المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الــــرؤى الملتبســة: الإعــلام والإرهـــــــــاب..

السبت 05/أبريل/2014 - 10:58 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
نبيل عبد الفتاح

يبدو أن مفردتى، واصطلاحى "الإعلام"-، وأجهزته المتعددة- و"الإرهاب"، من أكثر المفردات ترداداً- لعقود عديدة مضت، وسيستمران، لعقود أخرى مقبلة-، فى الخطابات السياسية، والإعلامية، والدينية-، وعلى ألسنة الجمهور فى مناطق عديدة من عالمنا، وبلا تمييز، وذلك لاعتبارات عديدة:

1- إن كلا الاصطلاحين- على عمومهما- يتصفان بالقدم، والاستمرارية، على اختلاف أدواتهما وتعبيراتهما، وما يعتريها من تطور، وتجديد فى الوظائف والوسائط والآليات والأهداف. إن الوظائف المتجددة للإعلام والإرهاب تجعلهما حاضرين معاً كمنظومات، وكإشكاليات فى علاقتهما بالحريات العامة والشخصية، والسياسية، والقانون، والنظام الدولى، والأنظمة الإقليمية التابعة، والأيديولوجيات، والأديان، والأعمال الاستخباراتية والأمنية.. الخ.

2- إن التلازم الإشكالى بين الإعلام وأجهزته ووسائطه المتعددة، والإرهاب يشير إلى أن كليهما يحقق بعض أهدافه الوظيفية والاحترافية والسياسية بالتجاوز، وبعض التداخل على الهامش بين بعضهما بعضاً، على نحو ما أشار إليه والتر لاكير Walter Laqueur  وفى قوله "إن الإعلامى هو أفضل صديق للإرهابى "- ويذهب غيره إلى القول إن الإعلامى هو شريك الإرهابى. بل إن بعضهم الآخر ذهب إلى القول إن "العمل الإرهابى ليس شيئاً فى حد ذاته. التشهير هو كل شئ". (أنظر فى هذا الصدد، محمد السماك، الإرهاب، والعنف السياسى، ص 17، دار النفائس، بيروت 1992).

3- إن العنف بأنماطه المتعددة المادية، والرمزية، واللفظية والخطابية، هو جزء لا يتجزأ من الأنساق السياسية والدينية والإيديولوجية والاجتماعية والثقافية... الخ، فى المجتمعات الإنسانية، ومن ثم تنتج أشكالاً متعددة ومركبة من الاستبعادات والإقصاءات لفئات وشرائح اجتماعية وقومية ولغوية ودينية ومذهبية، وعرقية، ومناطقية عديدة. يترتب على الإقصاءات والاستبعادات السياسية والثقافية والدينية والسياسية تراكم الإحباطات، والإحساس بالظلم، والحقد والكراهية، والغضب لبعض العناصر المستبعدة. إن التراكمات النفسية والاجتماعية والسياسية المحبطة قد تولد فى إحدى مراحل تطورها دوافع عدوانية، ومن ثم إنتاج مركب من العنف الذى قد يتخذ وجوهاً احتجاجية أو تمردية أو إرهابية أو فوضوية بما يؤدى إلى المساس بأهداف بشرية أو رموز أيقونية للقوة السياسية، أو الدينية أو الاقتصادية لدولة ما، أو جماعة عرقية أو قومية أو لغوية، أو قادة سياسيين، أو كتاب وصحفيين، ومبدعين، أو أشخاص عاديين يتحولون إلى أهداف بشرية لأعمال العنف، والإرهاب لإشاعة الرعب والخوف المعمم.

4- إن الإعلام و"الإرهاب" يرمى كليهما – كجزء من وظائفه وأهدافه- إلى السعى، وراء الآخر.

الأجهزة الإعلامية – المقروءة والمسموعة والمرئية والنتية- تسارع إلى السبق الإعلامى، وراء الأخبار والحكايات والتحليلات ورصد الوقائع والتطورات للجماعات التى تمارس العنف الاجتماعى والسياسى والإرهابى، ومن ثم تسعى إلى متابعة حثيثة وراء المنظمات والوقائع السياسية العنيفة، والإرهابية أياً كانت، بهدف تغطية وقائع العنف والاغتيالات وفاءً لحق القارئ فى المعرفة.

المنظمات السياسية والفوضوية والدينية والمذهبية والقومية والعرقية و... الخ التى تمارس العنف والإرهاب، تسعى وراء الأجهزة الإعلامية، وذلك كى تصل رسالتها السياسية والنفسية وتحقق اهدافها التى تتمثل فى إشاعة الرعب والخوف، فضلاً عن المطالب، أو الرسائل السياسية للمنظمة السياسية والدينية التى تمارس العنف والإرهاب.

5- قيام بعض الأنظمة التسلطية بإنتاج تشريعات لمكافحة الإرهاب، كأداة لكبح وقمع حريات الرأى والتعبير، ولإعادة إنتاج السيطرة السياسية على المجال الإعلامى والمعلوماتى والمرئى والمكتوب والمسموع، والنتى.

إن القبض على المدونين ونشطاء مواقع التفاعل الاجتماعى على من الفضاء النتى التخييلى، يكشف عن حالة الرعب من دعم ثورة المعلومات والاتصالات، لحريات التعبير فى دول، ومجتمعات تهيمن عليها صفوات سياسية ديكتاتورية، وفاسدة.

