المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

هل يأفل نجم أردوغان: النيران المستعرة على أبواب الانتخابات البلدية

الأحد 30/مارس/2014 - 10:45 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. أحمد موسى بدوي
يحلو للبعض أن يصف الطيب رجب أردوغان، بأنه مهندس الصحوة الإسلامية في تركيا، بعد تفوقه وتجاوزه لإنجاز أستاذه نجم الدين أربكان، والحقيقة أن كليهما يجني ثمرات حالة تاريخية تمر بها تركيا، منذ إعلانها دولة علمانية في عام 1928. 
يتوجه الناخبين الأتراك اليوم، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجالسهم المحلية، وبعد أقل من ستة أشهر، سيذهبون للاقتراع مرة أخرى لانتخاب رئيس الجمهورية. تأتي انتخابات المجالس المحلية، هذه المرة وسط توقعات بخسارة حزب العدالة والتنمية. ومبرر هذه التوقعات، أن أردوغان قد ورط حزبه العدالة والتنمية في معارك خارجية خاسرة، وعلى المستوى الداخلي، يرى البعض أن الإبداع والتجديد فارق أروقة الحزب، بعد 12 عاما من النجاح، بينما يرى البعض الأخر أن عام 2014 سوف يشهد بداية سقوط حزب العدالة والتنمية، وأن تراجعه عن الصدارة ربما تكتمل مع اكتمال الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة (البلدية، الرئاسية، البرلمانية). 
الخسارة المتوقعة، ترتبط أيضا بفضائح فساد، طالت النخبة الحاكمة، ودفعت أردوغان إلى القيام بإجراءات استثنائية مستبدة، كما دفعته إلى وضع جماعة فتح الله جولن كعدو داخلي. تلك الجماعة ذات التأثير الاجتماعي والثقافي الممتد بين أبناء الطبقة الوسطى والعاملة التركية.
 وقد أسهم أردوغان شخصيا، في تأجيج الصراع وصناعة العدو، حينما اندفع في اتهام جولن، بتدبير أزمة ميدان تقسيم، مدعياً أن قوات الأمن التي تعاملت بعنف مفرط مع المحتجين، هم أنصار جولن، الذين يسيطرون على مواقع مهمة داخل قوات الشرطة التركية. ثم عاد للاندفاع مرة أخرى، بعد اتهام عدد من وزرائه بالفساد، فاتهم جماعة جولن بالسيطرة على القضاء. ولا يمل أردوغان من صناعة العدو الداخلي، بترديد مقولة الدولة الموازية، وبعيدا عن صحة هذه المقولة من عدمها، فإنها تتهافت أمام طموحات المواطن التركي، الذي يبدو أنه صار يفكر في بدائل أخرى غير أردوغان وحزبه.
أولا: نشأت الحركة الإسلامية على يد النورسي
لكن السؤال المهم هنا، من أين يحصل الإسلاميون على أصواتهم في تركيا؟ وهو سؤال هام ليس فقط لتركيا الدولة الإسلامية الكبيرة، وإنما للمنطقة بأسرها. ونفترض في هذه المقال أن تهيئة المجتمع التركي لتقبل الخيار الإسلامي، جاء عبر عملية تاريخية، جنى أردوغان ثمارها الناضجة، ويبدو أنه على وشك إهدار ما حققته الحركة الاسلامية التركية ذات الطابع المتميز والمخصوص. ويتفرع من هذا الافتراض العام، افتراضين فرعيين: أن الحركة الإسلامية التركية نشأت وترعرعت على يد بديع الزمان سعيد النورسي (1877-1960)، بعيداً عن السياسة، فهي حركة اجتماعية وثقافية بامتياز، توائم بين الحضارة الغربية والإسلام، وأصبح  أتباعها بالملايين، ما يجعلها تملك دون شك نفوذاً ناعماً وممتداً في كافة أرجاء المجتمع التركي، وفي كافة مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى ما تمتلكه الحركة من مؤسسات خيرية وأوقاف للصرف على التعليم والخدمات الاجتماعية والثقافية التي ترسي تعاليم النورسي. وبناء على ذلك نفترض ثانيا: أن كافة الأحزاب الإسلامية التركية، تكتسب قوتها، من مصدر واحد، وهو أتباع النورسي، ما يعني أن منح القوة السياسية لهذا الحزب أو ذاك، يمر بطريقة غير مباشرة عبر مؤسسات النورسي المنتشرة في كل بقاع تركيا. وأن جولن أو أردوغان أو أربكان من قبلهم، هو من صنع القوة الناعمة المذكورة.
