المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

لكى تعود مصر إلى مكانها ومكانتها (2)

الثلاثاء 08/أبريل/2014 - 10:40 ص
تناولنا فى الحلقة الأولى جانبا من الخطة المقترحة لاخراج مصر من السنين العجاف خلال الفترة المقبلة، وتم التركيز على محور التنمية البشرية، والتنمية الاقتصادية الناجزة.. وفى هذه الحلقة نستكمل البنود الأخرى فى هذه الخطة.
ثالثا ـ رؤية جديدة للعدالة الاجتماعية والمجتمع المدني: ترسخ فى وعى المجتمع المصرى منذ ثورة 1952 ان مسألة العدالة الاجتماعية هى اخذ اموال الاغنياء وتوزيعها على الفقراء؛ إما من خلال التأميم او الاصلاح الزراعى او الدعم للسلع الغذائية او التعليم المجانى والالتزام بتوظيف جيوش الخريجين فى صورة تعيسة للبطالة المقنعة، وقد اثبتت التجربة خطأ هذا المنهج وما ينبثق عنه من سياسات.
لذلك نقدم هنا رؤية قد تكون جديدة للعدالة الاجتماعية تربطها بالنظام الضريبى وبالمجتمع المدنى وتتمحور حول الآتي: اصلاح ضريبى شامل يقوم على تحديد «حد الكفاية» بالذى يكون عنده الانسان مستقرا دون عنت، تتحقق فيه حاجاته الاساسية، ويختلف هذا الحد طبقا لعدد الاسرة ومكانها من الجمهورية، ثم بعد ذلك اى دخل يتجاوز حد الكفاية يتم فرض ضرائب تصاعدية عادلة عليه، بصورة لا تجعل الانسان الناجح يفقد الرغبة فى تحقيق مزيد من النجاح. ويتم ربط النظام الضريبى بالمجتمع المدني، بحيث يتم اقتطاع اى مبالغ او تبرعات عينية لمؤسسات المجتمع المدني، او تأسيس اوقاف خيرية على اغراض عامة لخدمة الناس، يتم اقتطاع تلك المبالغ من الوعاء الضريبي. وكذلك تأسيس هيئة وطنية للزكاة، لها فروع فى جميع المناطق، ويتم ربطها بالضرائب بحيث يتم اقتطاع اموال الزكاة من الوعاء الضريبي. كما يتم اطلاق طاقات المجتمع المدنى لـتأسيس شبكة واسعة من المؤسسات الوقفية. ويتم انشاء وزارة خاصة للاوقاف الاسلامية والمسيحية، تدير الاوقاف وتنفق عوائدها على اغراضها التى وضعها الواقفون، ولا يدخل من مال وزارة الاوقاف اى شىء لخزينة الدولة، وانما يتم انفاقه فى مواقعه على اغراضه المحددة فى وثيقة او حجة انشاء الوقف ذاته.
يتم أيضا تنظيم الجمعيات الخيرية بحيث تغطى جميع مناطق الدولة بصورة متوازنة، وبحيث تغطى جميع الاحتياجات، ويحتاج هذا اعداد خريطة تفصيلية للجمعيات الخيرية التى يحتاجها المجتمع المصري، ويتم اعادة توزيع لهذه الجمعيات بحيث لا تتنافس اوتكررنفس الخدمة، وبحيث لايتم استخدامها لاغراض سياسية او دينية او حزبية او طائفية. بالاضافة إلى اعادة بناء وتشغيل الوحدات الصحية فى القرى والاحياء بنفس المنهج الذى وجد فى الستينيات، بحيث تقدم الرعاية الصحية المتكاملة لجميع افراد الشعب. على أن تقدم الدولة رعاية خاصة لغير القادرين على الكسب ممن لا تغطيهم الجمعيات الخيرية والاوقاف. علاوة على تقديم اعانة بطالة لمن لا يعمل، ولمدة زمنية معينة كافية لايجاد عمل، او للتدريب على عمل جديد.