وسوف نحاول هنا أن ندرس إشكالية العلاقة بين الإعلام والإرهاب والعنف ذى الوجوه والطقوس الدينية والطائفية والمذهبية فيما يلى:

 

أولاً": فى غموض وعمومية المفهوم والاصطلاح الإرهابى:

إن الظواهر والمنظمات التى تمارس العنف والإرهاب، لا تخضع لتقويمات موحدة، حيث تتباين وجهات النظر السياسية، حول طبيعتها وأنشطتها وأهدافها، سلباً وإيجاباً ذماً وقدحاً، وذلك من المواقع والتحيزات الإيديولوجية والدينية والقومية والعرقية.. الخ التى ينظر عبرها إلى ظواهر الاحتجاج والعنف والتمرد، أو الثورة، ومن ثم التباين فى إسباغ النعوت الإيجابية والتمجيدية، أو السلبية والقدحية على الأنماط المتعددة سالفة السرد.

ثمة غموض تنطوى عليه عشرات بل مئات التعريفات للمفهوم والاصطلاح الإرهابى، سواء على مستوى ضبط الاصطلاح ودلالته أو حدوده السائلة. ولا يقتصر الغموض والعمومية التى ينطوى عليها المفهوم من المنظور السياسى، وإنما على المستوى القانونى، وخضوعه للتأثيم الجنائى والعقابى. الغموض والعمومية سمت التعريفات التى تم تبنيها فى إطار القانون المقارن، والاتفاقيات الدولية عموماً. وثمة خلط بين مفهوم حركات التحرير الوطنية، ومفهوم الإرهاب. ومن ثم كانت أجهزة إعلام غربية تطلق وصف الإرهاب، والإرهابيين على منظمات تحرر وطنى، وعلى مناضلين يسعون إلى تحرير بلادهم من نبر الاحتلال الأجنبى.

إن انتشار وتائر العنف السياسى والدينى والاجتماعى والقومى والعرقى من قبل منظمات وجماعات دينية وقومية وعرقية.. الخ، أدى إلى سهولة إطلاق التوصيفات المعيارية والأخلاقية والقدحية على الأنماط المتعددة من المنظمات والمجموعات التى تمارس سلوكيات وأنشطة، وإنتاج أيديولوجى يتسم بالعنف المادى المروع، والرمزى واللفظى الحاد، ويحاول منظرو الجماعات الراديكالية إضفاء أوصاف إيجابية، وثورية، وتمجيدية، وتفاخرية على منظوماتها الأيديولوجية والبرنامجية، وعلى أهدافها التى توصف بالوطنية والإنسانية، والثورية، والعادلة والإسلامية الحقيقية.. الخ. ومن ناحية أخرى، يطلق عليها البعض الآخر أوصافاً سلبية عديدة.

وتنحو بعض الدول وبعض ضحايا العمليات العنيفة إلى استراتيجية للتسمية فى توصيفها للعنف المفرط من قبل خصومها السياسيين، حيث تعمد إلى وضع أنماط عديدة من العنف المادى واللفظى والرمزى والدينى التكفيرى تحت مظلة الإدانة السياسية والقانونية والأخلاقية، وهنا يمثل مفهوم الإرهاب مظلة توضع تحتها العديد من المنظمات والسلوكيات العنيفة التى يمارسها أفراد، ومجموعات ومنظمات سياسية ذات مطالب سياسية أو دينية أو مذهبية أو قومية أو عرقية أو فوضوية.. الخ.

إن الغموض الذى يكتنف الظواهر العنيفة المادية والرمزية.. الخ، يؤدى إلى الخلط فى إسناد بعض العمليات العنيفة إلى الإرهاب كمفهوم غامض، أو إلى إعمال جنائية محضة تفتقر إلى الأبعاد الأيديولوجية والسياسية والدينية.. الخ، ومن ثم يفتقر القائمون على هذه الأعمال إلى الأطر الفلسفية والسياسية وتسويغاتها لأعمالها العنيفة، ومن ثم تضفى على عملهم تبريراً ما فى هذا الإطار، وتعاطفاً مع مطالبهم او دعاويهم أياً كانت.

إن تجاور الإعلام والإرهاب وعمليات العنف وتداخلهما من الأمور التى باتت تشكل جزءاً من "الحالة الإرهابية" والعنيفة من منظور متابعتها والإخبار عن وقائعها وأطرافها وخطاباتها، وضحاياها

ثانياً: الإعلام والإرهاب: نظرة عامة:

العالم لم يعد قرية واحدة كما ذهب مارشال ماكلوهان فى ستينيات القرن الماضى، بل ولم يعد قرية عولمية فى نهاية عقد التسعينيات، بل تحول إلى غرفة كونية – كما سبق أن سميناه فى كتابات عديدة لنا- ثم إلى جهاز عولمى عند أطراف أصابع الفرد فى أى منطقة فى العالم. إن اختزال العالم إلى جهاز حاسوب متعددة الوسائط المعلوماتية والاتصالية، ثم إلى جهاز الـ I Bad أو البلاك بيرى وسواهم هو نتاج للثورة الأعلوماتية – أى ثورتى الإعلام والمعلومات معاً- والزواج الكاثوليكى التقنى بين الأعاصير- أى ثورتى الإعلام والمعلومات معاً- المعلوماتية والاتصالية التى أصبحت سمتاً هيكلياً لعصرنا وتفاعلاته. إن التطور الهيكلى فى النظام الدولى المعلوم ارتبط بالثورة الإعلامية، كما حدث لحظة انهيار الاتحاد السوفيتى، وسقوط حائط برلين، والتبشير بأيديولوجيا الأسواق، وانتشار قيم الليبرالية، ومنظومات حقوق الإنسان، ونقد التوتاليتارية والماركسية فيما أطلق عليه الثورة الديمقراطية الثالثة، ثم الثورات المخملية، والبرتقالية.. الخ، ثم الانتفاضات الثورية المجهضة فى العالم العربى. إن صعود سلطة الأعلوماتية وصيروراتها، لها تأثيراتها الكبرى على مجريات الحياة الكونية وأصبحت تمس تفاصيل الحياة اليومية داخل مجتمعات وثقافات عالمنا المعولم، ومن ثم تلعب الأعلوماتية دوراً محورياً فى تشكيل الوعى الفردى والجمعى، وفى إنتاج الصور عن الذات والآخرين، وصياغة الإدراك السياسى والاجتماعى لكثُر فى الأبنية الاجتماعية فى مجتمعات عالمنا المعولم.

