المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

العقاب الناجز: سيناريوهات مواجهة ونمو الإرهاب عقب استشهاد النائب العام

الأربعاء 01/يوليو/2015 - 01:12 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. يسري العزباوي

إن عملية استهداف النائب العام، والتي أوْدت بحياته، تعتبر ــ دون شك ــ نقلة نوعية بكل المقاييس في العمليات الإرهابية الإجرامية من حيث المواد المستخدمة في التفجير، فضلاً عن التخطيط ودقة التنفيذ والمتابعة والرصيد الدقيق لتنقلاته. وهو سيترتب عليه مزيد من الجهد، وربما الوقت، من الأجهزة الأمنية المعنية للكشف عن المتورطين في هذه العملية أو غيرها من العمليات السابقة، أو حتى لا قدر اللـه القادمة.

إن القاصي والداني كان يعلم تمامًا بأن هذه الجماعات، التي تتخذ من العنف والدماء دربًا لها، التي تستقوي بالخارج لن تقوم بأي حال من الأحوال في إعادة التفكير فيما تصبو إليه، وإنما حسمت أمرها في تحقيق وتنفيذ كل المخططات التي تحاك ضد الشعب والدولة المصرية، وضدها في نفس ذات الوقت. إن الجميع كان يعلم بأن فاتورة ثورة 30 يونيو ضد حكم جماعة الإخوان الإرهابية كبيرة، وأنهم لن ولم يستسلموا بسهولة – كما فعل مبارك - أو يخضعوا وينصاعوا لحكم الشعب الذي هب وانتفض وثار ضد حكم الاستبدادي والاستحواذي، خاصة وأنهم جاءوا لحكم مصر على دماء شهداء ثورة 25 يناير.  

إن حالة الحزن التي خيّمت على الشعب المصري كله، ما عدا "أهل الشر" كما أطلق عليهم الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء مراسم جنازة الشهيد النائب العام،  تؤكد بأن هذه الجماعات لن تفلح فيما تصبو إليه، وزادت الشعب إصرارًا على الوقوف بجانب الدولة ورئيسها المنتخب، والذي أكد أنه: "لن يستطيع أحد إسكات الشعب المصري.. وأن المواجهة مع الإرهاب و "أهل الشر" دخلت مرحلة الحسم، وأن الدولة المصرية لم تلجأ من قبل إلى يد البطش ولن تلجأ، وذلك لأنها تريد أن تقييم دولة القانون، ولكن بقانون يحقق العدالة الناجزة والسريعة"، التي تؤدي في النهاية إلى الاستقرار وإقامة دولة العدالة، وتحقيق عملية تحول أو انتقال ديمقراطية، دولة يأمن فيها الإنسان على نفسه، ويحقق فيها سعادته.

إن الدولة المصرية لم تلجأ من قبل إلى يد البطش ولن تلجأ، وذلك لأنها تريد أن تقييم دولة القانون

ومن الأهمية القول، إن حادث استشهاد النائب العام سيؤدي بالتأكيد إلى تغييرات كبرى على الساحة المصرية على المستويين القريب والبعيد، وعلى مستوى المواطن البسيط وعلى مستوى أجهزة ومؤسسات الدولة أيضًا. الجميع في حالة استنفار وترقب للقصاص العادل من الإرهابيين ومن يساعدهم ويموّلهم. إن الحادث الأليم استهدف المواطن قبل المسئول، وهو ما يتضح من أن حجم الإضرار التي لحقت بالمواطنين، استهدف الترويع في نهار رمضان، استهدف الاستثمار، استهدف تعطيل الدولة عن التنمية.

أولاً- أهداف تكتيكية واستراتيجية

جاء الحادث قبل يوم واحد من الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو، وذلك بهدف إفساد احتفالات المصريين بهذا المناسبة، والتي تجلّت فيها إرادة الشعب من التخلص من جماعة كانت تهدف إلى الاستيلاء على الحكم لمائة سنة على الأقل، جماعة كانت تريد أن تطبق الخلافة، وأستاذية العالم، منطلقة في هدفها من الدولة المصرية، جماعة تحالفت مع المحتل البريطاني ضد الشعب من قبل، جماعة تحالفات مع الولايات المتحدة وقطر وتركيا ضد راغبات المصريين.

