كان كل «الإخوان» بدءاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومروراً برموز وعناصر الجماعة المنتشرين في تركيا وقطر وبقية دول العالم، وكذلك بالطبع وسائل الإعلام «الإخوانية» التي تبث من أنقرة أو تصدر من لندن وتلك المتحالفة مع الجماعة كقناة «الجزيرة» القطرية، يتحدثون عن تعرض «الإخوان» للتصفية الجسدية، بينما كانت اهتمامات الناس في اتجاهات أخرى، فبدا وكأن «الإخوان» يتحدثون إلى أنفسهم. لكن المصريين في الوقت ذاته يتابعون بشغف مشاهد الرئيس عبدالفتاح السيسي بالزي العسكري وسط الضباط والجنود في سيناء.
عموماً لم يكن أسبوعاً سهلاً على المصريين ومحبي مصر، بل كان عصيباً متلاحق الأحداث والمواقف الدراماتيكية والتطورات النوعية، بدءاً من اغتيال النائب العام هشام بركات، ومروراً بالأحداث في سيناء وسحق العشرات من عناصر تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذين فشلوا في الفوز بمساحة على الأرض بعدما هاجموا مكامن أمنية على الطرق ما بين مدينتي الشيخ زويد ورفح، ونهاية بواقعة مقتل تسعة من عناصر «الإخوان المسلمين» كانوا في شقة في مدينة السادس من أكتوبر، بينهم النائب السابق ناصر الحافي.
كان حادث اغتيال النائب العام متوقعاً، والمعضلة كانت في الاستهتار بتأمينه والإهمال في حراسته، فالرجل استُهدف من قبل بقنبلة قرب مكتبه لكن العملية فشلت، وهي لم تكن الأولى التي يُستهدف فيها واحد من أعمدة نظام الحكم، إذ سبق أن حاول الإرهابيون اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في عملية مماثلة. ولو تمكن «الإخوان» وحلفاؤهم اغتيال كل رموز الحكم لفعلوا.
أما الأحداث في سيناء، رغم شدتها، فلم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة وإن أظهرت القدرات الحقيقية للجيش والإرهابيين، لكن الصراع في تلك المنطقة من سيناء سيستمر فترة لظروف عدة. وربما كان هذا هو المغزى الأهم لوجود السيسي بالزي العسكري في سيناء وتأكيده أنها حرب ستنتهي بانتصار الدولة. والمؤكد أن حلم حصول «داعش» على قطعة أرض يرفع عليها التنظيم علمه سيظل بعيد المنال، وإذا كرر التنظيم تجربة الشيخ زويد فإن الحلم سيتحول مرة أخرى إلى كابوس كما حدث أخيراً.
لكن الموقف الذي يستحق التوقف أمامه وتحليله ودراسة أبعاده وتأثيراته هو مقتل «الإخوان» التسعة في شقة 6 أكتوبر، والواقعة لها روايتان، الأولى بيان لوزارة الداخلية ذكر أن التسعة يمثلون «لجنة العمل النوعي» في «الإخوان» التي تضطلع بالتخطيط وإدارة عمليات العنف و الإرهاب وأنهم، أو بعضهم، بادروا بإطلاق النار على رجال الأمن الذين أتوا للقبض عليهم، فردوا عليهم بالمثل ووقعت معركة بين الطرفين انتهت بمقتل التسعة. والرواية الأخرى «إخوانية» تبنتها بالطبع قناة «الجزيرة» ووسائل إعلام الجماعة، وتقوم على أن التسعة كانوا يراجعون مواقف الأسرى والشهداء، ويبحثون في رعاية اليتامى والمساكين، وأنه جرى القبض عليهم أولاً ثم تصفيتهم جسدياً.
وكما سعى «الإخوان» إلى استغلال أحداث سيناء لمصلحتهم، وللإساءة بأي شكل إلى الجيش، فإنهم أيضاً اتخذوا السبيل نفسه في واقعة 6 أكتوبر للتحريض ضد الشرطة. المهم هنا ما عكسته العملية ونتائجها وما سيترتب عليها، سواء كانت رواية الشرطة هي الصحيحة أو رواية «الإخوان» هي التي تمثل الحقيقة.
فكل الادعاءات والأفلام التي كانت تنسج لقصة المصالحة أو المواءمة أو الصفقة بين الحكم و «الإخوان» ثبت أنها مناورات من الجماعة لم يعد لها مجال، فالأمر صار الآن بين الطرفين معركة وجود لابد لطرف من أن ينتصر فيها وأن يسحق الآخر ويهزمه، فإما أن تستمر الدولة أو تتفكك ليبقى «الإخوان». وحتى إذا صدق «الإخوان» روايتهم فكيف لم تدرك الجماعة حتى الآن أن وقوف تركيا وقطر خلفها ومساندة «الجزيرة» لها وتنفيذ تنظيمات مثل «أنصار بيت المقدس» أو «جند الله» أو غيرهما من الجماعات الإرهابية أجندة لمصلحتهم لن توقف الحكم عن ملاحقة رموز الجماعة وعناصرها ومحاكمتهم أو القضاء عليهم؟ ماذا تنتظر الجماعة لتغير من أساليبها حتى لو لم تعترف بأخطائها؟
بديهي بالنسبة إلى تنظيم يرى أن معه الشرعية ويحظى بالجماهيرية ويلقى دعماً من تنظيمات مسلحة وتصله أموال بلا حدود أن يسأل عناصره أنفسهم: لماذا لم يحتج أحد على مقتل «الإخوان» التسعة في 6 أكتوبر ولماذا لم تلتفت الدول والحكومات الغربية هذه المرة لادعاءات «الإخوان» ولماذا لم يتجاوب الناس بينما الدنيا ثارت داخل مصر قبل خارجها عندما قتلت الناشطة اليسارية شيماء الصباغ والصحافي الناصري الحسيني أبو ضيف؟ الإجابة ببساطة أن غالبية المصريين صاروا لا يفرقون بين «الإخوان» و «أنصار بيت المقدس» و «داعش»، فاهتموا أكثر بمشهد السيسي بالزي العسكري وصور «سيلفي» لجنود الجيش مع جثث الإرهابيين. نقلا عن الحياة