إن أجهزة الحاسوب، والفضاء النتى، والجيل الثالث وما بعد من الهاتف المحمول- ذى الوسائط المتعددة- تجعل من الميسور تدفق المعلومات والرسائل والشفرات السرية عبر الرسائل، والمكالمات. نعيش ثورة هائلة فى الإدراك والوعى والتعبئة، ومن ثم أصبح الإعلام يعيد تشكيل وإنتاج العالم، ضمن تقنيات وسياسات وأفكار اخرى.. الخ.

إن تجاور الإعلام والإرهاب وعمليات العنف وتداخلهما من الأمور التى باتت تشكل جزءاً من "الحالة الإرهابية" والعنيفة من منظور متابعتها والإخبار عن وقائعها وأطرافها وخطاباتها، وضحاياها. إن الجماعات والأفراد الذين يمارسون الإرهاب أياً كانت أهدافه ورسائله، يرمون دوماً إلى الإخبار عن عملياتهم، وضحاياهم، ومن ثم طرح مطالبهم أو رؤاهم السياسية أو الدينية والمذهبية أمام الدول والرأى العام.. الخ.

إن عدم الإخبار عن الأعمال الإرهابية والعنيفة، يعنى أننا إزاء حالة إجرامية وجنائية عادية، حتى ولو كان بعضها ذو طابع عدمى فلسفياً، لأن الإعلام يمثل أحد أهم جوانب الأخبار عن الفعل العنيف والإرهابى.

ثمة أسئلة تطرحها العلاقة الإشكالية بين الإرهاب والأعمال العنيفة من ناحية، والإعلام من ناحية أخرى فى ظل تصاعد الدور المحورى والمؤثر للإعلام، وانتشار المنظمات والجماعات الإرهابية، لاسيما فى ظل اتهامات عديدة لبعض المنظمات السياسية الراديكالية الإسلامية بالعنف والإرهاب لاسيما فى أعقاب تدمير أيقونات القوة العولمية، للولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001 وما بعدها من عمليات إرهابية فى عالمنا، ومن ضمنه الانتفاضات الثورية فى منطقتنا العربية.

السؤال الأول: هل يساعد الإعلام على نشر الثقافة الإرهابية، ومن ثم إلى ازدياد ظواهر العنف والإرهاب؟  أم أن تركيز بعضهم – فى النظم السلطوية- على دور الإعلام، هو محاولة لفرض الرقابة السياسية والأمنية على حرياته المهنية والتعبيرية؟

السؤال الثانى: هل أدى الإعلام المصرى دوره فى التعامل الوظيفى- المهنى- مع ظواهر العنف والإرهاب فى مرحلة المواجهة بين النظام والجماعات الإسلامية الراديكالية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، والسنوات الماضية من الألفية الجديدة، ثم بعد الانتفاضات الثورية فى 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013؟

العلاقة بين الإعلام وظواهر العنف الجماهيرى والسياسى والجنائى المحض كانت موضوعاً لدراسات نظرية، وبحوث عديدة من المنظور السوسيو – إجرامى، والسوسيو- نفسى من قبل مدارس عديدة فى العلوم الاجتماعية.

والسؤال المستمر هل يؤدى النشر الإعلامى عن الجرائم، وتقنياتها إلى رفع معدلات العنف الإجرامى؟ ثبت فى بعض الأحيان ان نشر بعض أساليب التخطيط الإجرامى، ونوعية الأسلحة والمواد الكيماوية التى استخدمت فى بعض الجرائم، استلهمها البعض الآخر فى ارتكاب جرائم أخرى مع بعض الابتكارات أو التكييفات التقنية أو التكتيكية فى ارتكاب جرائم أخرى. ولم يقتصر الأمر على دور النشر الموسع، أو البث المرئى أو المسموع عن جرائم العنف كالقتل، والضرب، أو السرقة بإكراه.. الخ، فى نشر بعض أساليب ارتكاب الجرائم العنيفة فقط، وإنما ذهب بعض الباحثين إلى أن تقنيات ارتكاب الجرائم فى بعض المسلسلات التلفازية، والأفلام السينمائية أو المتلفزة، تؤثر على بعض الأخيلة الإجرامية، ومن ثم تؤدى إلى إنتاج سلوكيات إجرامية تحاول أن تستلهمها حرفياً، أو عبر إدخال تعديلات على ما تم مشاهدته فى تخييلات السينما، والدراما المتلفزة.

