يقول الحكماء: «إن من البلاء أن يكون الرأى لمن يملكه دون من يبصرهس» ونحن اليوم فى أشد البلاء؛ حيث نجد أن من يملك القرار قد لا يملك الرؤية ولا البصيرة التى تؤهله لإصابة الهدف وتحقيق المصلحة؛ من خلال قرار صائب فى الوقت المناسب دون استعجال ولا إبطاء، وللأسف هناك طبقة من أنصاف الجهلاء، أو أنصاف العلماء تجيد مهارات الاستحواذ على صناعة القرار؛ دون تأهيل علمى ولا خبرة عملية، وهذه الطبقة ماهرة فى إبعاد كل عاقل مخلص عن دائرة نفوذها، ويزداد هذا الأمر سوءاً فى عالمنا العربى؛ حيث تكاد تنعدم المؤسسات الفكرية التى تقوم بدور بيوت الخبرة Think tanks التى تقدم لصانع القرار تقديراً عميقا للمواقف المحيطة به، وتستشرف المستقبل، وتقترح بدائل وسيناريوهات التعامل معه.
تسارعت فى الآونة الأخيرة مؤشرات التراجع فى العالم العربى بما ينذر بما لا تُحمد عقباه، اليمن يدخل نفقا مظلما لا بريق فى آخره، والعراق يقع بالكلية فى يد الحرس الثورى الإيرانى (الحشد الشعبي)، وسوريا توشك على الزوال، والجيران يتسابقون لقضم ما يمكن أن تهضمه المعدة الكبيرة أو الصغيرة، وليبيا صارت قنبلة ستدمر ذات اليمين وذات الشمال، وتفجيرات المتدعشين الذين ينسبون أنفسهم لفكر داعش تطال الكويت وتونس؛ بعد أن ضربت بقوة فى السعودية، والأمة على أعتاب حرب طائفية.
لقد نسينا ما حدث فى العراق بعد الغزو الأمريكي، فقد استهدف تنظيم القاعدة شيعة العراق بالقتل والتفجير سواء لتجمعاتهم أو لقوافل الزوار، وكان ذلك عقابا لهم، حسب رؤية تنطيم القاعدة، على تسهيل احتلال العراق والسماح للأمريكان بالدخول من مناطقهم دون مقاومة إطاعة لأمر المرجعية، ولم يقم الشيعة فى البداية بالانخراط فى عملية انتقام طائفية واسعة النطاق حتى تم تفجير مقام العسكريين رضى الله عنهما فى سامراء، هنا انفجر الانتقام الطائفى فى العراقة فهل يريد من يقف خلف تفجير مساجد الشيعة فى السعودية والكويت أن يحدث نفس السيناريو؟.
وبغض النظر عمن يقف خلف تنظيم داعش بالدعم المادى أو التسليح أو تسهيل وصول المجرمين إلى سوريا والعراق، وسواء أكان من يقف خلف هذا التنظيم تركيا أو إيران أو بقايا حزب البعث العراقى، أو أى شيطان من أى كوكب؛ فإن العالم العربى وفى مقدمته مصر يحتاج إلى التحرك السريع جدا بخطوات محدددة مثل:
أولا: الاقتداء بملك المغرب فى قراره التاريخى بمنع رجال الدين من الأئمة والوعاظ والخطباء من ممارسة العمل السياسى أو النقابى حفاظا على الطمأنينة والإخاء والأمن فى أماكن العبادة، وفى مصر يجب أن يسرى هذا القرار على رجال الدين المسيحى أيضا؛ فيتم منع الجميع من الحديث فى القضايا السياسية فى أماكن العبادة أو فى وسائل الإعلام أو فى المنتديات العامة؛ سواء أكانوا مع الدولة والحكومة أو ضدها، وليقتصر رجال الدين على رسالتهم التعبدية والأخلاقية؛ فهم للأسف انشغلوا بالسياسة والحزبية عن الدين والأخلاق والقيم؛ فانتشر الإلحاد والفساد الأخلاقى والتحلل الاجتماعى وصدقت فيهم الحكمة التاريخية «تولى ما كُفى وضيع ما تولى».
