لم يبرم عقد السلاح بعد، ولكن باريس ووارسو سارعتا إلى الاحتفاء به: فبولندا اختارت التفاوض الحصري مع «أرباص إليكوبتير» لشراء 50 مروحية عسكرية مخصصة للنقل من طراز «أش 225 أم كاراكال». وإبرام هذا العقد مرتقب في أيلول (سبتمبر) المقبل، وقدره بليونا يورو. ويتوقع أن يبدأ تسليم المروحيات عام 2017. والعروض المنافسة أميركية اقترحتها شركة «سيكورسكي» لبيع مروحية «أس- 70 بلاك هوك» وشركة أغوستا وستلاند الإيطالية لبيع مروحية «أدوبلفي 149». وإثر هذا العقد «تدخل بولندا نادي كبار صناعة الدفاع الأوروبية»، يقول مقرب من وزير الدفاع الفرنسي، جان- إيف لودريان. ويرى مصدر ديبلوماسي بولندي أن هذا القرار يعزز التعاون العسكري بين بولندا وفرنسا في العمليات العسكرية والقطاع الصناعي، على حد سواء. وثمة مركز أبحاث تابع لشركة «أرباص» في بولندا، ويتوقع أن تفتح الشركة فرعاً لجمع المروحيات في مرحلة أولى، ومركز إنتاج في مرحلة ثانية. وفي وسع الشركة بيع مثل هذه الأجهزة في أوروبا الوسطى انطلاقاً من بولندا. وهذه تغرد خارج سرب الدول الأوروبية. فهي قررت رفع موازنتها العسكرية. وهي بذلت 33.5 بليون يورو للاستثمار في مشروع تحديث جيشها بين 2013 و2022. وتبلغ موازنتها الدفاعية السنوية 8 بلايين يورو. وإرساء بنى الدفاع الأوروبي يقتضي التقرب من دول مثل بولندا وألمانيا، فهما سترفعان موازناتهما الدفاعية في الأعوام المقبلة.
ولكن الشركات الأميركية هي من سيفوز بحصة الأسد الاستراتيجية من سوق السلاح: شبكة دفاع مضادة للصواريخ سعرها 6 بلايين يورو من 2015 إلى 2022. وعروض شركة «أمبيدي أ» و «تايلس» لم تصمد أمام المنافسة الأميركية. وتقر باريس بأن الأميركيين يتفوقون على مصانعها في هذا المجال. ولكن المفاوضات على قدم وساق مع فرنسا لشراء مروحيات هجومية. واقترحت «أرباص» عليها مروحيات من طراز «تيغر». والانفتاح البولندي على الصناعة العسكرية الأوروبية لم يكن يسيراً. فالأميركيون رغبوا في الفوز بالعقود كلها، و «مارسوا ضغوطاً سياسية كبيرة على وارسو»، يقول مقربون من لودريان. وتوسلت واشنطن نفوذها في أوساط نقابات المصانع الأميركية في بولندا لحمل السلطات البولندية على إبرام صفقة سلاح معها.
وسعت باريس إلى طمأنة وارسو، وزار لودريان ولوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، والرئيس فرانسوا هولاند، بولندا أكثر من مرة. وأولت فرنسا الأولوية للفوز بعقد تسلح مع بولندا، ولم ترغب في خسارة مثل هذه الفرصة، على نحو ما حصل في 2002 حين اختارت وارسو شراء مقاتلات أميركية من طراز «أف 16». وتجمع المصادر في وارسو وباريس على أن المفاوضات لم تتناول الخلاف على بيع روسيا حاملات الطائرات «بي بي سي ميسترال». ولا يخفى أن بولندا لا ترغب في أن تسلم فرنسا «ميسترال» إلى روسيا التي تضمر مشاريع غامضة. وهذه الصفقة مع موسكو كانت شائكة. لذا، حين تمّ إبرامها، حرص وزير الدفاع الفرنسي على إبلاغ نظيره البولندي، توماز سيمونياك - الذي التقاه حوالى 15 مرة منذ 2012 - شخصياً بها.
وفي وقت تتوالى فصول الأزمة الأوكرانية، ضاعفت باريس إجراءات «طمأنة» وارسو. فمنذ الإثنين الماضي، نشرت دبابات «لوكليرك» ومركبات «في بي سي آي» المصفحة في بولندا. وفي نيسان (ابريل) 2014، نشرت هناك 4 طائرات «رافال». نقلا عن الحياة
* مراسلان، عن «لوموند» الفرنسية، 23/4/2015، إعداد منال النحاس