إن دراسة العلاقة بين الأجهزة الإعلامية، والمنظمات والأعمال العنيفة أو الإرهابية- فى إطار الأوصاف السياسية والجنائية الرسمية-، تشير إلى صعوبة إطلاق تعميمات حول مدى تأثير أيهما فى الآخر، وما هو الأكثر نجاعة فى هذا الصدد؟

لابد لنا من التمييز بين الأجهزة الإعلامية الليبرالية، أو الإعلام الحر، ومؤسساته العملاقة- التلفازية، والفضائية، والصحفية والإذاعية- من ناحية، وإعلام بعض الدول العربية ذات الطابع الشمولى سياسياً. من ناحية أخرى النظام الإعلامى الحر له مزاياه، وله آثاره السلبية فى بعض الأحيان الناتجة عن الالتزام بتقاليد المهنة الإعلامية والصحفية فى تقرير الأولوية فى نشر وبث الأخبار، والحفاظ على سرية مصادرها، ومن الأمثلة ذائعة الصيت، نشر عمليات التجسس التى قام بها الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون فيما عرف باسم فضيحة ووترجيت، وما هو صاحب الحنجرة العميقة الذى كان يدلى بالأخبار البالغة الأهمية حول ما كان يجرى فى المطبخ الانتخابى لخصوم ريتشارد نيكسون.

فى الإعلام الحر السائد فى الدول الغربية الأكثر تطوراً يختلف وضعه وعلاقاته عن الإعلام الشمولى أو إعلام النظم التسلطية التى تسيطر على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة كالمثال المصرى قبل وبعد 25 يناير 2011..

فى الإطار التسلطى، ثمة هيمنة على الإعلام الرسمى، من حيث تعيين قياداته على أسس ومعايير الولاء السياسى والشخصى- بل والفساد فى بعض الأحيان- أكثر من الولاء المهنى، ومعايير الجدارة، ومن ثم يمكن التحكم فى سلوكهم المهنى المتحيز والموالى لأشخاص داخل الصفوة الحاكمة، ولدى بعض رجال الأعمال فى أحيان أخرى، ومن ثم يمكن التحكم فى طبيعة الرسائل والخطابات الإعلامية إزاء المنظمات والظواهر السياسية.

وسنتناول إشكالية العلاقة بين الإعلام والمنظمات والظواهر العنيفة والإرهابية على مستويين: المستوى الأول: الإعلام الحر، والإرهاب: الحرية والترويع، المستوى الثانى: الإعلام الموجه فى النظم التسلطية: سلطة الإدانة والغموض.

1- الإعلام الحر والإرهاب: الحرية والترويع:

الإعلام الحر، هو إعلام الديمقراطيات الغربية التى تتخذ من الليبرالية وأنساقها السياسية والثقافية والإعلامية إطاراً حاكماً لحياتها. والمبدأ الرئيس فى نطاقها هو حرية الإعلام – حول الأخبار والتحقيقات والمقابلات والصور والمقالات.. الخ-، وسرية المصادر، ومن ثم حق القارئ والمشاهد والمستمع فى الأولوية القصوى على اعتبارات السرية، وما يقال عن ضرورة الأمن والاستقرار السياسى والأمنى.

إن الحرية الإعلامية والصحفية هى إحدى الحريات والحقوق الدستورية والقانونية الأساسية المتفرعة عن الحرية الأم للحريات العامة، وهى حرية الرأى والتعبير والنشر. ويترتب على ذلك فى – غالب النظم القانونية والسياسية المقارنة-، إن حرية الإعلام تفتح الطريق أمام التعبير الحر، وتعبير المشاهد والقارئ والمستمع، بمصادر التهديد والترويع والخطر على نحو يجعلهم على معرفة وبصيرة بأخطار عمليات العنف والإرهاب، وطبيعة الرؤى الفلسفية والسياسية والدينية والمذهبية والعرفية.. الخ، التى يطرحها ممارسو الإرهاب والعنف السياسى- الدينى، وتبريراتهم للاغتيالات والقتل، والعبوات الناسفة، والسيارات المفخخة، وخطف الطائرات والقطارات، وتدمير بعضها إلى آخر هذا النمط من العمليات وأشكال العنف الإرهابى، الذى يرمى إلى نشر الترويع والخوف بين الجمهور من الأبرياء، وأياً كانت الأسباب والتبريرات المعلنة من وراء القيام بهذه العمليات.

ثمة انتقادات توجه لبعض أجهزة الإعلام الحر فى أنها تلعب دوراً مؤثراً فى تحقيق الهدف من نشر العمليات الإرهابية والعنيفة إزاء أهداف بشرية- أبرياء من أطفال ونساء ورجالى- وبعض السياسيين والكتاب ورجال الدين، أو أيقونات قوة رمزية كما فى مثال 11 سبتمبر 2001.

إن هدف المنظمة السياسية الراديكالية التى تمارس العنف والإرهاب هو إيصال صوتها السياسى أو الدينى أو العرقى أو القومى إلى الرأى العام فى بلادها، والعالم، ثم إلى كوادرها فى المعتقلات أو السجون، أو إلى الإدارات السياسية فى الدول الكبرى بهدف التعريف بهذه المنظمة أو تلك. فى كثير من الأحيان يكون الإعلام عن العمليات الإرهابية والعنيفة هو الإعلام عن مطالب سياسية محددة، كالإفراج عن كوادر لها فى السجن أو الاعتقال، أو الحصول على فدية مالية، أو تحقيق مطلب للجماعة، كما يحدث فى عمليات اختطاف السائحين الأجانب من قبل بعض القبائل أو المجموعات القبلية فى اليمن، أو بعض الجماعات السلفية الجهادية الراديكالية فى الجزائر.

