المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
فاريبا عادلخا
فاريبا عادلخا

دلالات اتفاق لوزان وآفاقه الداخلية الإيرانية

الأربعاء 29/أبريل/2015 - 11:45 ص

كشف محمد جواد ظريف، وزير خارجية الجمهورية الإسلامية (الإيرانية)، عن معنى اتفاق لوزان حين وصفه، في لغة الديبلوماسية التي يتقنها، بأن نتيجته هي «ربح - ربح». فوراء العبارة الشائعة والمتداولة تكمن جدة لا سابق لها هي ان الولايات المتحدة وإيران خرجتا من مجابهة تقوم على معادلة «صفرية» (ما يربحه طرف يخسره الآخر). فكلاهما في مقدوره أن يجني ربحاً من المفاوضات والانخراط فيها. والمحادثات التي مهدت الطريق، في 2013، الى المفاوضات كانت بمثابة صفحة أولى طويت. وها هي صفحة ثانية ليست أدنى مكانة من الأولى، تطوى بدورها.

ولا يقتصر محمد جواد ظريف على تهنئة نفسه بالربح الذي يؤكد أنه جناه - ومراقبون كثر يرون أن إيران نزلت عن أمور كثيرة -، بل يتخلى كذلك عن تصوير نظرائه في صورة الخاسرين من الاتفاق. وتصريحاته تخالف مخالفة حادة الخطابة الثورية والمتعالية التي دأب المسؤولون الإيرانيون على التوسل بها. وهي قرينة على الأهمية التي توليها طهران لعودتها الى المجتمع الدولي أو أممه. وأيد الرئيس روحاني رأي وزير خارجيته حين قال ان المفاوضات «مرحلة أولى على طريق الدخول في تفاعل بنّاء مع العالم».

ولا يشك أحد في أن الصفحات التي ينبغي أن تطوى، قبل تذليل الخلافات بين إيران والغرب وبين إيران وجزء من العالم الغربي منذ 1979، كثيرة. ولكن لا شك كذلك في أن ثمة ما لا عودة عنه بُلغ أو أنجز، تجاوز الطرفان الصفحة الثانية الى الاتفاق النهائي أم لم ينجحا في صوغه قبل 30 حزيران (يونيو). فحقيقة ذوبان الجليد النفسي بداية في نزهة محمد جواد ظريف وجون كيري على ضفة بحيرة ليمان، وفي تعزية كيري أخا حسن روحاني بوفاة والدته.

ومن يصف نتيجة المفاوضات بـ «ربح - ربح» يضمر وصفها، من ناحية أخرى، بـ «خسارة - خسارة». وغير الراضين عن الاتفاق، غربيين وعرباً، معروفون. فما هي الحال في إيران؟ لعل إحدى نتائج اتفاق لوزان هي التفاقم المحتمل لوضع إيران المالي. فاستئناف انخفاض سعر النفط هو النتيجة المترتبة على توقع السوق عودة إيران الى المشاركة فيه. وأما الاتفاق نفسه، فإلى اليوم لم يعرب إلا جناح واحد من الحرس الثوري عن تحفظه عنه. وغالباً ما يُفترض هذا السلك العسكري متحداً ومتماسكاً، ويُحمل خطأ وتعسفاً على الحاكم بأمره في الجمهورية الإسلامية (الإيرانية). والأرجح أن يساور هيئات رجال الأعمال، والأوساط القريبة من الأجهزة الأمنية، قلق من إمكان خسارتها مصادر ثروتها الناجمة عن التفافها على العقوبات، ودرايتها بسبل الاستفادة من خبراتها منذ الثمانينات.

ومن ناحيته، يداري مرشد الثورة، علي خامنئي، الإفصاح الواضح عن موقفه، ويتعمد الغموض. فهو الرابح التلقائي من المواجهة الجارية والعسيرة. وكان أعرب عن شكوكه من غير أن يعارض التفاوض. وأعد العدة ليقطف ثمار التوقيع أو ثمار الإخفاق. فهو لا يزال مركز توازن النظام والقاسم المشترك بين قواه وأجنحته. وربما كان الرئيس روحاني ووزير خارجيته المنتصرين الأولين. ودعاهما كبر النفس، أو دعتهما مهارتهما الى إشراك علي أكبر صالحي، المفاوض باسم محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق، في مفاوضات الأسابيع الأخيرة. وينبغي التذكير بأن حسن روحاني، إذا شئنا الدقة، ليس إصلاحياً، على رغم أنه ترأس فريق محمد خاتمي الذي فاوض ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بين 2002 و2005. وانتخب، في 2013، بغية فضّ الخلاف الديبلوماسي مع الغرب، بعد أن انسحب من المنافسة المرشح الإصلاحي الفعلي، محمد رضا عارف. ويمثل حسن روحاني ومحمد جواد ظريف محور النظام. وهما مستودع «منطق الدولة» أو «مرجع أحكامها» الذي جسده طوال مسيرته السياسية، الرئيس الأسبق علي اكبر هاشمي رفسنجاني، الراسخ القدمين على رغم هزائمه الانتخابية المتتالية. ولم يبخل علي خامنئي على الرئيس ووزير الخارجية بتأييده الثابت والقوي أياً كانت تحفظاته.

