المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
آن آبلباوم
آن آبلباوم

أخطار الهيمنة الألمانية على أوروبا

الأربعاء 15/أبريل/2015 - 10:35 ص

اجتمعت أزمتان خطيرتان في أوروبا، الأولى في اليونان التي تعصف بها أزمة اقتصادية قد تؤدي إلى انهيار مالي أوروبي أو عالمي. والأزمة الثانية في أوكرانيا حيث قد يشعل اجتياح روسي فتيل حرب أوروبيّة أو عالمية. الأزمتان مختلفتان، لكن المشترك بينهما هو أن القول الفصل الديبلوماسي فيهما يعود الى المستشارة الألمانية، أنغيلا مركل.

من أين آلت هذه السلطة الى ألمانيا؟ في المسألة اليونانية، الأمر يسير على الفهم: يعود شطر راجح من مشاكل الاقتصاد اليوناني الى سلسلة قرارات طالحة اخذتها الحكومات اليونانية المتعاقبة وإلى ضعف الاقتصاد قياساً الى معايير منطقة اليورو. واقتصاد ألمانيا هو الأكبر والأكثر ثراءً وديناميكية في هذه المنطقة. ويساهم دافعو الضرائب الألمان في تمويل المؤسسات الأوروبية التي تقدم القروض الى اليونان، وتملك المصارف الألمانية الحصة الأكبر من الديون اليونانية الخاصة. لذا، لا يستخف بكلمة ألمانيا حين تعلن أنها لن تسمح لليونان بتغيير شروط حزمة الإنقاذ.

لكن فهم مكانة ألمانيا في الأزمة الأوكرانية عسير. منذ الحرب العالمية الثانية، لم تنتهج ألمانيا سياسة خارجية جديّة، ولا تملك جيشاً يعتدُّ به إذ يفتقر الى العتاد. لذا، عندما تتحدث ألمانيا عن الدفاع لا أحد يستمع، خصوصاً الرئيس الروسي.

والأزمة في أوكرانيا بدأت، اثر تظاهر الأوكرانيين آملين بالتقرب من الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم أن بروكسيل تملك نظرياً سياسة خارجية فاعلة، إلا أنّ هذه السياسة هشة. فألمانيا ساهمت في إضعافها وتقويضها، وهي اليوم تتجاهلها. وكان في وسع برلين انشاء مجموعة اتصال غربية حول أوكرانيا، تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبولندا وهولندا. وقدرة هذه المجموعة الدفاعية يعتد بها ولا يستخف بنفوذها في السياسة الخارجية.

لكن برلين لم تفعل، وهي اليوم تهيمن على المفاوضات مع روسيا حول أوكرانيا بسبب حسبان مركل أنها قادرة على حل الأزمة عبر علاقتها الشخصية بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ولكن بعد عشرات المكالمات الهاتفية، والفشل في تحقيق أي شيء، سافرت مركل الى مينسك مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للتفاوض على وقف نار لم يثمر. وبدل وقف القتال، شن «الانفصاليون» الموالون لروسيا هجمات، واستولوا على بلدة ديبالتسيفي.

وساهم تواضع مركل، وربما «جندرها»، في تسامح الآخرين مع القوة الألمانية التي كانت موضع قبول في العقود الخمسة الماضية لأنها كانت غير أحادية. ومنذ الأزمة المالية في 2009 وضعف إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، هيمنت ألمانيا على السياسة المالية في منطقة اليورو. وبدا انها الوحيدة القادرة على توجيه دفة الخروج من الأزمة المالية. ويبدو، اليوم، أن لا أحد قادراً على مساعدتها في إدارة الأزمة الأمنية في أوروبا. ولم يتخيل أحد أن العالم سيصل إلى مرحلة تتفاوض فيها ألمانيا في شكل مباشر مع روسيا، أو أن تكون فرنسا ضعيفة، وبريطانيا منصرفة الى أمورها الداخلية والولايات المتحدة غير مهتمة. وإذا انتهت الأزمة المالية اليونانية الى الفشل، وانسحبت أثينا من منطقة اليورو، قد يتحول الرد ضد ألمانيا الى رد عنيف ضد كل المؤسسات الأوروبية التي يحسب الناس انها في قبضة برلين.

لكن الأخطار في أوكرانيا أكبر. فمركل ضمنت اتفاق وقف نار لا تملك فرضه. وإذا فشل، فجعبتها خالية من خطة بديلة، على رغم أنها لمحت الى إمكان تخلي أوكرانيا عن الأقاليم الشرقية، وبناء «جدار برلين» حولها في منطقة منزوعة السلاح، وتشديد الرقابة على حدودها. لكن تنفيذ هذه الخطة يقتضي أن يعامل الغرب ما بقي من أوكرانيا مثلما عامل ألمانيا الغربية، أي دعمها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً من أجل ردع روسيا. واليوم، ليس هناك ما يشير إلى أن ألمانيا أو أي بلد آخر على استعداد لتقديم مثل هذا الدعم. وتخسر أوكرانيا السيطرة على نواتها الصناعية في الدونباس امام سلطة موالية لروسيا. وقد تتوسل موسكو هذه المنطقة لزعزعة استقرار الدولة الأوكرانية، وربما لتوسيع سيطرتها على الأراضي، أو لتهديد حلف شمال الأطلسي. ولا شك في ان قدرات الرئيس الروسي محدودة بسبب الانهيار الاقتصادي، لكن الأزمة اليونانية قد تشل قدرات أوروبا نفسها. وإذا بلغت الأزمتان الذروة في آن، جلت صورة ألمانيا المنفردة بالسلطة على وجه الغطرسة والتعسف. نقلا عن الحياة

 

* مؤرخة، معلّقة سياسية، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 20/2/2015، إعداد علي شرف

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