إن بعض الباحثين يذهب إلى أن ثمة سلبيات تنطوى عليها عملية توظيف الجماعات الإرهابية للأجهزة الإعلامية على اختلافها، ومنها:

1- الترويج للخطاب الإرهابى على نحو يؤدى إلى تحفيز فئات اجتماعية مسحوقة، أو جماعات عرقية وقومية ومذهبية مهمشة إلى سلوك سبيل الخيار الإرهابى العنيف للإعلام عن مطالبها الحقوقية. من ناحية أخرى قد تؤدى بعض التغطيات الإعلامية عن العمليات، وتضارب المعلومات والأخبار والقصص حولها إلى بث بعض من البلبلة والغموض، مما قد يؤدى إلى هروب بعض الفاعلين، أو عدم القدرة على تحديد الجهات القائمة بالعمل الإرهاب. فى بعض الأحيان، تؤدى بعض التغطيات الإعلامية محدودة المستوى والكفاءة المهنية إلى خلق تعاطف بعض الجمهور مع الإرهابى. ومن ناحية أخرى، قد يشكل الإعلام فى بعض الأحيان دور الوسيط بين القائم بالإرهاب، والمستهدف سياسياً بالعملية الإرهابية. (أنظر فى هذا الصدد تفصيلاً محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسى، المرجع سابق الذكر ص 11، 12).

2- نقل بعض المعلومات عن نوعية الأسلحة المستخدمة، وقدراتها التدميرية وخصائصها الفنية، والتكتيكات الإرهابية، على نحو ما يثير الخيال أمام أبواب الجحيم الإرهابى والتدميرى، ومن ثم إنتاج أخيلة إرهابية جديدة حول الأهداف، والعمليات. والمثال الأشهر فى هذا الصدد العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة، على مبنى التجارة العالمى العملاق، والأيقونى، ومبنى البنتاجون فى واشنطن. إن ما تم فى 11 سبتمبر 2011 هو تعبير عن ذروة الخيال الإرهابى، وسلطاته، وتأثيره الرمزى.

3- إن الأقنية الأعلوماتية المتطورة- لاسيما على شبكة الإنترنت ومواقعها المتعددة، والجيل الثالث من الهاتف النقال وما بعد - تلعب دوراً بالغ الأهمية والخطورة معاً فى بعض الأحيان فى تيسير عملية نقل التعليمات الإرهابية للخلايا النائمة أو النشطة، أو بناء اتصالات جديدة مع جماعات حليفة، وأيضاً فى ترويج بعض عناصر ومكونات ثقافة العنف والإرهاب وتقنياته عبر نشر أساليب ووسائل صنع الأسلحة والمتفجرات، فضلاً عن منظومة التبريرات الدينية والسياسية والعرقية والقومية من الأنشطة العنيفة.

4- تلعب بعض وسائل الإعلام، عبر بعض أساليب تغطية الحوادث الإرهابية المتعاطفة، إلى دور إيحائى وتخييلى وتحفيزى لعناصر تنتمى إلى أجيال جديدة ودفعها إلى الانخراط فى مجموعات عنف وإرهاب قائمة، أو تشكيل أخرى.

وفى هذا السياق تستولد أفكار ومشروعات وأهداف من تدفق بعض الأخبار والمعلومات والتحقيقات والمقالات والمقابلات حول العمليات الإرهابية والقائمين بها، وأفكارهم، ومطالبهم القومية أو الدينية أو المذهبية أو العرفية.. إلخ. إن مواقع الجماعات السياسية والقومية والعرقية.. الخ التى تمارس العنف والإرهاب والترويع تتزايد، وتتحرك فى حرب نتية مستمرة، مع أجهزة استخبارتية كبرى، كالمخابرات المركزية الأمريكية، والبريطانية، والألمانية والفرنسية. وتؤسس القاعدة ونظائرها وأشباهها مواقع، وتنشر عبر مواقع صديقة لها، أفكارها ورؤاها الأيديولوجية، وتطارد من قبل أجهزة استخبارات عربية، وأخرى، فى حرب معلوماتية وتقنية متطورة، تبدأ من إغلاق مواقع وهجوم عليها، إلى تخفى وظهور على مواقع أخرى، وبناء مواقع مغايرة، وهكذا دواليك، فى صراع حول الظهور الأعلوماتى للقاعدة ونظائرها على الفضاء النتى. لم يعد الصراع استخبارتى وعسكرى وأمنى فقط، وإنما أمتد إلى محاولة حجب الحضور الإعلامى والمعلوماتى لتنظيم القاعدة، وغيره من المنظمات السياسية والدينية والعرقية الراديكالية.