توصف الحركة الإسلامية التركية بأنها حركة اجتماعية وثقافية بامتياز، توائم بين الحضارة الغربية والإسلام، وأصبح أتباعها بالملايين
والسؤال: كيف يمكن للإسلام أن يزدهر في دولة غير إسلامية؟ هذا هو السؤال الذي أجاب عليه سعيد النورسي في مشوار حياته، على عكس السؤال السهل الذي طرح على الإصلاحيين في العالم العربي، وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده في مصر. لقد عاصر النورسي سقوط الخلافة العثمانية، وظهور الدولة العلمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، ولكن همته لم تفتر، في مناخ أقل ما يوصف به أنه مناخ مانع للتفكير في الدين. 
لم يكن سعيد النورسي، حالما باستعادة الخلافة الإسلامية، مقارنة بهدف حسن البنا عند تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وإنما كان حالما باستعادة الهوية الإسلامية لتركيا، وفي سبيل هذه المهمة الجليلة، قضى عمره بين السجن والنفي وتحديد الإقامة، حتى بعد وفاته لم يسلم جسده من المعاناة، فقد أصرت السلطات التركية على نقل جثمانه بعد الدفن بأيام إلى مكان غير معلوم. 
على أية حال، انشغل سعيد النورسي، بتأليف رسائل النور، مستغرقا في ذلك نصف قرن من عمره، وكان يكتبها طلابه، وينسخونها في سرية تامة، ثم يتم توزيعها في أرجاء تركية بعيداً عن أعين الأمن، جددت هذه الرسائل الدين الإسلامي بوسطيته وإصلاحيته وعدم تناقضه مع الحضارة الحديثة. وصارت هذه الرسائل وحتى الآن المصدر الرئيسي للمعرفة الدينية في تركيا. وبعد وفاته، أسس طلابه، العديد من المؤسسات الخيرية لنشر تعاليم النورسي ورسائله، وجميع هذه المؤسسات تحافظ بصورة أو بأخرى على عدم الاشتغال بالسياسة، فلا يسمح لأعضائها، بالترشح في أي انتخابات، من أي نوع، كما أن هذه المؤسسات لا تدعم بصفتها الاعتبارية أي مرشحين من أي نوع. ولذلك فقد شكلت هذه المؤسسات، قوة ناعمة ذات تأثير عميق وممتد في المجتمع التركي، وليست جماعة فتح الله جولن، سوى واحدة من هذه المؤسسات التي تهتم بنشر التعليم بين أوساط الطبقة العاملة والفلاحين وقطاع من الطبقة الوسطى التركية.  ومن هنا يتصور القارئ، أن هذه الحركة النورسية – أن صح التعبير- تمثل القاعدة العريضة التي تعطي القوة غير المباشرة لكل الأحزاب السياسية التركية، التي ظهرت على الساحة السياسية الآن ومستقبلا.
ثانيا: خريطة الأحزاب الإسلامية في تركيا
المتأمل في تأسيس الأحزاب وحلها، يتبين أنه لا يهم اسم الحزب ولا من يرأسه، فكل حزب له توجه إسلامي في تركيا، سوف يظهر مؤقتا ثم يختفي، بحكم المحكمة الدستورية، أو بتدخل عسكري مباشر، على النحو التالي:
حزب النظام الوطني (1970-1971): كان الحزب الإسلامي الأول في تركيا الجمهورية، الذي دعا إلى اعتماد الإسلام في سياساته، أسسه نجم الدين أربكان، وهو برلماني مستقل، وأستاذ في الهندسة الآلية بجامعة اسطنبول، وعقد الحزب مؤتمره الأول في فبراير 1970، ولكن لم يلبث أن أحيل مؤسسه لمكتب المدعي العام في عام 1971، لمحاكمته بتهمة استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، ومن أهم برامجه كان إعادة تأسيسي وتشجيع التعليم الديني في كل المدارس التركية.
حزب السلامة الوطني (1972-1980): أسس حزب السلامة في أكتوبر 1972، من قبل 19 شخصا، ارتبط أغلبهم بحزب النظام الوطني المنحل، وانتشر الحزب سريعا في 67 منطقة بتركيا، بفضل قدرات أربكان وسليمان عارف الأمين العام للحزب في جذب الأعضاء، وفي انتخابات 1973 حصل الحزب على 48 مقعد من 450، ونجح في الحصول على 13% من أصوات مجلس الشيوخ ما مكنه من الحصول على 3 مقاعد من 52، وهكذا جاء الحزب في المرتبة الثالثة. وفي عام 1981قامت السلطات العسكرية بحل الحزب.
