المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
حسن بن سالم
حسن بن سالم

بريطانيا وجماعة الإخوان المسلمين

الثلاثاء 08/أبريل/2014 - 10:37 ص
بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر من رفض اعتراف الداخلية البريطانية بالقرار الصادر عن الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة وتنظيماً إرهابياً، ها هي الحكومة البريطانية تعود في خطوة قد يكون فيها تضييق جديد على «الإخوان المسلمين»، إذ أمر رئيس الحكومة ديفيد كاميرون الخارجية البريطانية الأسبوع الماضي بالبدء في تحقيقٍ فوري وإجراء مراجعة حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، وتكليف السفير البريطاني في السعودية جون جنكنز بإعداد التقرير، إضافة إلى رئيس الاستخبارات الخارجية جون سويرز (السفير السابق في القاهرة)، والتصريح بأن الهدف من التحقيق هو إجراء مراجعة للأفكار والقيم التي تقوم عليها الجماعة ودرس توجهاتها وأنشطتها والتأكد - كما ذكر كاميرون للصحافيين - من صلاتها ومعتقداتها في ما يتعلق بالتطرف والتطرف العنيف، وعلاقتها بالجماعات الأخرى في بريطانيا.
هذه التصريحات من الرئيس كاميرون تجاه هذه القضية بغض النظر عن التفاصيل والأسباب الداعية إلى فتح ذلك التحقيق، إما بسبب ضغوط من حلفائها أو نتيجة مبررات واقعية ملموسة هي غير مستغربة، فهذه القضية تأتي أيضاً في سياق الجدل في بريطانيا منذ أعوامٍ عدة، حول استراتيجية مكافحة التطرف المعروفة باسم «وقاية» المثيرة للجدل التي تنبتها الحكومة البريطانية منذ عام 2007، وقد ذكر كاميرون في مؤتمر حول الأمن بمدينة ميونيخ في شباط (فبراير) 2011 «أن من يعتبرون المتطرفين غير العنيفين يسهمون في إبعاد الشباب الأكثر تأثراً عن العنف، أنه مجرد كلام غير صحيح» واعتبر أن الأشخاص المدانين بارتكاب أعمال إرهابية تشير الأدلة إلى أن عدداً كبيراً منهم تأثر بدايةً بالأفكار المتطرفة غير العنيفة، ومن ثم حمَلوها إلى مستوى ثانٍ من خلال تبنٍ للعنف، ومن السابق لأوانه في الوقت الراهن الحكم أو حتى مجرد التوقع أو التكهن عما تسفر عنه هذه التحقيقات ومدى تأثيرها في أعضاء جماعة الإخوان المقيمين في بريطانيا، فالعلاقة التي بين «الإخوان» والغرب عموماً وبريطانيا خصوصاً ليست عادية أو حديثة العهد، وإنما هي علاقة نفعية بين كلا الطرفين وقديمة ومتجذرة تعود إلى عقود من الزمن، حينما قدمت مجموعات صغيرة من أعضاء جماعة «الإخوان» في نهاية الخمسينات إلى بلاد الغرب بدوافع مختلفة، إما بدافع اللجوء السياسي والهرب من الملاحقات الأمنية، وإما البحث عن الرزق والعمل، وإما الدراسة في الجامعات الأوروبية، وكان من أبرزهم سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا، ورجل الأعمال الشهير يوسف ندا وغيرهم، وقد بدأت حركة الجماعة هناك، وهي محملة بكل الخصائص التي كانت عليها في المشرق الإسلامي مسقط رأسها، ونشأت وهي تحمل المكونات الفكرية والدعوية والحركية والسياسية والتنظيمية ذاتها. وبعد مضي أعوام واستقرار العديد من أعضائها بدأت «الجماعة» في التفكير والسعي وفي شكل جاد بالانخراط بمرحلة الحضور والتفاعل والعمل والتأثير في المجتمعات الأوروبية، فكانت الرابطة الإسلامية التي أسسها الدكتور كمال الهلباوي المتحدث الرسمي السابق باسم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الغرب (المنشق عن جماعة