هـ- بعض الإعلام الحر وفضاءاته المتعددة المرئية والمسموعة والمكتوبة والنتية، راكمت نسقاً ثقافياً للعنف والإرهاب على أسس دينية ومذهبية وقومية وعرقية وأيديولوجية. ويشكل مركب المعلومات والتحفيزات والتدبيرات للعنف على أسس دينية أو عقائدية أو قومية.. الخ، أحد محفزات إشاعة رأسمال عنفى وإرهابى بين بعض مستهلكى هذه المواد، سواء المنخرطين فى المنظمات الدينية والسياسية الراديكالية- ونظائرها ومثالها العرقى والقومى- أو هؤلاء الذين يعانون من الاضطهاد الدينى والقومى والعرقى، ولديهم مطالبهم، ورؤاهم الاحتجاجية. إن الرأسمال العنفى والإرهابى يشكل ركيزة حركة، وإطار رؤية وخبرة وأخيلة قابلة للتطوير، وبث الحياة والدينامية فى أعطافها العنيفة والإرهابية. من ناحية أخرى، ساهم الإعلام الحر فى إشاعة وعى سياسى بخطورة الأنشطة الإرهابية، والعنف الدينى والعرقى، على الأمن والاستقرار، وعلى الأبرياء والمبدعين، وخلق رأى عام مضاد للجماعات الراديكالية التى تمارس العنف والإرهاب أياً كانت. ثمة دور هام لعبته بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والنتية، فى تحليل جذور العنف والإرهاب، وكيفية مواجهتها، وقدمت رؤى بعض الخبراء والباحثين للإدلاء بآرائهم وتحليلاتهم، إلى جانب رجال الساسة والأمن والأديان.

2- الإعلام الموجه فى النظم التسلطية: سلطة الإدانة والغموض

النظم التسلطية، تحتكر الأنظمة الإعلامية الكبرى، وتتعامل معها بوصفها أحد الأدوات الأكثر فاعلية فى إدارة شئون الحكم، وفى نشر أيديولوجيا النظام وقيمة السياسية، بل فى تسويغ السياسات الاجتماعية، والأمنية، والاقتصادية والتعليمية والثقافية.. الخ.

إن الصحافة المكتوبة، والإعلام المرئى، والمسموع والنتى، يمثلون للنظم التسلطية أهمية تماثل الدبابة والطائرة والعربة المدرعة، وهراوة الجندى، بل تفوق رموز القوة المحتكرة بواسطة النظام وصفوته الحاكمة، فى إدارة الشئون الداخلية تأسيساً على الطبيعة السياسية التسلطية والشمولية والأيديولوجية لهذه النظم. أصبح إعلام الدولة والنظام على وجه التحديد أداة من أدوات التعبئة ومحاولة إضفاء الشرعية على الصفوة الحاكمة، ومن ثم يستخدم فى مواجهة دعاوى وأيديولوجيات وأفكار المعارضات السياسية والدينية والاجتماعية.

إن بعض النظم التسلطية – كالمثال المصرى-، استخدمت الإعلام، ولا يزال فى الدعاية السياسية المضادة للجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، وفى هجائها وإضفاء الأوصاف الإرهابية والترويعية على أفكارها، على نحو معمم، ووفق منطق الإدانة الجنائية، ودونما معالجات رصينة سياسياً، وإعلامياً وثقافياً.. الخ.

إذا كان الإعلام الحر يسمح بمتابعة وتداخل فى بعض الأحيان مع بعض الوقائع الإرهابية،- وحول مصادر معلوماتها أياً كانت محجوبة وسرية أم معلنة -، إلا أن إعلام الأنظمة التسلطية لا ينشر فى الغالب سوى الأخبار والمعلومات الحكومية والأمنية والدينية التى تقدمها أجهزة ومؤسسات النظام المعنية بمواجهة ملف الجماعات الراديكالية- السياسية والدينية والمذهبية والقومية والعرفية -، التى تمارس العنف أو الإرهاب. أن الطابع الاحتكارى للأنظمة التسلطية للمعلومات والأخبار والقصص الإعلامية، ولأجهزتها الإعلامية هو السمت الرئيس الذى يؤدى إلى سيطرتها على عملية الإعلام عن المنظمات والوقائع والظواهر الإرهابية. إن حجب المعلومات والأخبار الصحيحة عن المنظمات التى تمارس العنف والإرهاب، يؤدى إلى المساس بحرية التعبير والنشر، والإعلام الشفاف عن المواطن، لصالح دعاوى عامة وغامضة حول أمن البلاد، دون تحديد، وضبط لمفاهيم الإرهاب، والأمن والاستقرار والنظام العام، وهى مصطلحات مطاطية تفسر دائماً لصالح أمن الصفوة الحاكمة ومصالحها السياسية والاجتماعية، ولحماية الممارسات البوليسية والقمعية تحت مظلة هذا النمط من المصطلحات الشعاراتية.

يؤدى هذا النمط من قمع حرية النشر والإعلام إلى تحويل الإرهاب إلى شبح غامض حيناً، وإلى عدم تبصير المواطن بمخاطره الحقيقية حيناً آخر، وقد يساعد على إشاعة الترويع المؤسس على الغموض، وتضخيم الظاهرة الإرهابية.

أدى التطور التقنى فى الإعلام والمعلومات إلى بروز مصادر جديدة للمعلومات لكسر الحظر عليها، والسرية المفروضة على مصادرها، وهو ما يتمثل فى القنوات الفضائية، والفضاء النتى، والهاتف المحمول الذى يستخدم على مستوى الرسائل المشفرة فى نقل وتبادل الأخبار والمعلومات فور وقوعها، على الرغم من فرض الحظر الأمنى على بعض الوقائع العنيفة أمنياً، بل ومنع الصحفيين من الوصول إلى موقع الحدث العنيف. ومن الأمثلة على ما سبق، المعلومات التى نشرت حول أزمتى الكشح الأولى، والثانية بين الأقباط والمسلمين فى نهايات القرن الماضى فى مصر. فرضت الأجهزة الأمنية آنذاك حصاراً على موقع العنف، ومنعت الصحفيين من الوصول إليه. وكان الفاكس هو وسيلة الأخبار عن الحادث فى الأزمة الأولى. فى أزمة الكشح الثانية، شكل الإنترنت، والهاتف المحمول وسيلة نقل الأخبار والمعلومات لأقباط المهجر، وللصحفيين فى مصر.

