المسؤولون الصينيون مفتونون بالشعارات. تذكرت ذلك الشهر الماضي أثناء «منتدى تنمية الصين»، وهو لقاء سنوي لكبار المسؤولين الصينيين ورجال الأعمال الدوليين والمثقفين السياسيين. شعار المنتدى في العام الحالي «الحدّ الطبيعي الجديد». أوضح نائب رئيس الوزراء وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي الصيني، جانغ غاولي، أن الشعار يعني: أولاً، «بقاء التنمية مهمة الصين الأعلى»، على رغم انخفاض معدلات النمو. ثانياً، إن نموذج النمو السابق «الذي يتميز بضخّ الكثير من الموارد واستهلاك كبير للطاقة واعتماد زائد على الطلب الخارجي، لم يعد ملائماً». ثالثاً، ما زال الصينيون يتمتعون «بفرص استراتيجية»، لذلك هم «واثقون تمام الثقة بمستقبلهم».
هل يتعيّن علينا أن نكون على القدر ذاته من الثقة؟ أرى سببين يتيحان أن يكون الجواب «نعم»، وسببين قد يجعلانه «لا». السبب الأول لجعل الجواب «نعم»، هو الأداء السابق. نما إنتاج الصين المحلي للفرد (مقارنة بالقوة الشرائية)، من اثنين في المئة من المستوى الأميركي في 1980 الى 24 في المئة العام الماضي، وفقاً لصندوق النقد الدولي. إنجاز كهذا بالنسبة الى بلد شاسع المساحة، يُعتبر استثنائياً. بغض النظر عما نعتقد عن سياساته، يتعين علينا الاعتراف بالكفاءة الكامنة وراء هذا النجاح الذي غيّر العالم اقتصادياً، وهو في سبيله الى تغييره سياسياً.
السبب الثاني لجعل الجواب «نعم»، هو أن البلاد تملك قوى وإمكانات ضخمة. الشعب الصيني معروف بقدرته على العمل الشاق، وتوجّهه الى التعلّم وإنشاء المؤسسات. وتقترب معدلات الادخار الوطنية من الخمسين في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وعلى رغم أن ذلك يمثل معدل استثمار مرتفعاً، فإن البلاد من كبار الدائنين.
يضاف الى ذلك، أن الإنتاجية ما زالت متأخرة بأشواط عن نظيرتها في البلدان ذات المداخيل المرتفعة. ووفق ما لاحظت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» في مسحها الحديث للصين: «أخذاً في الاعتبار أن نصف السكان تقريباً ما زالوا يقيمون في الأرياف، فإنه يمكن زيادة الإنتاجية عبر الهجرة المستمرة الى المدن التي توّفر المزيد من الأعمال المدنية المنتجة». إصلاح نظام تسجيل الملكية وتحريره، سيعززان هجرة كهذه.
التحوّلات المقرّرة نحو اعتماد أكبر على قوى السوق، ونظام قانوني ذو أداء قابل للتوقع، ونظام ملكية أقوى واستهلاك عام، عوامل قد تحرّر المزيد من الإمكانات لعقدين مقبلين من النمو الرامي الى اللحاق بالآخرين، على رغم أن إيقاعه كان مراقباً أكثر في العقود الأخيرة. مع سجّل كهذا وإمكانات كتلك، لماذا يشكّ أي كان في قدرة الصين على النمو السريع ولأعوام مقبلة؟
السبب الأول، أن النمو السريع يشبه ركوب دراجة: تستمر في السير سيراً جيداً ما دام السائق يحافظ على السرعة. ما إن تبطّئ حتى تبدأ بالترنّح. هذا ما يجعل التحكّم بالتباطؤ شديد الصعوبة. وإبطاء اقتصاد غير متوازن صعب صعوبة خاصة. الجانب الأبرز من الاقتصاد اللامتوازن هو معدل الادخار المرتفع، وبالتالي الاعتماد على الاستثمار كمصدر للطلب. لكن عند تباطؤ الاقتصاد، يرجّح هبوط الطلب على الاستثمار بما يفوق نسبة التباطؤ. علّة ذلك أن الاستثمار السابق جرى على افتراض حصول نمو سنوي يبلغ العشرة في المئة. ومع تباطؤ النمو تباطؤاً ملموساً، سيصبح فائض القدرة الاستيعابية ملازماً ملازمة مزمنة للاقتصاد. ما الذي سيفعله الناس عندما يمتلكون فائضاً في القدرة الاستيعابية؟ يتوقفون عن الاستثمار. لهذا السبب تحتاج حكومة الصين أيضاً الى الحفاظ على النمو: إذا أخفقت في ذلك، قد ينهار الاستثمار مترافقاً مع آثار كارثية.
هذا ليس كل ما في الأمر. اندماج الدين المفرط مع اقتصاد متباطئ، يلحق أضراراً جسيمة. بيد أن هذا ما أنشأه الاستثمار المستند الى القروض والملكية. وفيما يتباطأ النمو، كذلك ستكون الحال بالنسبة الى القدرة على خدمة الدين. تراجع القدرة على خدمة الدين سيولّد «ركود صحيفة التوزان» في الطلب. هذا ما دفع الاقتصاد الياباني نزولاً في التسعينات. إذا أريد للاقتصاد الصيني التحوّل الى حدّ طبيعي جديد على أساس مستقر ومستديم، يتعين عليه تجنّب انهيار مشابه. ويسهل جداً تصوّر أن الصين ستصل على المدى القريب الى معدل فائدة يقارب الصفر.
وقد تضطر الحكومة قريباً الى زيادة عجزها المالي زيادة ملموسة، خصوصاً إذا كانت الحكومات المحلية المثقلة بالديون قادرة على إجراء التخفيضات على الفائدة. وربما، يموّل المصرف المركزي الصيني زيادة العجز الحكومي مباشرة. وإلا قد تضطر الحكومة الى الاقتراض من المصارف التجارية، وتسرع نمو سوق السندات. وفي ظل نسبة دين عام تصل الى الخمسين في المئة وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فمن المؤكد وجود حيّز للمزيد من الاقتراض.
كيفية تدبّر الصين هذه التصحيحات، محمّلة بالتداعيات بالنسبة الى بقية العالم. وقد أدى التباطؤ الصيني بالفعل، الى تخفيض أسعار السلع. وإذا حصل هبوط قاس للاستثمار المحلي فيما يظلّ الادخار مرتفعاً، فقد تنهار الفوائض التجارية. وعلى العالم أن يصلّي لتنجح السلطات الصينية في إدارة هذا التحوّل. ولا نجرؤ على تخيّل الخيار المقابل. نقلا عن الحياة
* معلق اقتصادي، عن «ذي فايننشال تايمز» البريطانية، 7/4/2015، إعداد حسام غياتي