إن القائمين على هذا الحادث بالتأكيد كانوا يرمون إلى عدة أهداف متنوعة: سياسية واقتصادية واجتماعية، كما يلي:

1- خلخلة الثقة بين الشعب والرئيس: حيث يهدف الحادث بالأساس إلى إحداث شرخ ما في العلاقة بين الشعب ورئيسه، والذي فوّضه وانتخابه بأغلبية كاسحة، وذلك من أجل استعادة الأمن وتحقيق العدالة والتنمية واستعادة قوة وهيبة الدولة. إن الهدف الأساس من الحادث هو محاولة إظهار الرئيس ومؤسسات الدولة بأنها عاجزة تمامًا عن حماية أبنائها ومواطنيها، وأنهم جميعًا تحت مرمي نيرانهم، خاصة وأن الشعب لم يقف –من وجهة نظرهم- مع الإسلام ومعهم في مواجهة المؤسسة العسكرية، التي قامت بعزل الرئيس الشرعي من أجل الاستياء على السلطة.

وبناء عليه، فإن الهدف الأساس هو معاقبة الشعب والتنكيل به وبمؤسساته، فضلاً عن تخويفه وترويعه لأنه لم يناصر الحق والعدل، ولم يلقوا بالًا لكل مطالباتهم في ضرورة الخروج معهم في التظاهرات التي كانوا ينظمونها ليلًا ونهارًا، وفي كل المحافظات المصرية.

إن الهدف الأساس من الحادث هو محاولة إظهار الرئيس ومؤسسات الدولة بأنها عاجزة تمامًا عن حماية أبنائها ومواطنيها

2- التنكيل بالقضاة وتخويفهم: حيث يعتبر هؤلاء الإرهابيون القضاء مؤسسة شاركت في عزل مرسي، ولم تقف عند هذا الحد بل كانت، ومازالت، سيف الدولة الموجهة إلى رقابهم، وأنهم يصدرون أحكام جائرة ضدهم، وبالتالي لا بد من التنكيل والقصاص منهم. فعلى سبيل المثال، إصدار الشهيد النائب العام مجموعة من القرارات والأحكام المتعلقة بمصادرة أموال الجماعة والتحفظ عليها، وهو ما أدي في النهاية إلى إصابتها في مقتل، لأنهم كانوا يستخدمون إرباح وعوائد هذه الشركات والأموال في تمويل وتنفيذ المظاهرات والعمليات الإرهابية، وشراء المؤيدين لهم. وبناء عليه، كان هدفًا أساسيًا لهم، وحاولوا استهدافه أكثر من مرة، حتى نجحوا – للأسف الشديد- في فِعلتهم الخسيسة.

بالفعل لعب القضاء، ولا يزال وسيظل، دورًا مهمًا في مواجهة كل المستبدين والفاسدين. فالقضاء الذي يستهدفونه اليوم شهدوا له بالأمس حينما أصدر أحكامًا لصالحهم في عهد الرئيس الأسبق مبارك، وحينما يصدر أحكامًا ضدهم فيصبح قضاءً مسيّسًا وفي يد السلطة التنفيذية، كل هذه الاتهامات وغيرها الكثير والكثير تعود عليها الشعب المصرية من الإخوان وغيرهم من الجماعات المتاجرة باسم الدين. كذا تعودا عليها القضاة، وأنها لن ترهبهم بأي حال من الأحوال، بل تزيدهم عزيمة على مواصلة طريقهم لتحقيق دولة القانون.

 3- تعطيل خطط التنمية الاقتصادية والمجتمعية: فقد نجحت الدولة المصرية في إقامة عدة مشروعات قومية، وما زال العمل يجري في البعض منها، وسوف يتم افتتاح قناة السويس الجديدة، بعد أيام معدودة، شبكة طرق جديدة تنفذ، محاولات جادة لإنهاء بعض الأزمات الاجتماعية الخناقة مثل أزمة الكهرباء، مشروعات قومية للقضاء على أمراض مستوطنة..إلخ. وهو ما يعني بالنسبة لهم القضاء على كل خططهم ومشروعهم إلى الأبد، وبالتالي لا بد من محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى ولو على حساب الشعب، الذي وجد ضالته في رئيس يشعر به لو مرة منذ فترات بعيدة.  

