المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ جلال أمين
د‏.‏ جلال أمين

المساواة‭.. ‬تاريخ‭ ‬محزن‭ ‬لهدف‭ ‬عظيم

الإثنين 06/أبريل/2015 - 11:13 ص

هذا الكتاب الذى ظهر فى فرنسا فى العام الماضى والذى شغل الناس ولايزال يشغلهم، اسمه «رأس المال فى القرن الحادى والعشرين»

 ولكن موضوعه فى الحقيقة ليس رأس المال، بل المساواة واللا مساواة ـ وانشغال الناس به لهذه الدرجة، فى بلاد كثيرة، يدل على مدى اهتمام الناس بهذا الهدف. المساواة بين البشر وهو الهدف الذى استمر طوال القرون الثلاثة الاخيرة، ومازالت تؤلف فيه الكتب، وتقوم من أجله الثورات على الرغم من أن التاريخ الذى مرت به الدعوة إلى المساواة، على أرض الواقع، لا يدعو بالمرة إلى التفاؤل.

إن تأمل ما تعرضت له هذه الدعوة عبر التاريخ، من فشل بعد فشل، وخيبة أمل بعد أخرى، جدير بأن يجعلنا نتوقف قليلا لنسأل عن السبب أولا، ومن ثم نسأل عما إذا كنا محقين (مادام الأمر كذلك) فى تعليق كل هذه الآمال على تحقيق هذه الدعوة فى الواقع. إن هذا الفشل فى تحقيق المساواة (بل حتى فى الاقتراب منها) ليس مقصورا على دولة دون أخرى، بل نشاهده فى العالم ككل. وهو فشل لا يقتصر على المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين شرائح المجتمع، فى داخل الدولة الواحدة، بل يظهر أيضا فى المقارنة بين الدول بعضها ببعض، وبين المنتمين لأجناس مختلفة، ولأديان مختلفة، وكذلك بين الرجل والمرأة.

لقد قدم توماس بيكيتى (T. PIKETTY) مؤلف هذا الكتاب، قدرا وافرا من الاحصاءات التى تدل على أنه طوال مدة تزيد على قرنين، وفى عدد من الدول يزيد على العشرين، إذ ليس من السهل العثور على إحصاءات موثوق بها لعدد أكبر من الدول أو لفترة زمنية أطول)، كانت المجتمعات تبعد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف المساواة، باستثناء فترة قصيرة لا تزيد على أربعين عاما (هى جزء من ثلاثينيات القرن العشرين وربع القرن التالى للحرب العالمية الثانية) وهى فترة حدثت فيها أحداث استثنائية يصعب تكرارها ( الأزمة العالمية، ثم الحرب العالمية، ثم تدخل الدولة لإعادة توزيع الدخل مما عرف بدولة الرفاهية) ومن ثم فلا يجوز أن نتوقع تكرارها فى المستقبل المنظور، أو حتى غير المنظور، مالم توجد ظروف استثنائية جديدة، تدفعنا إلى بذل جهد غير عادى لوقف هذا الاتجاه نحو المزيد من اللا مساواة.

لابد أن يستولى علينا العجب من أن يكون هذا مصير فكرة تتفق إلى هذا الحد مع الفطرة السليمة، ودعت اليها كل الأديان الكبرى، وكانت محوردعوات كثيرين من كبار المصلحين على مر العصور، ومنهم فلاسفة التنوير فى العصر الحديث، ودعاة الاشتراكية، وقامت من أجلها ثورة بعد أخرى، فى بلاد مختلفة من العالم، بما فى ذلك ثورة مصر الأخيرة فى 2011 فى كل مرة ترتفع فيها الآمال، ويسود الاعتقاد بأننا على وشك تحقيق هدف المساواة، يحدث ما يخيب هذه الآمال.

فالثورة الفرنسية قرب نهاية القرن الثامن عشر، التى جعلت المساواة واحدا من أهدافها الثلاثة الكبرى، سرعان ما مارس قادتها الإرهاب باسم الثورة، فأطاح هذا بالهدف وبالأمل فى تحقيقه، ومهد الطريق لعهد جديد وطويل من التمييز الطبقى. والثورة الروسية، فى مطلع القرن العشرين، التى قامت باسم هذا الهدف دون غيره، سرعان أيضا ما جلبت عهدا من الارهاب أوجد طبقة عليا حديثة تمارس القهر باسم المساواة.

وفى أعقاب الحرب العالمية الأولى رفع الرئيس الأمريكى ودرو ويلسون شعار «حق تقرير المصير» الذى استقبلته شعوب البلاد المستعمرة بالترحيب، ورفع آمالها فى قرب تحقيق الاستقلال، ولكن الاستعمار استمر بعد ذلك لمدة تزيد على ثلاثين عاما، ولم يعقبه استقلال حقيقى أو حصول الدول الفقيرة على حق تقرير المصير، بل حل محله استعمار جديد قد يكون ألطف مظهرا ولكنه ليس أقل قهرا.

