المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الغموض والالتباس: الهدنة الإنسانية في اليمن .. ومحاولات خلخلت الأزمة

الثلاثاء 12/مايو/2015 - 10:47 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم نوار
هل تكون الهدنة الإنسانية في حرب اليمن مجرد وقفة لإعادة التقاط الأنفاس؟ أم أنها ستكون بداية لنهاية الحرب؟ الهدنة التي أعلنتها السعودية وقبِلتها الميليشيات التابعة للحوثي وصالح لا تمثل علامة فارقة في الحرب التي بدأت في 26 مارس الماضي، لكنها جاءت بسبب ضغوط حادة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، بعد أن وصلت الحالة الإنسانية في اليمن إلى وضع مأسوي. ومع ذلك فإن الطريق بعد انتهاء الهدنة التي تبدأ الثلاثاء المقبل، لا يزال غامضا وملتبسا.
إعلان الهدنة وسط حشد دولي جاء تأكيدا على مصداقية السعودية في سعيها لحل النزاع في اليمن
أولا- الموقف من الهدنة
لقد اتفق الطرفان على هدنة بينهما بشرط أن يحترمها الطرف الآخر. السعوديون قالوا إنهم يعرضون "هدنة إنسانية" تتوقف بمقتضاها العمليات العسكرية لقوات التحالف العربي أو "عاصفة الحزم" التي انتهت رسميا لكنها مستمرة عمليا، بشرط أن يحترمها تحالف ميلبيشيات عبد الملك الحوثي وعلي عبد اللـه صالح. في المقابل أعلنت الميليشيات موافقتها على الهدنة "بشرط احترام السعوديين لها"! وبينما أعلن الطرفان استعدادهما لوقف القتال اشتدت حدة العمليات القتالية على الأرض بواسطة ميليشيات الحوثي وصالح في أحياء عدن ومحافظة تعز ومدن أخرى منها الضالع وأرحب. كما وسّعت الميليشيات جبهات القتال على الحدود السعودية في إمارتي جيزان ونجران. الطائرات السعودية من ناحيتها شددت قصفها لمدينة صعدة مركز الحوثيين، كما استمرت في  قصف التجمّعات التي تحاول التسلل عبر الحدود اليمنية إلى السعودية. إنها إذن هدنة على شاكلة "سيب وأنا أسيب"! ويبدو أن الأمور ستستمر هكذا حتى خلال الأيام الخمسة التي تم الاتفاق عليها اعتبارا من يوم الثلاثاء 12 مايو 2015.
المسافة بين طرفي الصراع في اليمن، السعودية وإيران، لا تزال بعيدة جدا على الرغم من التنازلات التي يتردد أن السعودية قدمتها بشأن مفاوضات السلام بشأن اليمن
ثانيا- الدور الأمريكي في عقد الهدنة
وقد جاء إعلان هذه الهدنة مباشرة بعد ضغوط أمريكية شديدة على المملكة العربية السعودية، وربما كان لقاء وزيري خارجية السعودية عادل الجبير، ونظيره الأمريكي جون كيري خلال احتفالات عيد النصر في باريس في الذكري السبعين لنهاية الحرب العالمية الثانية، مناسبة لإعلان الهدنة وسط حشد دولي تأكيدا على مصداقية السعودية في سعيها لحل النزاع في اليمن.
لكن المسافة بين طرفي الصراع في اليمن، السعودية وإيران، لا تزال بعيدة جدا على الرغم من التنازلات التي يتردد أن السعودية قدمتها بشأن مفاوضات السلام بشأن اليمن، والتي من المفترض أن تبدأ في الرياض يوم 17 مايو، أي في اليوم التالي لانتهاء الهدنة الإنسانية. وقد أصبح من المشكوك فيه أن تعقد المفاوضات في الرياض، وربما فقط للحفاظ على ماء الوجه قد تفتتح رسميا في الرياض، مع الأخذ في الاعتبار احتمال غياب بعض الأطراف، على أن يتم استكمالها لاحقا في المقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف، وهذا أفضل الخيارات بالنسبة للسعودية في الوقت الحاضر. وكانت إيران قد اعترضت بشدة على دعوة السعودية  لعقد مفاوضات السلام بين الطراف اليمنية في الرياض، ودعت إلى عقدها في جنيف برعاية الأمم المتحدة وبدون تدخل من أطراف أخرى غير  اليمنيين.
وفي اليوم التالي لإعلان عرض الهدنة من جانب السعودية، أعلنت طهران عزمها إرسال مساعدات إنسانسة لحلفائها في اليمن عن طريق الجو والبحر. ونظرا للأضرار التي أصابت مطار صنعاء (برج المراقبة وممرات الهبوط) فإن طهران تعمل على قدم وساق لإرسال باخرة محملة بالمؤن والأغذية والأدوية، وربما الذخائر إلى ميناء الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون. وليس من المعروف على وجه التحديد كيف ستصل المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في المدن والمحافظات المختلفة في الوقت الذي يسيطر فيه الحوثيون تقريبا على الموانئ اليمنية ويهددون مطار عدن. وقد يثبت في النهاية، ما لم يتم تنسيق وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، أن "الهدنة الإنسانية" جاءت لمصلحة الحوثيين وميليشيات صالح وأنصارهما.