الإخوان) عام 1997 أول مؤسسة أو واجهة علنية يتم من خلالها العمل في شكل واضح، حول ظروف وتجربة «الإخوان» في بريطانيا من وجهة نظر غربية وأكاديمية نجد أن الباحث بجامعة هارفارد والمتخصص في حركات الإسلام السياسي لورينزو فيدينو (صاحب كتاب «الإخوان المسلمون الجدد في الغرب» الصادر عام 2011 أحد أهم الدراسات المعاصرة التي تناولت جماعة الإخوان المسلمين في الغرب حتى وقتنا المعاصر، واستغرق تأليفه أعواماً عدة ونشرته جامعة كولومبيا وتُرجم أخيراً) يلخص رؤيته تجاه ذلك بقوله: «إن الخصوصية الجغرافية للإخوان المسلمين في بلاد الغرب كانت تتطلب منهم طرح خطاب مختلف أو خطاب مزدوج، فهم يطرحون أنفسهم كحركة معتدلة تشدد في أهدافها على الاندماج والوحدة والتسامح الديني وجميع العبارات الطنانة التي يفضِّل سماعها صناع القرار السياسي، لكن إذا نظرت إلى أديباتهم وكتبهم التي يبيعونها في مكتباتهم فإنك تجد الاختلاف والتباين»، ويؤكد فيدينو أن لهم نفوذاً كبيراً جداً في الغرب لا يتناسب مع عددهم، فهم يملكون قدرة تنظيمية جيدة ويتحصلون على الكثير من الأموال من العديد من المانحين، وهم ناجحون في السيطرة على التنظيمات الإسلامية، ولديهم فرص كثيرة في الوصول إلى الحكومات والظهور في وسائل الإعلام، على رغم أن معظم المسلمين في أوروبا لا يشاركونهم الأفكار والتوجهات نفسها، إلا أنهم نجحوا إلى وقت طويل في تمثيلهم أمام الحكومات ووسائل الإعلام، وإذا كانت النخب السياسية الأوروبية في منظوره ساذجة في السابق بقبولها للإخوان ممثلاً للمجتمعات المسلمة في شكل غير نقدي، فهي في الأعوام الأخيرة أصبحت أقل سذاجة وبدأت تدرك أنهم ليسوا وحدهم الممثلين عن المسلمين وأن المجتمعات المسلمة متنوعة ومختلفة، وأن الصوت الأعلى ليس بالضرورة هو الأكثر تمثيلاً، ويضرب على ذلك مثلاً بأن المجلس الإسلامي في بريطانيا (تعتبر الرابطة الإسلامية أحد أهم مؤسسيه) ظل إلى وقت طويل الشريك الحصري شبه الرسمي للحكومة البريطانية وقيادة هذا المجلس يسيطر عليها الإخوان المسلمين، ولكن الحكومة أجرت تغييراً في سياستها عام 2006 بعد اكتشافها أن فئات كبيرة من السكان المسلمين لا ينتمون إلى المجلس الإسلامي، «وقد سلطت بعض وسائل الإعلام البريطانية في الفترة الماضية الضوء حول الدور الذي باتت تلعبه في هذه المرحلة مؤسسة قرطبة لحوار الحضارات ورئيسها أنس التكريتي ابن المراقب العام للإخوان المسلمين بالعراق، فالخارجية البريطانية في موقعها الرسمي أشارت إليه بأنه أحد البارزين على تشجيع المسلمين في بريطانيا على الانخراط في العمل السياسي، بينما اتهمت «صنداي تليغراف» في تحقيق لها أنها ذات صلة بمنظمات متطرفة عدة، وأنها المتحدث باسم «الإخوان المسلمين»، في المقابل فإن أمثال روبرت لامبرت صاحب كتاب «مكافحة تنظيم القاعدة في لندن: شراكة بين الشرطة والمسلمين»، وأحد المعارضين للاستراتيجية الحكومية للتطرف والمفتش السابق بشرطة لندن بشؤون الإرهاب يرى أن الإسلام السياسي في بريطانيا لا صلة له بالعنف وأنها تقوم بدور إيجابي نحو الاعتدال، وفي كل الأحوال فإن للقرار مدلولات عدة، وكل الأطراف تدرك أن هذه القضية في حال المسار القضائي، سواءً بالإدانة أو التبرئة فإنها قد تستغرق أعواماً وأعواماً، ومن الصعب في الوقت الراهن تخيُّل ما تسفر عنه المرحلة المقبلة من نتائج وتطورات.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