ثانياً- محددات وعوامل مستقبل العمليات الإرهابية

شهدت مصر منذ أربعينيات القرن الماضي أربع موجات متتالية من العنف والإرهاب، كان أخرها في تسعينيات القرن المنصرم، وكانت جميعها من الإخوان أو من الجماعات التي انبثقت عنها، واستهدفت أيضًا كبار المسئولين في الدولة وقضاه وسياسيين وكبار الصحفيين والمفكرين والمثقفين، كما استهدفت أيضًا مؤسسات الدولة والسياحة. وقد أكدت الموجات الأربع على عدة أمور: أولها أنها فشلت جميعًا في ترويع أو تخويف كبار رجال الدولة ومؤسساتهم، بل زادتهم قوة وصلابة في مواجهة هذه الموجات والهجمات الإرهابية. ثانيها، وقوف الشعب بجوار رئيسه وقيادات الدولة، ولم تزحزح الثقة بينهم قد أنملة، بل العكس تمامًا ما حدث، حيث زادت أو على الأقل حافظت هذه العمليات على شعبية الرؤساء، وأعطتهم المبررات الكافية لمزيد من فرض الإجراءات حتى ولو كانت استثنائية في مواجهة الإرهابيين والحركات المتأسلمة.

فشلت الموجات الإرهابية في ترويع أو تخويف كبار رجال الدولة ومؤسساتهم، بل زادتهم قوة وصلابة في مواجهة هذه الموجات والهجمات الإرهابية

ثالثها، لم تستطيع أية جماعة إرهابية أو حركة سياسية في هزيمة الدولة المصرية أو حتى فرض شروطها عليها، بل العكس هو ما حدث، حيث استوعب الدولة الضربات والهجمات وعاودت مرة ثانية الهجوم وهزيمة ودحر الإرهاب بعد فترات سريعة تالية. فلم نقرأ من قبل عن أية جماعة سياسية أو دينية استطاعت أن تفرض شروطها على المصريين أو على النظام السياسي القائم في أي وقت من الأوقات. أضف إلى هذا الاستعمار، الذي ساعد على إنشاء هذا الجماعات ومولها ودربها والتي تحالفت معه أيضًا، لم يستطع أن يفرض سطوته وشروطه على الشعب المصري، بل على العكس فقد انصهر ما تبقّى منه داخل هذا الوطن الذي لم يتأثر مثل غيره من الشعوب بثقافة أو دين المحتل في أي يوم من الأيام.   

وبناء عليه، فإن سيناريوهات موجات العنف في البلاد بعد فاجعة المصريين باستشهاد النائب العام، سوف تتوقف على عدة محددات وعوامل، كما يلي:

1- إعادة النظر في طريقة عمل الأجهزة الأمنية والشرطية، حيث أصبحت هناك حاجة ضرورية وملحة، أكثر من قبل، في إعادة النظر في خطط وطرق تأمين كبار المسئولين والمواطنين في الدولة. وهو ما يستدعي التفكير خارج الصندوق، فضلاً عن ضرورة تطوير وتقوية أجهزة المعلومات، ومحاولة اختراق الجماعات الإرهابية، وإيجاد طرق جديدة في استجواب من تم إلقاء القبض عليهم من الإرهابيين في الفترة الماضية من هذه الجماعات التكفيرية.

2- إعادة النظر في المنظومة التشريعية والقضائية، والتي تتطلب سرعة إنجاز الأحكام وتنفيذها في القضايا الإرهابية على وجه التحديد، لتكون بمثابة ردع لكل من تسول له نفسه في القيام بمثل هذه العمليات الإجرامية مرة ثانية. وهو ما وعد به الرئيس والقضاة أثناء عمل مراسم جنازة الشهيد النائب العام.

3- تطوير الخطاب الثقافي والديني، حتى يمكن مقارعة الأفكار المتطرفة بأفكار أكثر نضجًا ودقة طبقًا لصحيح الدين. خاصة بعدما تعرض الثراث الحضاري الإسلامي لحملات تشويه وتحريف وتضليل مستمرة من أجل استخدامه من قبل الجماعات المتطرفة. أو التطاول عليه من قبل بعض الدعاة الجدد، الذين بحاجة إلى إعادة تأهيل ودراسة من جديد.