حزب الرفاة (1983-1998): أسسه على تركمان، بعد حظر نشاط نجم الدين أربكان وآخرين، ولكن بعد رفع الحظر في عام 1984 عاد أربكان رئيسا لحزب الرفاة، وهو الحزب الذي شهد مرحلة التغير الحقيقي في تركيا، حاول الحزب تلافي أخطاء التجارب السابقة، فكانت شعاراته أكثر حذراً، ومغلفة بشعارات كمالية، وحاول الحزب أن يوفق بين الحركة الإسلامية والديمقراطية. ومع ذلك لم يستطع الحصول على مقاعد  خلال انتخابات 1984 ، 1987، وفي 1991 دخل الانتخابات في قائمة مشتركة مع حزب العمل القومي، فحصل على 43 مقعدا. وفي انتخابات 1996ـ حصل على 158 مقعدا من أصل 550، ما جعله أقوى الأحزاب وسمح لزعيمه، أن يصبح رئيسا للوزراء. وفي 1997 أخرج الجيش أربكان وحزبه خارج الحكومة، ثم في يناير 1998 قامت المحكمة الدستورية بحل الحزب.

أن الحركة النورسية تمثل القاعدة العريضة التي تعطي القوة غير المباشرة لكل الأحزاب السياسية التركية، التي ظهرت على الساحة السياسية الآن ومستقبلا
حزب الفضيلة (1998-2001): قام أعضاء حزب الرفاة المنحل، بتأسيس حزب جديد باسم (حزب الفضيلة، وتم ترشيح بضعة أسماء لرئاسة الحزب الجديد، تتضمن الطيب رجب أردوغان، رئيس بلدية اسطنبول، ومليح كوتشك، رئيس بلدية أنقرة، وعبدالله غول مسئول العلاقات الخارجية لحزب الرفاة المنحل، وبولاند أجاويد، وزير الطاقة في حكومة أربكان، ورجائي قوطان، الرجل التوافقي وصانع الصفقات الانتخابية آنذاك. وتم تنصيب طوقان رئيسا للحزب في ديسمبر 1998. غير أن الجيل الجديد للإسلاميين بدأ في اكتساب النفوذ داخل بنية حزب الفضيلة، وتجلت هذه القوة في الانتخابات الداخلية للحزب عام 2000، فقد فاز رجائي طوقان برئاسة الحزب بعد منافسة شرسة مع الشاب عبدالله جول، (632 صوت لرجائي مقابل 521 لجول). وتم حل الحزب في يونية 2001. بذات التهمة (تهديد النظام العلماني في تركيا).
حزب العدالة والتنمية: بعد حل حزب الفضيلة، انقسم الأعضاء الى فريقين: الأول يسير على النهج الأربكاني، وبدأت إجراءات تأسيس حزب السعادة. أما التيار الثاني من حزب الفضيلة المنحل،  فيضم الجيل الجديد من السياسيين الإسلاميين، وعلى رأسهم عبدالله غول وطيب رجب أردوغان، وأسست هذه المجموعة حزب العدالة والتنمية، واعتلت سدة الحكم حتى اللحظة الراهنة.
 كل هذه المحاولات، ما كان لها أن تستمر، في ظل هذا المناخ السياسي العجيب، إلا لأنها هذه الأحزاب ضامنة في كل مرة ظهور وتأسيس، أن هناك قوة اجتماعية تؤازرها، وهي الحركة النورسية، وفي الغالب، حرص الإسلام السياسي التركي على إفراز حزب واحد في كل مرة، ما سمح بالتفاف المحافظين الإسلاميين والحركة النورسية حوله، فإذا ما تم حله وتأسيس آخر، يستمر نفس الدعم الجماهيري.
أما الآن، فإن الانقسام الذي سببه صراع أردوغان مع جماعة فتح الله جولن، سيؤدي لأول مرة تقريبا، إلى تفتيت أصوات الإسلاميين في تركيا. ويبقى السؤال التالى: إلى أي مدى سيؤثر هذا الانقسام على المشهد السياسي فى تركيا؟، هذا ما سوف يتضح بجلاء عقب إعلان نتائج الانتخابات البلدية في الأيام القليلة المقبلة؟.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