وليس من المعروف حتى الآن ما إذا كانت السعودية قد اتفقت مع الولايات المتحدة على آليات لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كل أقاليم اليمن، وإلى كل المحتاجين بصرف  النظر عن ولاءاتهم السياسية. غير أن المعطيات على الأرض تثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصا بالنسبة لدور كل من الهلال الأحمر والصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة إضافة إلى منظمات الإغاثة الدولية المستقلة. إن عدم وجود سلطة حقيقية مسيطرة على الأرض يسمح للميليشيات بأن تكون هي المتحكم في عمليات الإغاثة.
وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تكون هدنة الأيام الخمسة هشة جدا وفضفاضة، تتسع لعمليات كثيرة على الأرض ولقصف جوي في مناطق مختلفة، فإن كل الأطراف ستحاول احترامها يومي الأربعاء والخميس، اللذين يصادفان انعقاد القمة الخليجية- الأمريكية. وسوف يكون الوضع في اليمن أشد النقاط سخونة على مائدة المفاوضات بين الطرفين سواء في واشنطن (اليوم الأول) أو في كامب ديفيد (اليوم الثاني) وأي خرق للهدنة سيلقي بظلاله على المفاوضات بين أوباما وبين زعماء دول مجلس التعاون الخليجي. ولهذا السبب قد تزيد استفزازات ميليشيات الحوثي وصالح للسعودية ولليمنيين خصوصا في المدن المقاتلة الرئيسية عدن وتعز والضالع، وكذلك على الحدود الجنوبية للسعودية. وقد تؤدي هذه الاستفزازات إلى إفساد القمة وجرفها بعيدا عن موضوعها الرئيسي الذي يتمثل في ضمانات أمنية تطلبها دول مجلس التعاون الخليجي من الولايات المتحدة في مقابل الاتفاق الذي من المتوقع إعلانه رسميا بين مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا) في أواخر الشهر المقبل.
تشترط الولايات المتحدة لتقديم تطمينات إضافية لدول مجلس التعاون أن تقوم هذه الدول بإجراء إصلاحات عميقة في نظمها السياسية والاجتماعية
ثالثا- المأمول من قمة كامب ديفيد
وقد طلبت الولايات المتحدة من القاددة الخليجيين قبل ذهابهم إلى واشنطن أن يأتوا إليها بأفكار ومقترحات خلاقة وغير تقليدية من أجل الحصول على تطمينات من الولايات المتحدة بضمان أمن دول  الخليج. ومع ذلك فإن واشنطن ستعرض على القادة الخليجيين حزمة من الترتيبات الأمنية، لا تتضمن تغييرا كيفيا في حالة التعاون الدفاعي والأمني بين الطرفين، ولكنها تقدم مزيدا من الترتيبات القائمة مثل التدريبات العسكرية المشتركة ومبيعات الأسلحة والتدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية. ومن غير المتوقع أن تكون هذه الترتيبات الإضافية كافية من وجهة النظر الخليجية.
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تشترط لتقديم تطمينات إضافية لدول مجلس التعاون أن تقوم هذه الدول بإجراء إصلاحات عميقة في نظمها السياسية والاجتماعية، وأن تتولى بنفسها مكافحة التهديدات التي تواجه أمنها القومي من الداخل. وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أن الدور الأمريكي في ضمان أمن الخليج ليس طريقا ذا اتجاه واحد فقط وإنما هو طريق ذو اتجاهين، بما يوضح أن واشنطن مصممة على أن تقوم دول مجلس التعاون بإدخال إصلاحات سريعة تزيد من قوتها على مواجهة الضغوط الإيرانية.
وفي حال بدء مؤتمر للسلام بين الفرقاء في اليمن، فإن الأمم المتحدة قد تتبنى دعوة لمد الهدنة عدة أسابيع، وسوف تساندها في ذلك الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوربي، ربما مع بعض التردد من جانب فرنسا. وفي حال استجابت السعودية لتمديد الهدنة، فإن وضعا جديدا سينشأ على الأرض وفي مباحثات السلام على السواء، تتناقص فيه قوة الحكومة الشرعية للرئيس هادي إلى مجرد طرف في الصراع وترتقي فيه مكانة ميليشيات الحوثي وصالح إلى شريك في "صنع السلام"! وهو ما يصنع الأرضية الملائمة للاقتراح الإيراني بتشكيل سلطة انتقالية موسعة تشارك فيها كل الأطراف، بما فيها الحوثي وصالح، حتى إجراء انتخابات جديدة في اليمن.  البديل سيكون استئناف العمليات العسكرية في اليمن جنوبا وشمالا وعلى الحدود الجنوبية للسعودية إلى أن يقضي اللـه أمرا كان مفعولا! لقد اتخذ السعوديون قرار بدء الحرب، لكن قرار إنهاء الحرب لم يعد بأيديهم.  

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