لم تستطيع أية جماعة إرهابية أو حركة سياسية في هزيمة الدولة المصرية أو حتى فرْض شروطها عليها، بل العكس هو ما حدث
4- إجراء الانتخابات البرلمانية واكتمال مؤسسات الدولة، فمما لا شك فيه أن تأخّر الانتخابات البرلمانية أكثر من ذلك ليس في مصلحة عملية التحول الديمقراطي عامة، ويفقد الدولة مصداقيتها في استكمال خارطة المستقبل التي تم الإعلان عنها في 3 يوليو، وهو ما تحاول استغلاله الجماعات الإرهابية لضم شباب مُغرَّر بهم إليها. ونعتقد أنه باستكمال خارطة الطريق سوف تقطع السبل بمثل هذه الجماعات المتطرفة، لأن المواجهة حيئذ سوف تكون بين ممثلى الشعب والدولة وبين هؤلاء الذين استغلوا فرصة أن الرئيس لا يريد أن يلجأ إلى فرض أحكام استثنائية في هذه المرحلة من عمر الدولة.

5- إحداث تنمية شاملة، فلو تم تنفيذ المشروعات التي أعلن عنها الرئيس والحكومة خلال الفترة القادمة، وتحققت العدالة الانتقالية، واستيعاب الشباب الغاضب نتيجة قانون التظاهر فسوف تصاب الجماعات التكفيرية بالفشل فيما تصبوا إليه. تنمية تهدف بالأساس المواطن الفقير، وتوفير فرص عمل وإعادة تدريب وتأهيل الشباب، وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري.

6- التعاون الدولي في تطويق الإرهاب الذي ضرب المنطقة برمتها، نعتقد أن هذا الحدث الجلل أكدت للعالم أجمع من هم الإرهابيون الحقيقيون، ومن يمول ويخطط ويساعد الإرهابيين. وهو ما يتطلب التكاتف والتعاون المشترك للقضاء على "داعش" وأمهاتها من المنطقة والعالم، وأن على جميع الدول أن تعلم أنها ليست بمنأى عن ضربات الغدر والخيانة.

ثالثاً- سيناريوهات مستقبلية لعمليات الإرهاب

وفي إطار المحددات الستة السابقة، نتوقع أن هناك سيناريوهين للعمليات الإرهابية في الفترة المقبلة.

السيناريو الأول، وهو الذي لا نتمناه، والذي يتمثل في استمرار العمليات النوعية ضد مؤسسات ورجال الدولة وكبار السياسيين والإعلاميين. وهذا معناه فشل الأجهزة الأمنية والشرطية في القيام بواجباتها في حماية المواطنين، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى ضرورة نزول القوات المسلحة إلى الشارع مرة ثانية، وإقامة مناطق معزولة لحماية مؤسسات الدولة وكبار المسئولين على غرار تجربة العراق، وهو ما سيفقد الدولة المصرية هيبتها لا محالة ويؤثر على خطط التنمية والسياحة ..إلخ.

السيناريو الثاني، وهم الأقرب للتحقيق، نجاح الدولة في تطويق وحصار العمليات الإرهابية. وهذا السيناريو يتطلب تنفيذ المحددات الستة السابقة بعناية وسرعة فائقة، والضرب بيد من حديد على رؤوس هذه المجموعات وتقوية جهاز المعلومات للكشف المسبق عن احتمالية تنفيذ أية عملية في المستقبل.  

ولكن تحقيق وتنفيذ هذا السيناريو ربما يستغرق وقتًا قد يمتد إلى بضع سنيين، وهو شيء طبيعي وتلقائي، لأن مواجهة هذه الجماعات لا يتم في يوم وليلة، وأن تنفيذ الخطط الموضوعة وتقوية جهاز المعلومات، وإعادة تدريب وتأهيل الكوادر البشرية المطلوبة بالفعل بحاجة إلى وقت.

وأخيرًا، إن تحقيق السيناريو الثاني بحاجة إلى تكاتف المواطنين مع النظام القائم من جانب، وتكاتف المواطنين مع أجهزة ومؤسسات الدولة من جانب ثاني، فضلاً عن ضرورة العمل الجاد من الجميع لتحقيق الاستقرار ورفعة هذا الوطن.  

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