 

لم يعد العالم قرية واحدة كما ذهب مارشال ماكلوهان، بل ولم يعد قرية عولمية، بل تحول إلى غرفة كونية ثم إلى جهاز عولمى عند أطراف أصابع الفرد فى أى منطقة فى العالم

ثالثاً: الإعلام المصرى وظواهر العنف ذى الوجوه الدينية والطائفية: الظلال الأمنية:

1- مكانة الإعلام المصرى الرسمى المقروء والمسموع فى وضع شبه مهيمن على القضاء الإعلامى المصرى، من حيث المؤسسات الصحفية، والإذاعة والتليفزيون، حيث يسيطر النظام وأجهزته على السياسة الإعلامية عموماً، لاسيما فى توجهاتها الرئيسة، وذلك عن طريق أدوات عديدة بعضها سياسى، ومالى، وأمنى واستمر هذا التوجه نسبياً بعد الانتفاضة المصرية فى 25 يناير 2013 وما بعد.

2- إن نشر المعلومات والأخبار حول أعمال العنف وممارسيها من قبل الجماعات الإسلامية الراديكالية كالجهاد والجماعة الإسلامية، ونظائرها كان ولا يزال خاضعاً لتقديرات الأجهزة الأمنية، أو لتصريحات كبار المسئولين الحكوميين. وتتأثر طرائق معالجة الأخبار والتقويمات السياسية حول ظواهر العنف، بل ومسمياته لتوصيفات الأجهزة الأمنية المختصة بمواجهة هذا النمط من الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، أو ببعض الاجتهادات الصحفية والإعلامية فى توصيف وتسمية هذه الجماعات والعمليات العنيفة ذات التبرير الدينى، أو الطائفى.

3- استخدمت الأجهزة الإعلامية والأمنية، وكبار قادة النظام المصرى مصطلح الإرهاب فى وصف الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، وسلوكياتها العنيفة. ولا شك أن إطلاق الأوصاف الجنائية والسياسية هو جزء من استراتيجية للتسمية تلعب وظائف محددة فى الحرب الأيديولوجية والدينية إزاء جماعات تستند فى منظومتها الأيديولوجية على المرجعية الدينية والمذهبية السنية – فى إحدى مصادرها الفقهية والتأويلية-، ومن هنا كانت الأوصاف التأثيمية والقدحية هى أبرز الخيارات الأمنية والإعلامية والسياسية.

4- يرمى وصف الإرهاب وعموميته لأداء وظائف عديدة منها أنه يشكل مظلة تشتمل على أعمال عنف عديدة بعضها اجتماعى وسياسى ودينى وطائفى، وقد تدمج فى بعض الأحيان حركات الاحتجاج وأيديولوجياتها السياسية والدينية فى مفهوم الإرهاب. تمنح عمومية ومطاطية اصطلاح الإرهاب مرونة للأجهزة الأمنية والإعلامية والطبقة السياسية لإدراج أى تهديدات أمنية أو سياسية من قبل بعض الجماعات المحجوبة عن الشرعية فى إطار المنظمات التى تمارس العنف والإرهاب. يؤدى الاصطلاح – الإرهاب- إلى إخفاء وستر التوصيفات العلمية لجماعات العنف السياسى والاجتماعى ذات الوجوه الطائفية والدينية، ناهيك عن أن التسمية الإدانية للفعل والأيديولوجية العنيفة، تشكل نمطاً من العنف اللفظى المضاد، ناهيك عن كونها سلاحاً إعلامياً مضاداً لإعلام الجماعات السياسية الإسلامية الراديكالية.

5- إن متابعة مواقف الإعلام المصرى الرسمى، تشير إلى غياب رؤية تكاملية لدور الإعلام فى إطار استراتيجيات المواجهة السياسية والتعليمية والثقافية والأمنية. ثمة اختزال لاستراتيجيات المواجهة الرسمية للجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، فى الاعتماد على الاستراتيجية الأمنية، والتى تمكت من تخفيض معدلات العنف الراديكالى فى عقود الثمانينيات والتسعينيات، والعشرية الأولى من القرن الحادى والعشرين وبعد 25 يناير 2011 وإلى الأن. ومن الملاحظ أن ضعف أدوات التعامل الأخرى الثقافية والتعليمية والإعلامية، أدى إلى انتقال رأسمال العنف الدينى وثقافته من المجال السياسى- الأمنى، إلى المجال الاجتماعى- كما كتبنا مراراً من ذى قبل-، ليراكم رأسمالاً دينياً متنامياً إسلامياً، ومسيحياً. أدى صعود الرأسمال الدينى فى المجال الاجتماعى إلى تفكيكات للرأسمال الثقافى- السياسى المدنى، ومن ثم إلى بروز ظواهر وطقوس دينية وشكلانية باتت تميز بين المصريين فى المجال العام على أساس الانتماء الدينى والمذهبى.

6- إن استراتيجية الأسلمة من أسفل، والأسلمة من الوسط، وبناء شبكات من التضامن الاجتماعى لبعض الجماعات الإسلامية السياسية، وأسلمة أنظمة الزى واللغة اليومية، والطقوس، والتعاضدات، وأسلمة المجال الخاص، هى تعبير عن محدودية فاعلية أساليب التعامل الرسمية مع العنف الأيديولوجى واللفظى والطقوس اليومى ذى الجذور الدينية.

