المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
عطيه عيسوى
عطيه عيسوى

«جودلاك» نيجيريا!

الأحد 05/أبريل/2015 - 11:18 ص

بفوز محمد بخارى مرشح المعارضة على الرئيس جودلاك جوناثان فى انتخابات الرئاسة دخلت نيجيريا النادى الديمقراطى الاِفريقى الناشئ بعد أكثر من ثلاثين عاماً من حكم العسكر والديمقراطية المزيّفة. لكن اِذا كانت قد قطعت شوطاً كبيراً نحو الحكم الديمقراطى الحقيقى الذى يحترم إرادة الشعوب فمن السابق لأوانه القطع بأن هذا التحول سيجلب لها الاستقرار، فمن المحتمل أن يقفز العسكر من جديد على السلطة فى أية لحظة إذا حاول الرئيس المنتخب المساس بمكاسبهم فى إطار مكافحته الفساد أو إزاحة القيادات التى عجزت عن مواجهة حركة بوكو حرام الإرهابية وجرائمها البشعة.

هى المرة الأولى التى يفوز فيها مرشح المعارضة منذ عودة الحكم المدنى عام 1999 وينهزم مرشح الحكومة وهو فى السلطة بفضل نظام التصويت البيومترى الجديد الذى لم يتح للمزوّرين فرصةً للتلاعب بالنتائج ودس الأصوات بالجملة فى الصناديق وتصويت الناخب أكثر من مرة.كما يرجع الى رغبة النيجيريين فى التغيير عسى أن تتحسن أحوال معيشتهم والظروف الأمنية من حولهم بعد فشل حزب الشعب الحاكم فى تحقيقه أو فى الحد من الفساد الذى استشرى كالوباء خلال بقائه فى السلطة طوال خمسة عشر عاماً.ويُحسب للرئيس جوناثان أنه وفيّ بوعده اِجراء انتخابات حرة ونزيهة قائلاً إن وحدة واستقرار نيجيريا أهم من طموحات المرء التى لا تساوى إراقة دم نيجيرى واحد، كما سارع بتهنئة بخارى حتى قبل اكتمال فرز الأصوات ولم يشكك فى النتائج بل طالب أنصاره الغاضبين بالهدوء والاِبتعاد عن العنف لتفادى تكرار ما حدث عقب انتخابات 2011 حيث لقى 800 شخص مصرعهم احتجاجاً على خسارة المرشح المعارض أمامه.

أسباب عديدة أدت اِلى هزيمة الرئيس حتى فى ولايات مثل لاجوس تُعدّ من معاقله الانتخابية فى الجنوب ذى الأغلبية المسيحية وفوز بخارى بمعظم أصواتها لتضاف إلى أغلبية أصوات الولايات الشمالية ذات الأغلبية المسلمة مثل كانو، من بينها فشله فى مواجهة تمرد بوكو حرام التى سيطرت على مدن وقرى عديدة فى الشمال الشرقى وارتكبت جرائم قتل واختطاف وإحراق وحشية ونفذت تفجيرات دموية راح ضحيتها المئات فى مدن كبرى من بينها العاصمة أبوجا على مدى ست سنوات ولم ينحسر نفوذها إلاّ فى الشهرين الأخيرين بفضل تدخل دول مجاورة مثل تشاد والكاميرون والنيجر عسكرياً فى حملة مشتركة للقضاء عليها. سبب آخر هو تدهور مستوى معيشة أكثر من نصف الشعب (170 مليوناً)، حيث يعيش الفرد على دولار ونصف الدولار فقط فى اليوم داخل أكبر دولة منتجة للبترول فى إفريقيا، بينما زاد عدد الفاسدين وحجم ثرواتهم الحرام يوماً بعد يوم دون تحرك جدّى من الحكومة ضدهم. يضاف إلى ذلك توحد أحزاب المعارضة هذه المرة وراء مرشح واحد فلم تتفتت الأصوات لصالح مرشح الحكومة كما حدث فى الماضى والعمل لأول مرة بنظام التصويت الإلكترونى لمنع التزوير رغم فشله فى دوائر قليلة ورفض رئيس اللجنة الانتخابية أتاهيرو جيجا الخضوع لابتزاز وتهديد شخصيات فى حزب الشعب الحاكم فوصفه البعض بأنه بطل.

أسباب هزيمة جوناثان هى نفسها تقريباً التحديات التى تواجه بخارى المعروف بحزمه وطهارة يده وخبرته كقائد وحاكم عسكرى سابق. فقد وعد بإنهاء تمرد بوكو حرام فى غضون شهور لكن يبدو أنها ليست مهمة سهلة، بل تحتاج الى تكتيك عسكرى مختلف وتكثيف التعاون العسكرى مع دول الجوار وتحديث أسلحة ومعدات الجيش وتدريب أفراده على حرب العصابات وتغيير أسلوب معاملتهم وأفراد الأمن للمواطنين والمشتبه بهم فى مناطق القتال والإسراع بإيجاد فرص عمل للعاطلين منهم حتى لا ينتقموا من الحكومة بالانضمام إلى الحركة أو إيواء عناصرها. فعدم احترام حقوق الإنسان كان سبباً فى رفض الاِدارة الأمريكية تقديم أسلحة حديثة للجيش.أما مكافحة الفساد وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء كما وعد فيحتاج إلى نفس طويل وحكمة فى التنفيذ لتفادى استفزاز قادة الجيش والأمن الفاسدين حتى لا ينقلبوا عليه ويجهضوا أول تجربة ديمقراطية حقيقية. فالفاسدون يملكون السلاح والمال اللذين يستطيعون بهما فعل أى شيء. أما عن وعده توفير ثلاثة ملايين فرصة عمل لنزع فتيل قنبلة البطالة فيبدو أنه لن يتمكن من إنجازه إلاّ إذا استطاع إنهاء تمرد بوكو حرام وإعادة الأمن والاستقرار اللازمين لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية والاستثمار المحلى بالتوازى مع الحد من الفساد ودعم قطاع الزراعة الذى يعمل به غالبية السكان وتقديم قروض ميسرة لأصحاب المشروعات الصغيرة وتحسين حالة الطرق والسكك الحديدية وهى مهام صعبة فى ضوء عجز الميزانية العامة، لكن يمكن طلب المساعدة الخارجية التى سيكون الحصول عليها أسهل إذا أثبت جديّة فى مكافحة الفساد واحترام حقوق الإنسان. أما التحدى الخطير الآخر فهو تهديد متمردى ادلتا النيجر، معقل اِنتاج البترول، بالعودة الى حمل السلاح اِذا فاز وبإِلغاء اتفاق السلام الذى أبرمه معهم جوناثان مما سيشتت جهوده لإنهاء تمرد بوكو حرام ويستنزف الاقتصاد ويخفض اِنتاج وعائدات البترول عماد الميزانية.

تُرى هل ينجح بخارى فعلاً فى تحقيق وعوده لنقول:«جودلاك نيجيريا» أم تتقاذفه أمواج عدم الاستقرار حتى نهاية مدته إن لم يجرفه السيل بسرعة؟.

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