ثانيا: التعامل مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى على أنها جبهة القتال والمواجهة الأولى للحفاظ على مستقبل المجتمعات العربية، فالحروب الحقيقية تبدأ وتنتهى على هذه الشبكة العنكبوتية، ويكون التنفيذ على الأرض تحصيل حاصل لا يمكن منعه، وهذا يستلزم تشريع قوانين تجرم التحريض ونشر الفكر العنيف، واستهداف أديان أو ملل أو طوائف بالتجريح أو رسائل الكراهية، ومعاقبة كل من يفعل ذلك بما ينص عليه القانون من عقوبات.
ثالثا: مراجعة الفكر الطائفى من كل الاتجاهات مراجعة شجاعة تقوم بها المؤسسات العلمية والجامعات ومراكز البحوث، دون مجاملة أو نفاق أو دبلوماسية مصالح، وتشمل هذه المراجعة كل التيارات والمدارس التى تحض على الكراهية الدينية أو الطائفية، مثل أولئك الذين يستهدفون المسيحيين أو الشيعة، أو أقرانهم الذين يعملون على تنصير المسلمين أو تشييعهم، لابد من فتح الملف كاملا دون مجاملة؛ لان كلا من التيارين يؤدى إلى نفس النتيجة فمن يهاجم عقائد الشيعة يدفع الشباب إلى معاداتهم واستهدافهم، والشيعى الذى يهاجم الصحابة وأمهات المؤمنين يدفع الشباب أيضا إلى معاداة الشيعة واستهدافهم.
رابعا: إصلاح التعليم فى العالم العربى من خلال عمل جماعى، لأن كل ما يقال عن إصلاح الخطاب الدينى ما هو إلا عملية خداع وقتية لتبرير بقاء قيادات دينية فى مواقعها .. الخطاب الدينى الفاشل أو الفاسد هو نتاج لنظام تعليمى فاشل أو فاسد، ولا يمكن إصلاح الخطاب الدينى دون إصلاح عقل حامل هذا الخطاب؛ الذى تم تكوينه فى نظام تعليمى متخلف يحمل كل القيم السلبية التى تنسب إلى الخطاب الديني، إصلاح الجزء لن يتم قبل إصلاح الكل.
خامساً: وقفة عربية موحدة مع الدولة المارقة التى تستخدم قناتها التليفزيونية الفضائية لتفجير العالم العربي، وتستخدم فوائضها الدولارية لتمويل عمليات التمزيق الممنهج للدول العربية من غزة إلى اليمن إلى سوريا إلى مصر، وتتم هذه الوقفة من خلال إما أن يتم لجم هذه الدولة وإعادتها إلى رشدها، أو تتم مقاطعتها بصورة كاملة، ومنع قناة الفتنة من جميع الأقمار الصناعية العربية.
سادسا: موقف عربى موحد من تركيا لوقف تدخلها فى الشئون الداخلية للدول العربية، ووقف دعمها لكل التنظيمات الإرهابية فى سوريا تحت ذريعة إسقاط بشار الأسد، لان الحقيقة أن تركيا سوف تسقط معظم الدول العربية فى حالة من الفوضى، وتبقى على بشار الأسد ليبرر تدخلها فى العالم العربي، أى عاقل أو بنصف عقل سوف يدرك أن الحبل السرى لتنظيم داعش يأتى من الأراضى التركية، من شذاذ الآفاق القادمين من أقاصى الأرض للجهاد ضد بشار وليس لتحرير بيت المقدس، ومن السلاح والمال والنساء، الجميع يمر بالأراضى التركية، وتستطيع تركيا منعه إذا إرادت.
سابعا: موقف عربى موحد من إيران وامتداداتها فى العراق ولبنان سواء على الجانب السياسى أو الجانب الديني، وذلك بالحوار أولا لوقف المشروع الفارسى المبرر دينيا من خلال المراجع المرتبطين بالولى الفقيه، وإذا لم يجدِ الحوار نفعا لابد من مواقف سياسية واقتصادية، وفى كل الأحوال لايجب استدراج العرب إلى حالة عدائية مع إيران أو تركيا، لأن هناك من الأدوات السياسية والاقتصادية ما يكفى لتحقيق الهدف.
لا أظن أن هناك وقتا للانتظار، لأننا لا نعرف في أي مسجد سيكون التفجير القادم؟!.
نقلاً عن الأهرام