ماذا يحتاج المصريون لبذلة السيسي المضادة للرصاص؟
الإثنين 07/أبريل/2014 - 10:55 ص
استغرب ممن يقول: «لا نريد حكماً عسكرياً في مصر»، تعليقاً على إعلان عبدالفتاح السيسي ترشحه لرئاسة «جمهورية مصر العربية» في الأعوام الأربعة المقبلة!
السيسي لم يعد عسكرياً منذ شهر آذار (مارس) الماضي، الرجل تخلى عن البزة العسكرية قبل أن يدخل في سباق الرئاسة، هو الآن «مواطن مصري مدني ذو خلفية عسكرية»، وبالتالي فإن خدعة «الرجل العسكري الذي سيحكم مصر» التي يروج لها بعض الذين لا يريدون الخير لمصر سقطت، أو في سبيلها للسقوط.
لماذا أقول مواطن مصري ذو خلفية عسكرية؟
مصر دولة لم تجرب الديموقراطية في تاريخها، ويمكن اعتبار ما مرت به خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة فترة «حرب» بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وهي بهذا التعريف المختصر تماثل في تجربتها (إجمالاً وليس تفصيلاً) تجربتي فرنسا وبريطانيا في منتصف القرن الماضي، وتجربة أميركا نهاية القرن الـ18.
الرئيس المدني ذو الخلفية العسكرية هو الرجل الأنسب الآن لحكم مصر، فمن جهة هو الوحيد القادر على ترميم ما خربته الحرب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وإعادة الأمن «بالقوة» إلى شوارع المدن والقرى المصرية، اعتماداً على بزته العسكرية التي انكشفت عن بذلة مدنية. وهو من جهة أخرى القادر على استزراع المفاهيم الديموقراطية - التي لا وجود لها - في الوجدان المصري، وبالقوة أيضاً إن لزم الأمر، اعتماداً على بذلته المدنية «المضادة للرصاص».
في منتصف القرن الماضي لم يجد الفرنسيون أفضل من شارل ديغول ليقود الحكومة الفرنسية بعد سقوط «حكومة فيشي» العميلة، جاءوا بالجنرال من لندن ليؤسس الجمهورية الرابعة بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية، وهو الذي كان رئيساً للفرنسيين في المنفى، لكن خضوعاً للسنن الكونية، واتساقاً مع مفاهيم «الثورة ضد الثورة»، دُفع للاستقالة سريعاً قبل أن يعود مرة أخرى عام ١٩٥٨، ليؤسس من جديد الجمهورية الخامسة، ويصبح أول رئيس لها في الأعوام العشرة الآتية.
كان الرجل العسكري الفرنسي هو الخيار «الأنسب» بعد الحرب مباشرة، ثم صار بعد ١٢ عاماً الخيار «الأفضل» لتثبيت وتكريس «الحرية والإخاء والمساواة» في فرنسا الجديدة.
وفي بريطانيا جاء البريطانيون بالعسكري المتمرس ونستون تشرشل ليقود حكومة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، ثم أخرجوه من الوزارة خضوعاً أيضاً لمفهوم «حق الشعب البريطاني في تدوير السلطة»، ورغبة في تجربة خيار «الرجل الذي يقود بريطانيا في السلم لا بد أن يكون مختلفاً عن الرجل الذي قادها في الحرب»، قبل أن يعيدوه مرة أخرى «لداوننج ستريت» بعد ٦ أعوام ليبدأ سلسلة طويلة من الإصلاحات المدنية في بلد أنهكته الحرب كثيراً.
أدرك البريطانيون بعد ستة أعوام من رئاسة كليمينت أتلي للحكومة البريطانية أن تشرشل هو الرجل «الأفضل» لقيادة بلده بعد الحرب، على رغم سنه المتقدم آنذاك.
وفي أميركا القرن الـ18 اختار الأميركيون بالإجماع قائد الجيش الأميركي ليكون أول رئيس لبلدهم، لأنهم يعرفون أن جورج واشنطون الوحيد القادر على قيادة أميركا وتثبيت دعائم الديموقراطية الجديدة. عرف الأميركيون منذ البدء أن بلدهم الوليد بحاجة إلى «حرب مدنية»، لن ينتصروا فيها ما لم يستعينوا بخبرة من صقلته خبرة الحروب العسكرية، لذلك نصبوا واشنطون رئيساً لفترتين متتاليتين، وزادوا على ذلك بأن اختاروا الرؤساء الثلاثة الآتين (أدامز وجيفرسون وماديسون) في ما يشبه «الانتخابات التوافقية». حرص الأميركيون على أن تتولى النخبة التي مهدت للاستقلال وأعلنته وكتبت الدستور وثبتته حكم أميركا للأعوام الـ28 الأولى من عمرها، وكل ذلك لأجل العبور بالشعوب الأميركية من الثقافة الانفصالية للمستعمرات والكونفيدرالية المتعثرة إلى رحابة الفيدرالية.
كانت النخبة الأميركية ممثلة في الآباء الأوائل تدرك أنه لبناء ديموقراطية جيدة لا بد من فرض «الرؤية النظرية»، التي كتبتها حرفاً حرفاً في مدونتي «إعلان الاستقلال والدستور»، وحمايتها من خلال تداول السلطة في ما بين أفرادها في الفترة الأولى من عمر أميركا، ثم تسليم السلطة للجيل الآتي الذي نشأ على تزاوج الحرية بالديموقراطية، وتجاوز بفترة زمنية معقولة أطماع وفرص العودة من جديد لدول المستعمرات.
ومن التجارب الثلاث السابقة، وتجربة أميركا تحديداً يمكننا تخيّل المستقبل المصري.
مصر بعد حربها في الأعوام الثلاثة الأخيرة بحاجة إلى تشكيل أسس الديموقراطية وتثبيت دعائمها من خلال حكم النخبة، وذلك لن يكون إلا برسم الرؤى النظرية للحكم الرشيد، ثم حمايتها من خلال انتخاب السيسي (جورج واشنطون المرحلة) رئيساً للجمهورية المصرية الجديدة، ثم العمل بعد ذلك على صناعة نظام انتخابي يضمن وصول الرجل المناسب إلى الرئاسة في بلد يعيش به ٣٠ مليون أمي.
على المصريين أن يعرفوا أنهم مجتمعات جديدة على الديموقراطية، وبالتالي عليهم تفعيل طريقة انتخابية للرئيس تختلف عن الطريقة الحالية «الانتخاب السري العام»، التي تستلزم وجود أرضية سابقة للديموقراطية، وصفات شعبوية غير متحققة عند المصريين.
العقل المصري «النخبوي» قادر على التفكير مثل الأميركيين الأوائل لصناعة طرق انتخابية وتدشينها في الحياة السياسية المحلية، على غرار «الكليات الانتخابية الأميركية» التي تضمن انتخاب القادر والمؤهل، وفوق ذلك كله الحامي للرؤى النظرية للحكم الرشيد في طور تحولها إلى تطبيقات عملية تأخذ الواجب من الحاكم وتسلم الحقوق للمحكوم.
وعلى المصريين كذلك أن يؤمنوا بأن الديموقراطية ليست جنة الرخاء والرفاه، وإنما هي الطريق إليها. – نقلا عن الحياة