كنا نظن أن الحروب الدينية والاقتتال بين أصحاب المذاهب الدينية المختلفة أشياء تنتسب إلى عصور قديمة سميناها العصور المظلمة ولكن ها نحن اليوم لانزال نرى اقتتالا بين أصحاب الديانات والمذاهب المختلفة، يدعى بعضهم أنهم يريدون استعادة مجد أحد الأديان ولكنهم يجدون من اللازم لتحقيق ذلك ذبح بعض المنتمين لأديان أخرى.

ها نحن نرى أيضا، بعد مرور قرن ونصف على تحرير العبيد فى الولايات المتحدة أمثلة تتكرر عبر فترات قصيرة حيث نرى معاملة من رجال الشرطة البيض، لأمريكيين من السود، تنطوى على شعور دفين بالتفرقة العنصرية وها قد مر أكثر من قرن على حصول المرأة فى بعض البلاد على حق الترشح والانتخاب للبرلمان، على قدم المساواة مع الرجل، ونحو نصف قرن على اشتداد الحركة النسوية التى تطالب بالمزيد من هذه المساواة، ولكننا لا نزال نسمع كل يوم عن أحداث جديدة تتعرض فيها المرأة للتحرش الجنسى، فى البلاد المتقدمة والأقل تقدما على السواء، بينما يزيد استخدام المرأة والجنس كأداة من أدوات الحملات التجارية لترويج السلع.

إذا كان الأمر كذلك لا يصبح أمامنا إلا التسليم بأن عقبات كأداء تقف بيننا وبين تحقيق المساواة المنشودة، وبأن هذه العقبات لا تتعلق فقط بنوع النظام السياسى أو الاجتماعى السائد، بل تتعلق أيضا على الأرجح بشىء يقع فى صميم الطبيعة الإنسانية ومن ثم يصعب استئصاله.

هل هذه العقبة الكأداء هى الشره الإنسانى إلى جمع المزيد من الثروة، والمزيد من القوة إشباعا لرغبة السيطرة على الغير؟ فالشره إلى المال يدفعك دفعا إلى حرمان الآخرين منه، وإشباع الرغبة فى السيطرة لا يتحقق إلا بين غير المتساوين.

 

والناس يبدأون حياتهم غير متساوين، فى الذكاء أو فى التاريخ العائلى، أو فى ميراثهم من الأجداد، أو فى القوة الجسمانية ..الخ.  قد يدفعهم الشره إلى المزيد من المال والسيطرة إلى بذل الجهد للحول دون محاولة الآخرين للحاق بهم، بل وقد لا يتورعون عن استخدام قوة الدولة لصالحهم، من أجهزة الشرطة والجيش والبيروقراطية الحكومية.. الخ، ولابد أن يؤدى ذلك إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن المساواة. بهذا يمكن تفسير فشل الثورات التى تقوم من أجل تحقيق المساواة فى داخل المجتمع الواحد، وفشل الدول الفقيرة فى التحرر من سيطرة الدول الأقوى منها، وفشل الجميع فى القضاء على التمييز العنصرى أو الدينى أو التمييز ضد المرأة.

لقد عبر مختلف الكتاب عن هذه الحقيقة (أى الشره إلى المزيد من المال والقوة) بطرق مختلفة. ففى منتصف القرن العشرين عبر جورج أدرويل مثلا، عن استغرابه أن يرى الإنسان بعد أن نجح فى تطوير قوته الانتاجية إلى الحد الذى يجعلها كافية لاشباع الحاجات الضرورية للناس جميعا، منصرفا عن تحقيق ذلك، بل يتفنن بدلا من ذلك فى ابتداع وسائل جديدة لضمان استمرار القهر.

وقبل ذلك بقرن من الزمان، عبر المفكر الإنجليزى جون استيوارت ميل عن رأيه فى المساواة بقوله إنه لو خير بين الاشتراكية والرأسمالية لاختار الاشتراكية، ولكن تطبيقها يتطلب أن تتغير الطبيعة الإنسانية أولا. وفى الوقت نفسه، سخر كارل ماركس بشدة من أولئك المفكرين الاشتراكيين الذين كانوا يتصورون أن من الممكن إقناع الرأسماليين بأن يتنازلوا طوعا عن امتيازاتهم للفقراء، وقال إنه لابديل لتحقيق ذلك عن استخدام القوة، أى الثورة. ولكن ها نحن نرى أن الطبيعة الإنسانية قد أثبتت أنها أقوى من الثورة، وأن الزعماء الماركسيين، متى تسلموا الحكم، ليسوا بالضرورة أقل شرها من غيرهم للمال أو السلطة أو للاثنين معا. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