7- لعب الوسائط الأعلوماتية الجديدة، دوراً هاماً فى كسر احتكار أجهزة الأمن، والإعلام الرسمية للمعلومات حول الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية، وخطاباتها، وأهدافها السياسية، بل وظفت جماعة الإخوان المسلمين الوسائط والفضاءات الأعلوماتية الجديدة، كالإنترنت والهاتف المحمول بكفاءة فى إدارة المعارك الانتخابية، وفى الحشد والتنظيم، ونقل الرسائل والمعلومات، وفى إبراز آرائها ومواقفها السياسية إزاء المواقف الحكومية، وناقديها من الكتاب والصحفيين والسياسيين.

8- تقوم بعض الصحف المعارضة والمستقلة بدور متزايد فى نشر الأخبار والمقالات والمقابلات والتحقيقات حول جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من الجماعات الدينية والاحتجاجية الأخرى. وثمة دعم من بعضهم كالإخوان لبعض هذه الجرائد كى تكون منبراً لها، ومن ثم تلعب بعض الصحف دوراً فى مواجهة الدعاية السياسية والقدحية للإعلام الحكومى.

9- من الملاحظ أن التأثر الإعلامى الرسمى بالتوصيفات الأمنية، أدى إلى إضعاف الخطاب الإعلامى الرسمى الذى اعتبر بمثابة استنساخ للخطاب الأمنى.

10- برز عدم التخصص والتكوين المعرفى للعناصر الإعلامية التى تتعامل مع ظواهر العنف والإرهاب، الأمر الذى أثر على طرائق المعالجة وحول غالبها إلى تقارير لا تختلف كثيراً عما أطلق عليه فى مصر فى التسعينيات من القرن الماضى الإعلام الأمنى. وثمة بعض التعاطف من بعض الصحفيين والإعلاميين مع بعض الجماعة الإسلامية السياسية، سواء من عناصر تنتمى إليها، وتم اختيارها وتعيينها فى الصحف القومية، أو البعض الآخر العاطف على بعض الجماعات لأسباب تتعلق بتغلغل الأيديولوجية الدينية فى تكوينهم أثناء التعليم فى الجامعات المصرية التى سيطرت عليها الجماعات الإسلامية، وعلى العمل السياسى فيها منذ أوائل عقد السبعينيات، وحتى اللحظة الراهنة. أو بعض الإعلاميين يبرر السلوك السياسى لبعض الجماعات الدينية السياسية، كشكل من أشكال الاحتجاج على الفساد ومواقف الصفوة السياسية الحاكمة، والسخط على ضعف أداء الحزب الوطنى الحاكم.

11- أدى الرهاب الإرهابى الذى أشاعته بعض الجماعات السياسية الإسلامية الراديكالية فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات إلى نشر الخوف بين بعض الإعلاميين والكتاب، وبرزت نزعتا الحياد، أو الممالأة فى تعاملهم مع ظواهر العنف ذى الوجوه الدينية والطائفية، أو صمت بعضهم عن اتخاذ موقف من العنف الرمزى والمادى واللفظى.

12- ساهم بعض الكتاب فى تقديم تفسيرات موضوعية حول الجماعات الإسلامية السياسية، ساعدت على إثارة وعى عناصر فى الصفوة المثقفة والسياسية، ولدى بعض الجمهور.

13- ساهمت بعض الصحف المصرية المستقلة والمعارضة فى تغطية الأوضاع الداخلية فى الكنائس المصرية الأرثوذكسية، والكاثوليكية والإنجيلية. ولا شك أن نشر المعلومات، والأخبار والمتابعات للخلافات اللاهوتية والشخصية بين كبار الأساقفة، وبعض مراكز القوة عند قمة الأكليروس، والباب شنودة، إلى إعلام القراء بطبيعة المشكلات اللاهوتية والاجتماعية داخل المؤسسة الدينية الأرثوذكسية، وبين قادتها، وهو ما يمثل دوراً تبصيرياً للقراء بما يجرى داخل أحد المؤسسات الدينية الوطنية، مثلها تماماً مثل التعامل مع الظواهر والخلافات فى الرؤى وتنوعها داخل الأزهر الشريف.

14- أن الموجة الإرهابية السلفية الجهادية والقاعدة ما بعد 25 يناير 2011، وحتى اللحظة الراهنة، أعادت إشكاليات الإرهاب والإعلام وتعقيداتها مجدداً إلى الساحة المصرية، على عديد المستويات

ثمة ابتسار وغموض ونقص فى المعرفة فى الخطاب الإعلامى حول الجماعات الإسلامية الراديكالية ومنظوماتها الفكرية ومرجعياتها وتطوراتها الأيديولوجية والتنظيمية، ناهيك عن غياب مفهوم وفلسفة فى التعامل السياسى والإعلامى والأمنى إزاء هذه الجماعات، وربما يعود ذلك إلى أن التلاعب الأيديولوجى والوظيفى بالدين الإسلامى، وعليه، وبه فى السياسة المصرية أصبح جزءاً رئيساً من المكونات الأيديولوجية والسياسية للنظام. إنها لعبة النظام والصفوة الحاكمة، والمؤسسة الدينية الرسمية، والإخوان، والمؤسسة الإعلامية الرسمية وبعض الصحف المعارضة والمستقلة. إنها السياسة والمصالح يا ذكى!

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