الصين والهند تسعيان إلى إبعاد الخلافات عبر تعزيز التعاون الاقتصادي
حملت الأيام السابقة على زيارة نارندرا مودي الصين، وهي الأولى التي يقوم بها كرئيس وزراء للهند، تذكيراً مزعجاً بالشقاق الجيو - سياسي الذي يفصل بين البلدين، على رغم أنهما يجاملان بعضهما لغايات اقتصادية.
وأفضى نشر صحيفة صينية تعليقاً تحقيرياً لمودي بسبب زيارته ولاية أروناتشال براديش الحدودية التي تطالب الصين بأجزاء منها، إلى غضب شديد في وسائل الإعلام الهندية. وذكر مسؤول رفيع المستوى في نيودلهي أن الحكومة وجهت احتجاجين رسميين في شأن خطط الصين بناء طريق سريع عبر الجزء الذي تسيطر باكستان عليه من كشمير، وهو منطقة حدودية تطالب الهند بها.
ويمثل التراشق اللفظي تذكيراً بعمق التوترات الإقليمية والتاريخية الفاصلة بين مودي وبين الرئيس الصيني شي جينبينغ. وروج المسؤولون الصينيون والهنود لزيارة مودي التي تستمر ثلاثة أيام كرحلة عمل ضرورية تنطوي على إشارة حسن نية وعلاقة قرابة ثقافية قديمة جداً. لكن الزيارة تشكل اختباراً شائكاً لأولويات مودي.
لقد تعهد بتنشيط الاقتصاد في بلاده وبحفاظ صارم على مصالح الهند الأمنية. لكن التعامل مع الهدفين هذين صعب صعوبة خاصة عندما يتعلق الأمر بجار الهند الأكبر والأقوى، والذي تبنى في ظل رئاسة شي خطاً متشدداً في النزاعات الإقليمية. وطغت المواجهة الحدودية على الاجتماع الأول بين مودي وشي قبل ثمانية أشهر.
قد يجني الطرفان الفوائد من تزايد التبادل التجاري والاستثماري بين العملاقين الآسيويين. فالصين تصارع تباطؤ النمو وسترغب في قدرة وصول أفضل إلى الأسواق الهندية لتعويض انخفاض الطلب محلياً وفي أسواق التصدير الأخرى. وفي وسع الهند استخدام الاستثمارات الصينية لبناء محطات طاقة وخطوط سكك حديد وغيرها من البنى التحتية وأن تضخ الحياة في قطاع الصناعات الخفيفة عندها.
وقال الباحث في معهد الدراسات الصينية في دلهي جابن تي. جاكوب أن «رئيس الوزراء مودي يشدد على النقص في البنى التحتية، وأن الحكومة أظهرت موقفاً أكثر انفتاحاً بكثير لأنها، ببساطة، واقعة تحت تأثير جماعات الضغط التابعة لرجال الأعمال والحقائق البسيطة الظاهرة على أرض الواقع: قدرة الصين هي ما يمكن الاعتماد عليه».
ويأتي هذا الاهتمام في الوقت الذي توسع الصين نفوذها السياسي والعسكري في جنوب آسيا، وفي الوقت الذي تتودد فيه حكومات عدة إلى حكومة مودي، خصوصاً اليابان والولايات المتحدة في مسعى إلى تحقيق التوازن مع الصين. ويقول مؤيدو مودي أن في وسعه السير على خطي الأولويات – الاقتصادية والاستراتيجية – بعزم متساو.
والهند التي ظهر اقتصادها قبل عامين بمظهر هش ومرتبك أمام المستثمرين الأجانب، صار يوصف بأنه بقعة ضوء، وتوقع «صندوق النقد الدولي» أن تزيد معدلات النمو في الهند عن مثيلاتها الصينية هذا العام وأن تتسع الفجوة بينها لمصلحة الهند في 2016. لكن اقتصاد الهند لا يزيد عن خمس اقتصاد الصين مع قطاع صناعي ضعيف ومليون طالب عمل يدخلون السوق كل شهر.
بالنسبة إلى شي، تشكل علاقات ثابتة مع الهند حجر الأساس في استراتيجية شي الأوسع لنزع فتيل التوترات الإقليمية والجيو - سياسية عبر توفير الاستثمارات وفرص التجارة وتوسيع نفوذ الصين وتخفيف أثر التحول الأميركي (نحو الشرق الأقصى). ويوضح يي هايلين، الخبير بجنوب آسيا في «الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية» في بكين، أن «السياسات الأساس لكل من الجانبين لم تتغير، لكن هناك تشديداً على التعاون».
وعلى رغم أن الاتفاقات الاقتصادية الموقعة أثناء الزيارة تصل إلى عشرة بلايين دولار وتتيح للشركات الصينية دوراً في توســيع وتطوير شبكة السكك الحديد الهندية وغـــيرها من مشاريع البنى التحتية، إلا أن الروابط الاقتصادية طالما أخفقت في بلوغ الوعود الطيبة التي قُطـــعت أثناء القمم السابقة. ففي عام 2010 تعهدت الحكومتان أن يصل حجم التجارة بين الـبلدين إلى مئة بليون دولار بحلول 2015. بدلاً من ذلك، لم يتجاوز حجم التجارة في السلع العام الماضي 70.6 بليون دولار مع عجز بقيمة 37.8 بليون دولار للهند، وفق معلومات جهاز الجمارك الصيني.
وسيسعى مودي في الصين إلى فتح أسواقها في المجالات «التي تركت الهند فيها بصمات نجاح جلية في العالم، لكن البصمة هذه لم تصل إلى الصين» على غرار الصناعات الدوائية وتكنولوجيا المعلومات وبعض المنتجات الزراعية، على ما قال وكيل وزارة الخارجية الهندي إس. جايشنكار. وفي وسع شركات الهندسة الصينية التوصل إلى اتفاق مبدئي لبناء خط سكك حديد عالي السرعة وهو ما تنافس اليابان أيضاً للحصول عليه.
ومنـــذ اجتماعه بشي في العام الماضي، عزز مودي صلاته مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. وكانت التدريبات العسكرية المشتركة التي قررت الدول الأربع إجراءها قبل ثماني سنوات قد قرعت أجراس الإنذار في بكين التي تدرك أن ثلاثة أرباع إمداداتها من النفط المستورد يمر في المحيط الهندي. وسارعت الصين إلى الشكوى من خطر المناورات، ما أدى إلى إرجاء الفكرة. ثمة إشارات إلى أن حكومة مودي تفكر بإحياء المشروع.
وفي حال أخفق الجانبان في تعزيز التعاون الاقتصادي فقد يرتفع مستوى التوتر بينهما على ما يرى كبير الباحثين في «معهد بروكسيل لدراسات الصين المعاصرة» جوناثان هولسلاغ الذي يضيف «هذه مرحلة اختبارية يحاول الهنود فيها اكتشاف المدى الذي يمكن بلوغه في إقامة شراكة اقتصادية متكافئة. ما من شيء في السياسات الدولية من رفع التوقعات ثم الإخفاق في تحقيقها». نقلا عن الحياة
* مراسلان، عن «ذي نيويورك تايمز» الأميركية، 13/5/2015، إعداد حسام غيتاني