رابعا: ثورة ادارية سريعة وشاملة: أزمة مصر التاريخية تتلخص في: البيروقراطية او الروتين والفساد الاداري، ودون القضاء على هاتين الآفتين لن يتحقق التقدم او التنمية، اواى تغيير مهما تكن الخطط رائعة والافكار نيرة.
لذلك لابد من ثورة ادارية سريعة وشاملة وناجزة تتمحور حول الآتي: اصلاح قانونى شامل يعيد صياغة جميع النظم والقوانين الادارية بصورة تتناسب مع العصر، وحاجات المجتمع، وتحول دون تغول الجهاز الادارى على الشعب. وتبسيط الاجراءات الادارية فى جميع مرافق وهيئات ومؤسسات الدولة ابتداء من استخراج رخصة لقيادة السيارة الى تأسيس اكبر شركة اقتصادية. واعتماد نظام الحكومة الاليكترونية لمحاصرة الفساد وعدم السماح للعنصر البشرى بتوظيف اللوائح والقوانين لصالحه، وهنا يمكن الاستفادة من تجربة الامارات العربية المتحدة، فهى تجربة رائدة فى هذا المجال، ومن السهل النقل والتعلم منها. كذلك اصلاح نظام الاجور والدخول ليحقق مستوى معيشيا انسانيا للعاملين فى الجهاز الادارى للدولة على جميع المستويات، ويصاحبه اعادة تأهيل العاملين فى هذا الجهاز حتى لا يكون هناك اى مبررواقعى للرشوة والاكرامية وغيرها. ويتم تغليظ عقوبات الفساد المالى والادارى الى الحد الذى يصل إلى (حد الحرابة) لتحقيق الردع السريع والاسهام فى نشر ثقافة احترام القانون.
خامسا- ثورة فكرية وثقافية: أصبحت الثقافة المصرية بعد عقود من الفساد والاستبداد، وطغيان القيم المادية، وتراجع دور المؤسسات الطبيعية والتقليدية، والهجرة الواسعة من الريف الى المدينة، اصبحت هذه الثقافة مشوهة، خربة، متناقضة، معيقة لاى عملية تنمية او نهوض حضارى من اى نوع، وصارت الثقافةالمصرية محملة بالتناقضات التى تجعلها قابلة للتوظيف فى أى اتجاه مادامت توافرت محفزات التوظيف المادية كالزيت والسكر او الكهنوتية الدينية او الدعائية.
لذلك فان مصر تحتاج الى ثورة ثقافية شاملة تقوم علي: القيام بعملية شاملة من فرز وتصنيف القيم الفردية والجماعية، وتحديد القيم الايجابية من السلبية، وتسرى عملية الفرز على جميع مصادر غرس القيم فى المجتمع، ابتداء من التعليم، الى الخطاب الديني، الى وسائل الاعلام الى السينما..الخ. وهنا يستفاد من تجربة كوريا الجنوبية فى عهد الجنرال بارك فى أوائل الستينيات من القرن الماضي. ويتم إعادة صياغة مؤسسات الخطاب الدينى بكل اطرافه الاسلامى والمسيحي، ووضع معايير معتمدة من الدولة لكل من يمارس هذا النشاط اسوة بجميع دول العالم المتقدم التى تستوجب درجة علمية خاصة للواعظ تسمى (ماجستير الوعظ الديني). وتأسيس مجلس اعلى للاعلام بكل اشكاله وأنواعه ووسائله؛ يكون دوره الحفاظ على اخلاق المهنة وميثاق الشرف الاعلامي، ويقدم توصيات للجهات المسئولة عن المخالفين.
بالإضافة إلى إنشاء جهاز على مستوى الدولة للدعاية والاعلان، يضع المعايير والمحددات اللازم توافرها فى كل عناصر العملية الاعلانية او الدعائية، بحيث يضمن الا تؤدى الى إيجاد ثقافة مدمرة للمجتمع. ويتم تحويل قصور الثقافة فى كل مصر الى «واحات للابداع» تكون مهمتها رعاية ودعم المبدعين فى كل مجالات العلوم والاداب والفنون، مع مضاعفة عدد القصور الموجودة حاليا طبقا لقدرة كل قصر ثقافة منها على خدمة عدد معين من السكان. فضلا عن التوسع فى انشاء المكتبات الثابتة والمتنقلة والاليكترونية وتشجيع عادة القراءة عند جميع فئات الشعب.
