إخفاق النهج الاقتصادي الـ «كينزي» في الانتخابات البريطانيّة
يعود الفضل في فوز حزب المحافظين البريطاني في الانتخابات الأخيرة، الى جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني. وهذه الملاحظة في محلّها من غير احتساب مترتبات انهيار قاعدة حزب العمال في اسكتلندا. وفوز المحافظين وجّه صفعة الى الاقتصاديين الكينزيين، الذين كان شاغلهم في الأعوام الخمسة الماضية، توقّع الكوارث المترتبة على سياسات أوزبورن المالية. وتصدّر هؤلاء بول كروغمان، حائز نوبل الاقتصاد والمعلّق في «نيويورك تايمز»، الذي ندّد في آب (أغسطس) 2011، بأوهام وزير المالية البريطاني ومآل سياساته التقشّفية القاتم.
وكان شاغل أوزبورن، استمالة قطاع الأعمال وكسب ثقته. ووصف كروغمن النهج هذا، بالتعويل على «جنية (أو خرافة) الثقة». ولكن ثقة قطاع الأعمال انبعثت. وتوقع كروغمان أن تؤدي سياسات التقشّف المالي «الكارثية» الى انكماش، وأن ينزلق الاقتصاد البريطاني الى أزمة أفظع من أزمته في الأزمة الاقتصادية الكبرى (1929).
وحذّر في نيسان (إبريل) 2012، من دوران بريطانيا في دوامة موت ينفخ فيها التقشّف. ولكن، على خلاف هذه التوقعات، تصدر أداء الاقتصاد البريطاني اقتصاد مجموعة الدول السبع، في العام الماضي، وبلغت نسبة نموه 2.6 في المئة. وفي 2009، السنة الأخيرة من ولاية حكومة حزب العمال، كان النمو سلبياً وبلغ -4.3 في المئة. ومنذ أيار (مايو) 2010، وفّر الاقتصاد البريطاني 1.9 مليون فرصة عمل، وانخفضت نسبة البطالة الى 5.6 في المئة، أي حوالى نصف معدل البطالة في إيطاليا وفرنسا. وارتفعت معدلات الكسب (العائدات) الأسبوعية الى أكثر من 8 في المئة، وتجاوزت 10 في المئة في القطاع الخاص. وتقلّصت نسبة التضخم الى أقل من 2 في المئة، وتواصل الانخفاض. والسياسة الحكومية الرامية الى إرساء الاستقرار المالي والضريبي انعقدت ثمارها، على رغم أن نسبة تقليص العجز العام لم تبلغ المبلغ الذي سعى إليه أوزبورن. ووفق صندوق النقد الدولي، تقلّص العجز العام الى النصف من 10 في المئة في 2009، الى 5.7 في المئة في العام المنصرم، والعجز البنيوي انخفض من 9.8 في المئة الى 4.2 في المئة.
وعدد قليل من الحكومات أمكنه منذ 1945 الى اليوم، إحراز مثل هذه النتائج الاقتصادية. ولو أصابت استطلاعات الرأي وفاز حزب العمال على رغم إنجازات حكومة المحافظين، لكانت مهزلة. ونتائج الانتخابات البريطانية لا تخرج عن نموذجها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فالحكومات العمالية درجت على النفخ في التضخم المالي أو ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة أو أخفقت في تقليصها. وكان أداء الحكومات المحافظة أفضل. ولكنّ الناخبين لم يكافئوا على الدوام المحافظين على كفاءتهم الاقتصادية. ففي 1945 و1964 و1974 و1997، شعر الناخبون بأن في وسعهم، إثر إنجازات حكومات محافظة، التمتع بحكومة عمالية يعد حزبها دائماً بزيادة الإنفاق على المساعدات الاجتماعية من طريق رفع قيمة الضرائب على الأثرياء.
ولكنّ حزب العمال البريطاني في الحملة الانتخابية الأخيرة، سار على خطى المحافظين. ولكن الناخبين لم ينسوا قيادة الحزب الكارثية قبيل الأزمة المالية وخلالها، ولم يفتهم أن أعلام الحزب العمالي من أمثال أد ميليباند وأد بولز، انساقوا وراء خرافات كروغمان وتوقّعه ركوداً عميقاً. نقلا عن الحياة
* كاتب، أستاذ التاريخ في هارفرد، وباحث، عن «فايننشل تايمز» البريطانية، 11/5/2015، إعداد منال النحاس