وإنجاز الاتفاق دليل على تعقيد المشهد السياسي الإيراني وتشابكه. فالجمهورية الإسلامية (الإيرانية) ليست ثيوقراطية، ولا نظاماً كليانياً (توتاليتارياً)، بل هي تجسيد لنظام متسلط يقوم على هيئات متعددة ومتنافسة في بعض الأحيان، على ما وصفها خوان لينز وغي هيرميه وصفاً دقيقاً. فالقوات المسلحة متعددة، شأن أجهزة الأمن، والمنافسة محتدمة غالباً بين هذه وتلك. ويجعل الأمر بت القرارات عسيراً. فالكتل السياسية، بدورها، متعددة. والصحافة، الى حد ما، مرآة تعدد الكتل السياسية، شأن انتخابات شبه تنافسية. ومرآة التعدد الديني كثرة «مراجع التقليد»، أو آيات الله النافذين، ومدارس الفقه. والتعدد الاقتصادي ينجم عن كثرة الفاعلين أو المتدخلين، بدءاً من مؤسسات الحق الخاص التي نشأت بعد الثورة، والمؤسسات الوقفية التي تتولى الإشراف على ممتلكات الأضرحة الكبيرة. ويضطلع المرشد، في هذا الإطار، بدور ناظم العلاقات السياسية. فهو ليس ديكتاتوراً، ولكنه لا يحول دون انغلاق النظام على نفسه بعض الشيء.

وتتجلى مهارة مفاوضي لوزان في اختيارهم أعياد النوروز، رأس السنة (الإيرانية)، لإجراء المرحلة الأخيرة في المفاوضات. ففي 21 آذار (مارس) تُعلّق الحياة في إيران طوال أسبوعين، على أضعف تقدير. وفي غضون هذه الفرصة تصمّ الأذان عن (أصوات) المعارضة أو المناقشة. وتتّفق، رمزياً، خاتمة المفاوضات مع الاحتفال بموسم الربيع والحياة المتجددة. فيُجمع الناس على تهنــئة الوزير بالكد والعـــمل بينما الشعب يحتفل بالسنة الجديدة. ولا يسوّغ هذا الميل مع حمل إيران على مجتمع هانئ ومتآلف.

فانتخابات مجلس الخبراء الأخيرة، وهؤلاء هم ناخبو المرشد، وانتخابات غرفة التجارة في طهران، في 9 و10 آذار (مارس)، تكللت كلتاهما بفوز الخط المحافظ على علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي أخفق في ترشحه الى رئاسة مجلس الخبراء. ولكن فوز محمد يزدي كان، من جهة أخرى، هزيمة لليمين المتطرف الذي مثله محمد المؤمن، القريب من الرجعي محمد تقي مصباح. فصرف الانتخاب قطبي الحياة السياسية النقيضين، وأرسى استقرار الدولة على اليمين المحافظ و «جمعية العلماء المناضلين». وقياساً على بعض الحوادث السياسية، يبدو النهج حكيماً. ففي 9 آذار في شيراز كاد النائب المحافظ علي مطهري، نجل آية الله مرتضى مطهري، المقرّب من آية الله خميني و»الشهيد»، أن يقتل رجماً جزاء طعنه في قانونية الحكم في قادة «الحركة الخضراء» في 2009 بالإقامة الجبرية.

وإيران التي تتـــعاورها أزمات اقتصادية وبيئـــية، ومضاربة عقارية، ويرتدّ عليها انخراطها في النزاع السوري والنزاع العراقي، وربما اليمني، إيران هذه تتربع على فوهة بركان، وهذا البركان ليس نووياً فحسب. وإذا قدمت استمرار الدولة، في أثناء الســنوات الأخيرة، على منازعات الكتل والأجنحة، وشـــهددت مصالحة ظاهرة بين أنصار الجمهورية الإسلامية وبين المدنيين الزمنيين - والفريقان أطلقا حملة «ملـــيون توقيع ضد التمييز في حق النـــساء» - فإيران تضمر طاقة عنف سياسي لا ينبغي أن يستهين بها أحد، وإلا كان كمن يلعب بالنار في منطقة ملتهبة. نقلا عن الحياة

* مديرة بحوث في معهد العلوم السياسية (مركز البحوث والدراسات الدولية)، عن «لوموند» الفرنسية، 18/4/2015، إعداد منال النحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