سادسا- إعادة المكانة للامن القومى العربي: منذ زيارة السادات للقدس وبداية شعار «مصر اولا» وهناك حالة ارتباك شديدة فى كل مفاهيم الامن القومى العربى والمصري، الى الحد الذى يهدد وجود مصر، وليس دورها كما فى حالة السدود الاثيوبية. لذلك لابد من اعادة تحديد مفاهيم الامن القومى المصرى والعربى طبقا لمعطيات الجيو-استرتيجية، وللقوانين التاريخية وذلك على النحو الآتي:
أن مصر هى قلب المنطقة العربية، وهى تحمل مسئولية تاريخية عن الوجود العربى واستقراره وامنه، دون تدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية، ومع كامل الاحترام للسيادة، وانما من خلال التعاون والتفاهم والمصالح المتبادلة.
أن تكون مصر هى بيت العرب واحدا من اهم اسس الامن القومي، وهذا يعنى ان تكون جامعاتها قبلة للطلاب العرب، وبصورة لا تختلف عن الطالب المصرى سواء فى القبول، او المصاريف الدراسية، لان تكوين عقلية النخب العربية هو اهم عامل فى ضمان الامن القومى العربي.
-أن حدود مصر الاستراتيجية هى جبال طوروس شمالا ومنابع النيل جنوبا، ومن الخليج العربى شرقا الى جبال اطلس غربا، وهذا هو الامن القومى المصرى والعربي، لذلك فان استقرار وامن هذه المنطقة هومصلحة استراتيجية عليا لمصر، وعليها ان تتخذ من التدابير والخطط ما يحقق ذلك.
أن العلاقة مع الدول العربية لا تحددها المصالح السياسية والاقتصادية، وانما تحددها عوامل الجغرافيا والتاريخ، لذلك عندما لا تتحقق المصالح لايمكن ان يكون الابتعاد او العزلة بديلا.

إعادة تشكيل علاقات مصر مع الدول العربية من خلال دور قيادى وريادي، يتحقق من خلال الاحترام المتبادل، وتعظيم المنافع لجميع الاطراف، واحترام الخصوصيات والتخلص من رواسب المرحلة الناصرية فى هذا الخصوص.
إلغاء فكرة المحاور والاحلاف والتخلص من عقلية مع وضد، والغاؤها من قاموس السياسة الخارجية المصرية فى كل ما يتعلق بالشأن العربي. واستثمار طاقات مصر البشرية والعسكرية لتكون فى موقع العطاء المتبادل مع باقى الدول العربية خصوصا دول الخليج.
سابعا- علاقات افريقية تقوم على الروابط الدينية والمصالح الاقتصادية:
فى سبعينيات القرن الماضى اخرجت السياسية الخارجية المصرية مصر طوعيا من افريقيا، واخرجت الازهر معها، فضاعت مصالح استراتيجية اساسية، وتم تهديد الوجود المصرى ذاته لاول مرة فى التاريخ.
ولابد ان تعود مصر الى افريقيا وتعود افريقيا الى مصر من خلال: فتح الاسواق للسلع والخدمات المصرية فى الدول الافريقية وبصورة تنافسية لا تركز على الربح الانتهازى السريع، وانما تعطى جانبا منها لتحقيق المصالح الاستراتيجية. وفتح الجامعات المصرية للطلبة الافارقة ومعاملتهم كالمصريين، وفتح جامعات خاصة لخدمة احتياجات الافارقة مثل جامعة سنجور. وعودة الأزهر وبقوة وكثافة ومهنية الى جميع ربوع افريقيا. كذلك عودة الكنيسة الارثوذكسية الى السودان والقرن الافريقي
تشجيع العمل الخيرى والاغاثى المصرى للعمل وبصورة مستمرة فى افريقيا. ولعب دور تصالحى مع، وبين جميع الدول فى شرق ووسط وغرب افريقيا.
نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