المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
قدري غورسال
قدري غورسال

الإرث العسكري في تركيا

الأربعاء 13/مايو/2015 - 11:15 ص

انقلاب 12 كانون الأول (ديسمبر) 1980 هو أسوأ حادث في تاريخ تركيا الحديث وأكبر مصيبة ألمت بعالم السياسة التركية. ولا شك في أن الانقلاب هذا كان من بنات الحرب الباردة بين الشرق والغرب. فإثر الثورة (الإسلامية) في إيران، وبلوغ صدام حسين سدة السلطة في العراق واحتكاره إياها، ودخول الجيش السوفياتي إلى أفغانستان، شاء الغرب أن يرسخ أقدام حليفته تركيا في معسكره بواسطة انقلاب عسكري يولي العسكر زمام الحكم. وشاءت الصدف أن يكون كنعان إفرين في قيادة الجيش حينها. وكان من سوء حظه أن يكون في المنصب هذا في ذلك التاريخ. ولا يمكننا القول إن مبادرته الخاصة قادته إلى الانقلاب. فهو نفذ أوامر ملزمة. وساهمت شخصية إفرين الوحشية وكرهه المثقفين والعلماء وقدراته العقلية المتوسطة، في جلاء الانقلاب الذي فرض عليه، في أبشع صوره. وها هو توفي عن عمر ناهز 98 سنة من دون أن يحاسب على كل جرائمه: حكم عليه بالسجن مدى الحياة قبل عامين بسبب قيادته الانقلاب على الحكومة. لكن ماذا عن آلاف الضحايا من الشباب الذين ماتوا بأحكام إعدام قضائية مفبركة أو تحت التعذيب، وماذا عن من قضى عمره ظلماً خلف القضبان؟

ومدعاة أسف أن الحياة غير عادلة. وعلى رغم أن الله مد عمره ليكون لدينا المتسع من الوقت لمحاكمته، لم نفعل، واكتفينا بمحاكمة سريعة لتهمة الانقلاب ولم يبت قاضي محكمة الاستئناف فيها بعد. مات إفرين، لكن إرثه ما زال حياً. فقوانينه التي حظرت الحديث باللغة الكردية حتى في المنزل، وتعذيبه النشطاء الأكراد في سجن دياربكر تعذيباً وحشياً، هما وراء إشعال فتيل القضية الكردية التي أدمت تركيا طوال عقود- وهي لا تزال، إلى اليوم، من غير حل. عقلية الرجل المتأثرة بالحرب الباردة أطاحت كل الحركات والنشاطات الشعبية والنقابية في تركيا: حل كل الجمعيات والنقابات العامة والعمالية والمهنية وغيرها، وأبقى الرجل على الجماعات الدينية ومؤسساتها فحسب للتوسل بها وقوداً في حربه الباردة، على نحو ما فعل الغرب (في أفغانستان) حينها. والانقضاض على النشطاء اليساريين ومحاربتهم في كل مكان، قضى على ثقافة اليسار العلماني في تركيا التي كانت تعم الأناضول قبل الانقلاب العسكري. وتُرك الأناضول للحركات الإسلامية والدينية التي نمت وكبرت وازدهرت إلى أن بلغت السلطة ممثلة بتيار الإسلام السياسي الحاكم وجماعة فتح الله غولن، وكلاهما ولد من رحم المرحلة التي عقبت الانقلاب، مع افتتاح عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء. واشتد عود نظرية «الإسلام التركي» و«الأناضول المحافظ» جراء إرساء قوانين رمت إلى تغيير البنية الوراثية للمجتمع وثقافته وتحويله قصراً من مجتمع متحرر علماني إلى مجتمع يميني محافظ متدين سياسياً. وأنشأ إفرين هيئة التعليم العالي ليوجه بواسطتها دفة الجامعات ويحكم القبضة عليها. فمنع البحث العلمي وحرية الرأي، وحوّل الجامعات إلى مصانع قمع الرأي وتربة غنية للجماعات المطيعة للحكم، ومركز «غسيل أدمغة» الشباب بمناهج مسيئة لكل تجربة سياسية حرة في تركيا. والأدهى أن إفرين فعل كل هذا من طريق التزام دستوره الذي وضعه عام 1982، والذي تتمسك به اليوم أوساط حاكمة لتعزيز نفوذها السياسي، في وقت ترفع راية العداء لإفرين ولدستوره ونهجه العسكري!

والحق أن أكبر ضرر ارتكبه إفرين كان تشويه صورة مصطفى كمال أتاتورك محلياً ودولياً. فهو وسم كل جرائمه باسمه وبذريعة حماية تعاليمه، فيما أتاتورك منه ومن قوانينه براء. وأنا على يقين من أن تركيا ستخف من إرث هذا الرجل السياسي. ولكن طي هذا الإرث يقتضي بعض الوقت وجهداً من أجل إعادة تركيا إلى جادة الديموقراطية الحقة، وليس رفع شعارات معاداة إفرين والتمسك بإرثه من أجل تعزيز النفوذ السياسي. نقلا عن الحياة

* كاتب، عن «ملييت» التركية، 11/5/2015، إعداد يوسف الشريف

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