المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ميخائيل كاسيانوف
ميخائيل كاسيانوف

بوتين في موقع ضعف

الأربعاء 29/أبريل/2015 - 11:39 ص

يقال ان وراء اغتيال بوريس نيمستوف مواقفه المنحازة الى «شارلي إيبدو». وهذا القول سخيف. فنيمستوف كان يدافع عن حرية التعبير، ولكنه لم ينبذ بكلمة ضد الاسلام. وفي وقت أول سعت السلطات الروسية الى تصوير الاغتيال على انه ثمرة مؤامرة الاستخبارات الغربية أو الاوكرانية. ولكن الرأي العام الروسي لم يقتنع بهذا الكلام. ففبكرت قصة «شارلي ايبدو» التي لم تلقَ صدى كبيراً. فبدأ الكرملين الترويج لفكرة ان الاغتيال هو «جريمة قتل من غير دافع». وشاغل السلطات الروسية هو نفي صفة الاغتيال السياسي عما لحق بنيمستوف ودحض احتمال ان الآمر بالقتل يعيش في روسيا. وأعتقد ان فلاديمير بوتين ليس الآمر بالاغتيال. فلا مصلحة له فيه في وقت يسعى الى تجنب اندلاع اضطرابات داخلية ولا يريد تعميق هوة الثقة بينه وبين الشعب، وبينه وبين الطبقة الوسطى على وجه التحديد. ولكن الرئيس الروسي أرسى مناخاً سياسياً في روسيا ساهم في نشوء تربة اغتيال خصبة. فمنذ عام الى اليوم، أي منذ شجبنا، بوريس (نيمستوف) وأنا، ضم القرم الى روسيا، درجت البروباغندا الرسمية على وصفنا بالطابور الخامس. ودار كلام بوتين على «أعداء الداخل».

ولا أعتقد ان بوريس قتل جراء عزمه على نشر تقرير عن دور الجيش الروسي في أوكرانيا. فهو لم يكن أنجز التقرير بَعد. وقتله عشية تظاهرة معارضة كبيرة كان يؤدي دوراً قيادياً فيها، هو رسالة أراد الآمر بالقتل ابلاغها الروس مفادها انه قادر على التحرك حين يشاء وحيثما يشاء، ولو أمام الكرملين. ويرجح أنه شخصية أو مجموعة وثيقة الصلة بالنظام رغبت في إفهام بوتين انه ليس الحاكم بالأمر، وهي تسعى الى حمله (بوتين) على سلك نهج أكثر تشدداً. وتمسك الاستخبارات السرية بمقاليد المنظمات اليمينية المتطرفة، وثمة احتمال أن الآمر بالاغتيال من صفوف هذه الاستخبارات. وقد يكون اغتيال بوريس آخر فصل من فصول نزاع دموي سري بين جناحين: جناح الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، وجهاز الاستخبار الفيديرالية الامنية «أف أس بي». والغاية من الاغتيال حمل بوتين على ترجيح كفة أحد الجناحين في الاقتصاد.

والخوف يسري في أوصال الروس، وأنا منهم.... وأنا رئيس الوزراء السابق الوحيد الذي رفع النظام عنه الحماية. فمنذ معارضتي بوتين، حرمتُ من الحراسة الخاصة برؤساء الوزراء السابقين. وانا مراقب، ولم تعد الاستخبارات السرية تتخفى حين تلاحقني، وخصوصاً قبيل التظاهرات السياسية. ولن أسلك طريق المنفى. فروسيا بلدي، وعليّ البقاء. وإثر موت بوريس، هاجر عدد من الشخصيات المعارضة. وعدد الأسماء المعروفة في صفوف المعارضة صار قليلاً. واغتيال بوريس نيمستوف هو منعطف من غير شك. فالمثقفون والطبقات الوسطى بدأوا يغيرون نظرتهم الى النظام وتقويم أدائه في العقد ونصف العقد الماضيين.

ولا انتخابات حرة في روسيا. وتنظيم مثل هذه الانتخابات متعذر إذا لم ينتزع الحق بها في الشارع. فالنظام لن ينظم عملية اقتراع نزيهة ما لم يضطره الشعب الى الامر. ومثل هذه العملية هو السبيل اليتيم الى انتقال سلمي. وترمي المعارضة الى انتخابات حرة يتنافس فيها مرشحو كل الاحزاب وحيازة حق الدعاية الانتخابية على شاشات وسائل الاعلام. وموعد الانتخابات التشريعية المرتقبة هو كانون الاول (ديسمبر) 2016. وكان حرياً ببوتين النزول على مطالب الشارع قبل ثلاث سنوات ونصف. فإثر التظاهرات الكبيرة في 2011، بدأ مناقشات دارت على قانون انتخابي جديد أكثر عدالة. ولكن حين خبت حركة الشارع، قطع المفاوضات وشن حملة قمع. وتبرز الحاجة الى حمله على العودة الى طاولة المفاوضات. واليوم الفرصة سانحة. فهو في عزلة دولية ومعدلات البطالة ترتفع. وعليه، أحسِب أن تحرك الشارع اليوم قد يحمله على قبول التفاوض من جديد.

وعلى رغم ان نسبة تأييد الروس ضم القرم بلغت 85 في المئة، تقتصر نسبة تأييد بوتين لولاية رئاسية جديدة على 53 في المئة. وهذا الاحصاء يعود الى ما قبل الحرب في اوكرانيا واندلاع الازمة. ولذا، تسعى السلطات الروسية الى اخفاء حقيقة مقتل عدد كبير من الجنود الروس في الدونباس. فإذا بلغ الروس عدد قتلى جنودهم في أوكرنيا، لا مفر من أن تنقلب شريحة كبيرة منهم على بوتين.

وليس فلادمير بوتين منظراً عقائدياً ولا صاحب عقيدة استراتيجية. فهو ليس ستالين. ولا يرمي الى بلوغ مأرب محدد، على غرار بعث امبراطورية كبيرة. ولكنه لن يفوت فرصة تسنح لزيادة نفوذه وتعزيز مكانته. وأعتقد أنه هاجم أوكرانيا ليضطر الغرب الى مفاوضته حول مصير القرم. ولكن رد الغرب على اقتطاع شبه الجزيرة المعتدل حمله على الاحتفاظ موقتاً بالدونباس. وحين يشعر بمكمن ضعف عند الآخر، يتقدم. ولكن الغرب لم يقاومه الى اليوم فعلاً. وفي مينسك، حاز ما يريده من التزامات على الورق حين مفاوضة ميركل وهولاند. وإذا لم تعدل نتائج اتفاق مينسك في الحوادث الميدانية، حقق نصراً كاملاً. وحينها يبادر الى وضع اليد على مولدافيا وبعدها على دولة من دول البلطيق.نقلا عن الحياة

* رئيس وزراء روسيا السابق، عن «لوبس» الفرنسية، 16/4/2015، إعداد منال النحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