المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

توجه حذر: الموقف الجزائري من تطورات الأحداث في تونس

الأربعاء 08/أبريل/2015 - 10:40 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم منشاوي*
من الثابت تاريخًا أن العلاقات الجزائرية التونسية، علاقات وطيدة حيث تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشترك في أعقاب استقلال الدولتين من الاستعمار وحتى الآن. وتتسم تلك العلاقات بحالة من الاستقرار بحكم التقارب الجغرافي والتداخل الثقافي والتاريخي ووحدة المصير المشترك، ولكن هذا لم يمنع من وجود فترات من المد والجذب بين الدولتين الشقيقتين.
    ومن الواضح أن تلك العلاقات قد تأثرت بعض الشيء نتيجة لاندلاع ثورة الياسمين في تونس في 17 ديسمبر 2010، والتي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق بن علي، وجعلت الإسلاميين يعتلون سدة الحكم في زيتونة المتوسط، ولا شك أن مثل هذا التراجع في العلاقات، إنما يعزى إلى الخبرة الجزائرية السابقة التي عاني منها بلد المليون شهيد عام 1992، وكذلك الخوف من تمدد النموذج الثوري التونسي في البلاد والإطاحة بحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

أولًا: الموقف الجزائري من الثورة التونسية
إن الموقف الجزائري من الثورة التونسية كان غير واضح المعالم، وقد كان ذلك من المفارقات الأولى، حيث لم تتخذ الدولة الجزائرية أية ردة فعل توحي برفض أو  تأييد ما يحدث في تونس، واكتفت بالتأكيد على أن ما يحدث في تونس شأن داخلي يجب احترامه من منطلق مفهوم السيادة، ويمكننا القول إن هذا الموقف يكمن وراءه عدد من الأسباب يأتي في مقدمتها الآتي:
نجحت الجزائر في احتواء المظاهرات، وساعدها في ذلك عدم وجود رؤية حقيقية تُجمع عليها القوى السياسية، وكذلك بسب استخدام عوائد البترول في شراء السلم الاجتماعي
1. الخوف من تصدير نموذج الثورة
وقد كان ذلك أحد الأمور الذي يؤرق الدولة الجزائرية، خاصة في ظل التقارب الجغرافي بين الدولتين، وكذلك نتيجة لتشجيع الثورة في تونس العديد من شعوب المنطقة، وعلى رأسها مصر وليبيا واليمن في النزول للميادين والشوارع للمطالبة برحيل النظم الحاكمة، وما ارتبط بذلك من حالات الفراغ الأمني التي عانت منها تلك الدول. وفي هذا الإطار تنبغي الإشارة إلى أنه بعد اندلاع ثورة الياسمين بأيام معدودة، حدث عدد من الاحتجاجات في مدينة وهران الجزائرية في الأحياء الشعبية الفقيرة في 5 يناير 2011، مما أكد من تلك المخاوف لدى الحكومة الجزائرية بل وعمق منها، بسبب نزول العديد من الفئات إلى الشوارع وفي مقدمتها الشباب مدفوعين بوسائل التواصل الاجتماعي، والدخول في مواجهات مع القوات الأمنية، ولكن نجحت البلاد في احتواء تلك العواصف، وساعدها في ذلك ما كانت تعاني منه تلك الحركات الاحتجاجية من التشرذم الواضح والتشتت وعدم وجود رؤية حقيقية وواضحة تُجمع عليها القوى السياسية المختلفة، وكذلك بسب استخدام عوائد البترول في شراء السلم الاجتماعي.
    وهذا التخوف من تصدير الثورة إنما يرجع إلى المدة الطويلة التي قضاها بوتفليقة في السلطة، ووجود معارضة قوية للسياسات التي يتبعها في البلاد، ومما يعزز من هذا الطرح قيام السلطات الجزائرية في أغسطس 2011، بطرد المغنّي التونسي الشاب بيرم الكيلاني الملقب "ببنديرمان" من أراضيها مع منع دخوله لها مرة ثانية بتهمة تصدير الثورة وتحريض الشباب الجزائري على التمرد على النظام.
2. الفراغ الأمني في تونس وتأثيره على الحالة الأمنية في الجزائر
فقد كان هناك تخوف واضح في البداية من أن تقود الثورة التونسية إلى حالة من الفراغ الأمني، قد تؤثر بالسلب على الأوضاع الأمنية في الجزائر، وكان لهذا التخوف مبرراته الواضحة، والتي كان من بينها؛ وجود بيئة حاضنة للجماعات المتشددة في تونس نظرًا لانتشار الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن وجود نواة لهذه الجماعات المتشددة كان من بينها جماعة أنصار  الشريعة، التي تبنت مقتل عدد من المعارضيين التونسيين بعد اندلاع الثورة، وبالفعل عانت تونس الثورة، كما عانت مصر أيضًا من حالة أمنية عثرة أثرت على جارتها الجزائر، حيث شهدت الحدود فيما بين البلدين عمليات تهريب واسعة، تشمل تجارة المخدرات والسلاح، مما دفع الحكومة الجزائرية إلى تكثيف وجودها الأمني على حدودها مع تونس، وذلك بعد تمركز جماعة تابعة لتنظيم القاعدة في جبال شعانيي قرب الحدود الجزائرية.
3. الخوف من تكرار سيناريو 1992
وقد كان ذلك السبب هو الأكثر تأريقًا للدولة الجزائرية خاصة في ظل التجربة المريرة التي عانت منها الدولة عام 1992، والتي أعقبت فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية بالانتخابات التشريعية التي جرت في البلاد في ديسمبر 1991، وقيام الجيش بإلغاء نتائج تلك الانتخابات خشية من وصول الإسلاميين للسلطة، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية خلفت وراءها ما يقارب الـــ 200 ألف قتيل، وما زالت تلك التجربة التي عصفت بالجماعات الإسلامية في الجزائر حاضرة في ذاكرة الإسلاميين.
بعد وصول الإسلاميين للحكم في تونس، سعى بوتفليقة إلى التدخل في كل الملفات الإقليمية، وكذلك تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية المختلفة في تونس بعد الثورة
    ومن هنا بدا بلد المليون ونصف المليون شهيد أكثر تحفظًا على ما يحدث في الدولة التونسية خشية من وصول إسلامي تونس إلى السلطة وبالتالي التأثير على الاستقرار السياسي للبلاد، خاصة في ظل الترابط الواضح بين الجماعات الإسلامية في المنطقة، مما قد ينشط وينشع لدى إسلامي الجزائر حلم الوصول للسلطة، الذي ضاع منهم نتيجة لمعارضة الجيش تقلدهم أمور البلاد، مرة أخرى مدفوعين بالتغيرات الإقليمية التي حدثت بصعود حركات الإسلام السياسي في تونس وسيطرتهم على المعادلة السياسية في البلاد.

ثانيًا: الجزائر ووصول الإسلاميين إلى السلطة "حزب النهضة التونسي"
تخوفت الجزائر في البداية من وصول الإسلاميين إلى السلطة وذلك نظرًا للاعتبارات السابقة، ولكنه نتيجة للتحديات الإقليمية التي كانت تواجه الدولتين وخاصة في ظل حالة الفراغ الأمني الشديدة في الدولة الليبية، قامت الجزائر بالتنسيق المشترك مع حكومة الترويكا التونسية والتي كانت تضم حزب النهضة، واستمر ذلك حتى وصول حزب نداء تونس للسلطة وتراجع الإسلاميين، وذلك على الرغم من وجود بعض التجاذبات بين الدولتين في أعقاب اغتيال شكري بليعيد ومحمد البراهمي، نتيجة لاتهام بعض القوى السياسية التونسية للجزائر بالضلوع في تدهور الوضع الأمني في تونس، وهذا التنسيق كان له عدد من الأسباب منها:
1. حاجة الجزائر لأن تلعب دورًا إقليميًا في المنطقة
خاصة في ظل تراجع الدور المصري عقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، فكان هدف الدولة في الجزائر السعي لاحتواء الموقف في تونس لإرضاء إسلامييها من ناحية، ولحاجتها لدور قيادي في المنطقة يعوض المواطن الجزائري إخفاقات السلطة المتتالية في تحقيق الإصلاح المنشود، لذلك سعى بوتفليقة إلى التدخل في كل الملفات الإقليمية في المنطقة بدءًا بالأزمة الليبية وتطورات الأوضاع في مالي، وكذلك السعي لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية المختلفة في تونس بعد الثورة، فلقد استقبل الرئيس بوتفليقة الشيخ راشد الغنوشي في نوفمبر 2011، وقد سبقه قبلها رئيس الوزراء التونس قايد السبسي في مارس.
وقد تبادل السبسي والغنوشي الزيارات للجزائر، كان الهدف منها هو  قيام الجزائر بدور الوساطة بين الفرقاء السياسيين في تونس، وهو ما دفع السفير الجزائري في تونس وقتها، عبد القادر حجاب، إلى عقد جملة من اللقاءات مع رؤساء أحزاب سياسية تونسية من أجل تفعيل الحوار وكذلك تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطياف السياسية هناك. كل ذلك كان من أجل إعادة تفعيل الدور الإقليمي الجزائري، ولكن هذا التوجه كان يواجهه عدد من التحديات على رأسها الشيخوخة التي تعاني منها النخبة الحاكمة الجزائرية، وكذلك ضعف التماسك الداخلي في الجزائر نتيجة لتحين الإسلاميين الفرصة للمطالبة بإصلاحات حقيقية في البلاد.
2. الحاجة إلى التنسيق المشترك من أجل مواجهة التحديات الإقليمية وخاصة في ظل التردي الأمني الواضح في الحالة الليبية
وقد ظهرت بوادر هذا التنسيق عقب قيام الثورة التونسية مباشرة نتيجة لحالة عدم الاستقرار السياسي في تونس ووقوع بعض عمليات العنف هناك، وقد ازداد هذا التنسيق لاحقًا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود الجزائرية التونسية، والتي تبلغ نحو ألف كيلو متر، من أجل الاستفادة من الخبرة العسكرية التكتيكية للجيش الجزائري في مجال مكافحة الإرهاب لأكثر من 14 سنة، وقد حدثت العديد من التفاهمات الأمنية بين البلدين، ولكنها لم تؤطر في اتفاق قانوني بينهما، منذ يوليو 2013، بعد العمليات الإرهابية التي نفذتها مجموعات مسلحة تتحصن في منطقة الشعانبي على الحدود بين تونس والجزائر  ونصت هذه التفاهمات على آليات التنسيق الأمني والعسكري والاستخباراتي، وتم تطويرها لمنح صلاحية اتخاذ القرار العسكري الميداني للقيادات الميدانية، دون العودة إلى القيادات المركزية، حال تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف ملاحقة الإرهابيين.
    وقد تعزز التعاون فيما بين البلدين عقب تفاقم شوكة الإرهاب في ليبيا، ومشاركة الدولتين في اجتماع دول جوار ليبيا على مستوى وزراء الخارجية، وتجلى هذا التنسيق في مناسبتين، الأولى هي اجتماع دول جوار ليبيا في الحمامات بتونس يومي 14 و15 يوليو بدعوة من الجزائر، والثانية هي اللقاء الخاطف بين رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة ورئيس الحكومة الجزائرية عبد الملك سلال يوم 22 يوليو 2014 في منطقة حدودية للتنسيق الأمني والعسكري. كما تتحدث الأنباء الرسمية عن أن التنسيق الأمني والعسكري بين تونس والجزائر مفتوح في مستوى تبادل المعلومات والتحذيرات والتقارير. وقد وصل هذا التعاون ذروته في الآونة الأخيرة وذلك بتوقيع الطرفين لاتفاقيات التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب الذي يهددهما، إضافة إلى القضاء على التهريب في الشريط الحدودي الفاصل بينهما.

جاءت الزيارة الخارجية الأولى للرئيس السبسي إلى الجزائر من أجل بحث عدد من الملفات كان في مقدمتها الملف الأمني ودعم التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدولتين
3. العمل على تقوية الجبهة الداخلية والاستمرار في السلطة من خلال إرضاء الإسلاميين وذلك بفتح قنوات الحوار والتعاون مع القوى الإسلامية بتونس
فمن المعلوم أن راشد الغنوشي قد زار الجزائر العديد من المرات بعد ثورة الياسمين، التقى خلالها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو لا يحمل أية صفة رسمية لتمثيل تونس، وذهب بعض المراقبين إلى القول إن السلطات المركزية الجزائرية تفضل التعامل مع الغنوشي أكثر من الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، وهو ما عكسه تصريح الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية عدنان منصر، ولعل السبب يرجع في ذلك من وجهة نظر الكثيرين إلى حالة العزلة السياسية التي يعيشها بوتفليقة مما جعله يبحث عن ملاذات جديدة للاستمرار في الحكم حتى ولو كان ذلك ببلورة اتفاق معلن أو غير معلن مع إخوان الجزائر المتورطين في أعمال إرهابية سنة 1990، خاصة وأن الأحزاب الليبرالية والتقدمية ترفض رفضًا قطعيًا مد يدها للنظام والتعامل معه، فهم يعتبرون المرحلة الحالية مرحلة انتقالية ستؤدي إلى فرض إرادة الشعب وإسقاط الديكتاتورية.
     ومن هنا بات فتح قنوات الحوار والتعاون مع إخوان تونس "حركة النهضة" هو المخرج من وجهة نظر النظام الجزائري، فقامت الجزائر بالتنسيق والتعامل معهم ودعمهم اقتصاديًا وأمنيًا، وهو ما أشار إليه الوزير الأول الجزائري، عبد الملك سلال، من أن بلاده عازمة على مواصلة دعم تونس على الصعيد الاقتصادي والأمني والسياسي وفي مكافحة الإرهاب. وهذا الدعم كانت غايته إرضاء الجماعات الإسلامية الداخلية، خاصة في ظل حاجة بوتفليقة إلى دعمهم في الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد في إبريل 2014، وفاز بها بنسبة 81.53 % لولاية رابعة تنتخي في عام 2019.

ثالثًا: الجزائر وتطورات الأوضاع التونسية "وصول نداء تونس للحكم"
مثلما هو الحال، لم تعلن الجزائر عن موقفها إزاء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في البلاد في عام 2014، والتي فاز بها حزب نداء تونس، واستطاع مرشحه في الانتخابات الرئاسية، الباجي قايد السبسي، الفوز بالمنصب، ولكن يمكن القول في هذا الإطار؛ أن التعاون بين البلدين استمر بل وزادت وتيرته بحكم تعقد الأوضاع الاقليمية وتفشي الإرهاب في المنطقة العربية، إلى جانب الأخطار التي يمثلها تنظيم داعش الإرهابي لبنية الدولة القومية العربية، ومن هنا جاءت الزيارة الخارجية الأولى للرئيس التونسي الجديد، السبسي، إلى الجزائر من أجل بحث عدد من الملفات كان في مقدمتها الملف الأمني ودعم التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدولتين، حيث تم تشكيل لجنة خبراء عسكرية وأمنية بعد الزيارة من أجل بحث موضوع توقيع اتفاقية أمنية وعسكرية طويلة الأمد بين البلدين، ويشمل الاتفاق الأمني والعسكري المزمع عقده بين الجزائر وتونس أربعة مستويات للتعاون العسكري والأمني. الأول التعاون العملياتي، وهو أن تنشأ غرفة عمليات عسكرية مشتركة واختصاصاتها الإقليمية، ومدى قدرتها على اتخاذ القرار السريع ومستوى قياداتها وإمكانية الترخيص باجتياز المجال الجوي في البلدين في حالات التعامل مع الجماعات الإرهابية. والثاني التعاون العسكري العام في مجال التدريب والتموين والإمداد، أما الثالث فهو أمني ويشمل تبادل المعلومات وإمكانية استجواب أحد الطرفين للمشتبه فيهم بتهم الإرهاب في أي من البلدين، والرابع فهو اختصاصات اللجان العسكرية والأمنية المشتركة.
ولم يغب الجانب الاقتصادي أيضًا عن الزيارة، حيث تم التشاور على ضرورة تفعيل اتفاقية التعاون الاقتصادي التي وقعها رئيسا الحكومتين التونسية والجزائرية منذ أشهر، وهي اتفاقية تقضي بفتح أبواب الاستثمار في أسواق البلدين أمام المستثمرين التونسيين والجزائريين. ولكن أضحى السؤال هنا يطرح نفسه وبقوة عن "هل أثر تراجع الإسلاميين في المعادلة التونسية إلى فتح مجالات التعاون على مصراعيها بين الحكومة الجزائرية والتونسية؟". فقد كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية والتي جرت في 26 أكتوبر 2014، عن تراجع الإسلام السياسي بقيادة حزب النهضة، حيث تصدر تلك الانتخابات حزب نداء تونس والذي يوصف بالحزب العلماني، فقد فاز بــ 85 مقعدًا، في مقابل 69 مقعدًا لحزب النهضة، من إجمالي 217 مقعدًا، كذلك فاز السبسي بالانتخابات الرئاسية، وقد كان من الواضح أن لدى الدولة الجزائرية تخوف واضح من صعود الإسلاميين للسلطة في دول المغرب العربي خاصة كما سبق وقلنا إن لديهم تجربة عنيفة مع جبهة الإنقاذ الإسلامية، ولا شك لدي أن تراجع الإسلاميين في تونس، خفف كثيرًا من مخاوف الدولة الجزائرية، لاسيما مع انتخاب بوتفليقة لمدة رابعة يقود فيها البلاد، وهو في حالة صحية لا تسمح له بذلك، وبالتالي فإن تراجع الإسلام السياسي في تونس سوف يهدأ بعض الشيء من سعي إسلامي الجزائر للسلطة، والرضاء بالأمر الواقع، خاصة أن الحكومة الجزائرية ما زالت تفتح أبوابها لكل الأطراف التونسية، فقد زار الغنوشي الجزائر بعد زيارة السبسي الأخيرة، وهذا يدل على استمرار قيام الجزائر بدور الوسيط بين الأطراف السياسية المختلفة في تونس. ومن هنا يمكن وضع تصورين لسمتقبل العلاقات الجزائرية التونسية على النحو التالي:
1. السيناريو الأول: استمرار العلاقة على نهجها الحالي؛ بما يعني بقاء العلاقات على حالها أي تراوحها بين علاقات الشد والجذب، بسبب ما تعانيه تونس من عدم استقرار الأوضاع الأمنية فيها، وخير دليل على ذلك توتر تلك العلاقات على خلفية اغتيال تسعة جنود على الحدود التونسية الجزائرية، بأيدي مسلحين في جبل الشعانبي بولاية القصرين في أغسطس 2013، حيث أشارت بعض وسائل الإعلام التونسية إلى أن الجزائر تتحمل مسئولية العنف الذي تتعرض له تونس، وهو ما استدعى ردًا جزائريًا بالنفي وطلب تحري الدقة، خاصة أن مثل تلك الأنباء قد تصل بالعلاقات الإستراتيجية بين البلدين إلى مراحل حرجة من منطلق خطورة الاتهامات التي تروجها بعض وسائل الإعلام التونسية. ولكن عبرت الدولتان تلك المرحلة من التوتر إلى العمل سويًا نتيجة للأخطار الإقليمية الكبيرة التي تتهددهما، وخاصة التشظي الأمني وانتشار الميلشيات الإرهابية في الأراضي الليبية، ومن المعلوم أن الدولتين بصدد توقيع اتفاقية تعاون عسكري وأمني لمواجهة التحديات الأمنية والإرهابية.
2.السيناريو الثاني: ازدهار تلك العلاقات؛ ويرتبط هذا السيناريو ببعد اقليمي أخر ألا وهو تفعيل الاتحاد المغاربي في الفترة القادمة، حيث تم التطرق إلى هذا الموضوع في اللقاء الأخير بين بوتفليقة والسبسي على خلفية زيارة الأخير للجزائر، ولكن تفعيل الاتحاد يرتبط بإزالة الخلافات العالقة بين الجزائر والمغرب على خلفية قضية الصحراء الغربية، وبالتالي إذا حُلت تلك المشكلة لأمكن تطوير العلاقات على مستوى الاتحاد وكذلك الثنائية أيضًا بين دول المغرب العربي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهذا مرهون بإرادة هذه الدول، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة النظر إلى تجربة عربية ناجحة أخرى، وهي تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربي.

•    مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