثر الإخفاق في العراق وليبيا. ولم يشارك رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في مفاوضات مينسك حول أوكرانيا، على نحو ما فعلت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي. وتستسيغ ألمانيا أن تنضوي فرنسا في إطار أوروبي عسكرياً، وهي تنظر بعين الريبة الى تغريد فرنسا خارج السرب الأوروبي في أفريقيا. والفرنسيون لا يستعجلون بروز قوة عسكرية ألمانية. ولكن التاريخ قد يعيد نفسه، وتتغيّر أحوال أوروبا على وقع ضغوط خارجية. نقلا عن الحياة

* مــعلق، عن «لــومـوند» الفرنــسية، 12/3/2015، إعـــداد منال النحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