المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

ظل التاريخ فى الصراع الراهن

السبت 04/أبريل/2015 - 11:02 ص

للتاريخ حيله ومسالكه وقنواته للتأثير فى مجريات الحاضر، وفى مقدوره أن يجد الثغرات والمنافذ لتلوين مشكلات الحاضر وصراعاته بأطيافه، وأن يلحق بها بصماته مهما كان التاريخ غارقا فى القدم، هكذا يقول مؤرخ الحوليات الفرنسى الراحل فردينان بروديل، ويضيف أن تاريخ أى بلد يتأثر بتاريخ المنطقة التى توجد فيها، بل بالقارة التى فيها يقع هذا البلد أو تلك الدولة، بل وبتاريخ العالم أيضا.

يصدق هذا القول فى الحالة العربية الإيرانية، ذلك أن نفوذ إيران المتمدد منذ بضع سنين، ومنذ الاحتلال الأمريكى للعراق، فى بغداد ودمشق وبيروت وأخيرا فى اليمن وصنعاء، من خلال ميلشيات وقوى طائفية ومذهبية تنتمى للفضاء الشيعى بأطيافه المختلفة، وكلها تدور جميعا فى إطار الفلك والمخطط الإيرانى، لا يمكن تبرئته من ميراث الماضى والتاريخ، فهذا النفوذ يحمل طابعا مذهبيا يعود به إلى الصراع بين أنصار معاوية بن أبى سفيان وأنصار على بن أبى طالب كرم الله وجهه ومحنة آل البيت فى التراث الشيعى، ومن ثم فإن هذا النفوذ الإيرانى ينهل من تلك السرديات التاريخية والمذهبية، ويحاول رد الاعتبار للأقليات الشيعية تحت شعار «رفع المظلومية التاريخية عن الأقليات الشيعية» بقيادة إيران وولاية الفقيه فى إطار الطموح والتمدد الإقليمى.

من ناحية أخرى فإن التمدد الإيرانى فى مشرق العالم العربى وامتداده إلى اليمن من خلال جماعة الحوثيين أو أنصار الله، لا يبرأ من شبهة وحنين إيران إلى الإمبراطورية واستعادتها، وذلك ليس وفقا لتصريحات العديد من المسئولين الإيرانيين، بل وفقا للتأثير المستمر للتاريخ فى تلوين هذه الطموحات الإمبراطورية، وفق طابع العصر ومجرياته وأنظمة الحكم علمانية أو دينية، حيث حاول الشاه قبل الثورة أن يلعب دور شرطى الخليج، وحاولت إيران الثورة أن تمد نفوذها خارج الحدود الإيرانية، لأن إيران الإسلامية تتجاوز نظرتها الحدود الوطنية إلى ما بعدها، حيث يوجد الأنصار من الأقليات الشيعية التى تتقاسم مع إيران الميراث الشيعى النفسى والدينى والسياسى.

 

حاولت إيران عبر تاريخها بلورة التميز والخصوصية إزاء العرب أصحاب الدعوة الإسلامية المنزهة عن العرق والإثنية والتى تصبو إلى الكونية والعالمية، كانت الإمبراطورية الفارسية تنظر إلى العرب باعتبارهم بدوا قادمين من الصحراء، لم يعرفوا المدنية والرفاهية كما عرفتها بلاد فارس القديمة، وعندما استقر الأمر للعرب فى بغداد والخلافة العباسية، لعبت الجماعات الفارسية دورا مهما فى السياسة والحكم وعندما آلت الخلافة إلى العثمانيين الذين يدينون بالمذهب السنى، اعتنقت الإمبراطورية الفارسية المذهب الشيعى فى عهد إسماعيل الصفوى تميزا واستقلالا عن كل من العرب والأتراك، فالأولون فى معظمهم يدينون بالمذهب السنى وكذلك الأتراك أيضا، فى معظم هذه الحالات والتحولات ظلت الروح الفارسية والطموحات الإمبراطورية قائمة وإن تلونت بروح العصر والنظام السائد.

التاريخ لا يعيد نفسه وإن فعلها ففى المرة الأولى تكون مأساة أما فى الثانية فتكون ملهاة كما يقول بعض المفكرين والفلاسفة، ومع ذلك فإن إيران تحاول إضفاء الصبغة المذهبية والدينية على صراعات سياسية واجتماعية تتوقف محصلتها على علاقات القوى والمصالح الاقتصادية والسياسية المتناقضة، هذه الصبغة المذهبية والدينية تشكل مظلة أيديولوجية مضللة وتخفى طبيعة الصراع القائم فى هذه البلدان، وتحول دون النظرة الموضوعية والسياسية لهذه المشكلات والصراعات.

إن تهديد الأمن القومى العربى وهوية الاقاليم العربية وانتزاع بعض دول الإقليم من سياقها التاريخى والحضارى، لصالح أحد المذاهب الدينية أو الطائفية، وتمكن الأقلية من حكم الأغلبية والسيطرة عليها، واعتبار هذه الأغلبية أدنى من تلك الأقلية، عمل لا يمت للإسلام بصلة فى عمقه الإنسانى والروحى والأخلاقى، بل هو سياسة فى المقام الأول، تعكس أطماعا وتوسعات وبسطا للنفوذ على حساب ما هو متعارف عليه من قيم وعلاقات فى المجال الدولى، وبما أنه كذلك فهو يخضع بالتالى لحسابات الصراع السياسى وحسابات المصالح الإقليمية والوطنية والقومية.

 

ولا شك أن التدخل العسكرى للتحالف العربى فى اليمن جاء فى توقيت حاسم ومناسب، فهو أولا وقع بعد رفض الحوثيين للحوار والجلوس على مائدة التفاوض وفق المبادرة الخليجية وبنود الحوار الوطنى، وهو ثانيا يجئ قبل الاتفاق النهائى بين إيران وبين الدول الخمس + ألمانيا وهو ثالثا يجئ ويسبق عقد القمة العربية السادسة والعشرين فى شرم الشيخ، وكان له تأثيره فى كل من هذه المجالات فهو قد يدفع الحوثيين للتفاوض ونبذ الاستئثار والإقصاء وقد يدفع فى اتجاه انتزاع اتفاق نهائى من إيران حول الملف النووى لأنه فرض عليها تحديا قد يضعف من مصداقيتها وخطابها ويضاعف من مشكلاتها مع الجوار العربى، وأخيرا وليس آخرا حظى التحالف بدعم عربى - دولى واسع النطاق ووضع النظام العربى أمام مسئولياته وضرورة تجاوز لحظة الضعف التى كانت سائدة قبل هذا التدخل وساعد العرب على اكتشاف أنفسهم، فهم ليسوا بالضعف الذى يصوره الخطاب المناهض للعرب.

نجاح القوة العسكرية يرتبط بالمسار السياسى الذى قد تفضى إليه ذلك أن استخدام القوة واللجوء إليها قد يبدو سهلا، بينما التحكم فى استخدام هذه القوة وطريقة إنهاء اللجوء إليها تبدو صعبة، وذلك يعنى أن نجاح التدخل العسكرى العربى فى اليمن رهن باستئناف المفاوضات وفتح باب الحوار لحل سياسى يتم التوافق عليه بين مختلف مكونات المجتمع اليمنى القبلية والطائفية، وإنهاء الأخطار التى تتعلق بالأمن القومى العربى ونزع السلاح غير الشرعى وتدعيم الحكومة والرئاسة الشرعية وتعزيز سبل إرساء السلام الأهلى، ونبذ الإقصاء والمذهبية والاستئثار، وهو الطريق الذى يضمن الأمن والاستقرار والازدهار ليس فحسب لليمن بل للمنطقة برمتها.

وفى هذا الإطار لا يكمن الحل فى محاربة المذهبية بمذهبية مضادة أو الطائفية بطائفية مضادة، أو الانتصار لمذهب إسلامى دون آخر، أو شن حرب إعلامية ضده، ففى هذه الحالة لا نفعل سوى الوقوع فى الفخ الذى ينصبه الآخرون لنا فى الداخل والخارج والإقليم، بل فى النظر إلى الأمر كصراع سياسى حول المصالح والأمن لكل الأطراف وفتح الطريق لبناء دولة مدنية تتسع لجميع مكونات الدولة العربية بصرف النظر عن مذهبها وتكوينها القبلى والطائفى، فالجميع مواطنون فى الدولة ولهم ذات الحقوق والواجبات على قدم المساواة أمام القانون وفى الواقع العملى. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