المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
بيتر مولر ورينيه بفيستر
بيتر مولر ورينيه بفيستر

مركل خذلت اليونان وأوروبا

الأربعاء 08/يوليو/2015 - 11:05 ص

لقب ملكة أوروبا أثير على قلب أنغيلا مركل. ولكنها لم تحسن التوسل بقوتها، وتركت أزمة سيئة تتفاقم وتبلغ الانفجار. وعجزها عن اتخاذ قرارات تفتقر الى الشعبية، أجّج الأزمة اليونانية.

ولا شك في أن مسؤولية ما قد تؤول إليه الأمور، أي خروج اليونان من منطقة اليورو، تقع على الحكومة اليونانية المتطرّفة. ففي المفاوضات، توسّل رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس برطانة تجييش عسكري.

ومردّ الشقاق الذي يشقّ أوروبا، الى قيادة مركل ونهجها في ترك الأمور تتفاقم. وهذا النهج قد تنعقد ثماره حين المفاوضة على تسوية، وحين يسعى المتفاوضون الى حلّ ناجع. ولكنه يبلغ أقصاه وطريقاً مسدوداً حين يرمي شخص مثل تسيبراس، الى السير بالأمور الى أقصاها.

وكان جلياً أن اليونان هي حلقة على حدة من حلقات أزمة اليورو. فعجلة النظام الضريبي والسجل العقاري لا تعمل في هذه الدولة. ومعدل الدين فيها بلغ مبلغاً حمل الاقتصاديين على الإجماع على أن لا سبيل الى سداده. والأحزاب التي اقتسمت غنائم الدولة ونهبتها، حكمت اليونان طوال سنوات. وبلغ، أخيراً، حزب «سيريزا» السلطة. ويحلم الجناح المتطرف فيه، بإطاحة النظام. ولم تخف هذه الأمور على مركل. ولكنها سعت الى تذليل المشكلة ومعالجتها من طريق وصفة استخدمتها في السياسة الداخلية الألمانية: الإرجاء، والاختباء (التلطّي وراء التكنوقراط)، وترك الأمور على التباسها، على رغم دعوة وزير المالية، ولفغانغ شوبل، الى تعبيد طريق سالكة وآمنة أمام اليونان للخروج من منطقة اليورو. ولو اقترع اليونانيون بـ «نعم» على خطة الدائنين التقشّفية، على ما تأمل مركل، بقيت بلادهم على حالها من الإفلاس.

واقتضت الأزمة اليونانية التسلّح بدور قيادي وخطة، على خلاف ما فعلت مركل. وعلى رغم أنها تحب القوة، لم تعرف ما هي فاعلة بها. واليوم، تجبه أثر سياستها الأوروبية المدمر. ولكن، كيف آلت الأمور الى ما آلت إليه؟ وفهم سياسات مركل اليوم، يقتضي العودة الى سياساتها في 2003. ويومها، مضى على رئاستها الحزب «المسيحي الديموقراطي» ثلاثة أعوام. وبلغ عدد الألمان العاطلين من العمل يومها، 4 ملايين ونصف مليون نسمة، وكانت صناديق الضمان الاجتماعي فارغة، وأصحاب العمل يشكون ارتفاع الضرائب. ولا شك في أن الحال في ألمانيا، لم تبلغ حينها القعر الذي بلغته اليونان. ولكن الحاجة مست الى إصلاح بنيوي وإعادة هيكلة، واقترحت مركل برنامج إصلاح اقتصادياً. ولجأت الى أرقام شركة «ماك كينزي» الإدارية الاستشارية وخبراتها لتسويغ التقشّف. وهذه الشركة مختصّة في إبلاغ الزبائن بالحقائق المرة، وتلجأ الشركات الى خدماتها حين تحتاج الى تقليص النفقات وتسريح الموظفين. ويتخفّف المديرون من لائمة مثل هذه الخطوات (التسريح والتقشّف) بإلقائها على الشركة الاستشارية، ماك كينزي. والتزمت مركل مبادئ ماك كينزي في عالم السياسة. وحين اندلعت أزمة اليورو في 2010، سعت الى إشراك صندوق النقد الدولي في إعادة الهيكلة اليونانية، على خلاف رغبة وزير المالية شوبل الذي رأى أن أوروبا مسؤولة عن حلّ مشكلاتها. وصندوق النقد الدولي هو صنو شركة ماك كينزي في عالم السياسة العالمية. فهو يساعد في حلّ مشكلات الدول التي تواجه مشكلات مالية، ويمنحها القروض لقاء إرساء إصلاحات.

وبدا أن فكرة مركل في محلّها. فوراء انزلاق أوروبا الى الأزمة هو غضّ القارة الأوروبية، في نشوة الوحدة والاندماج، النظر عن الأرقام. فالمستشار السابق، هلموت كول، دعا مع ميتران الى سوق أوروبية مشتركة، وإنشاء الاتحاد الأوروبي، وتوحيد العملة الأوروبية، وغلب كفة مشاعره على كفة الوقائع الاقتصادية. واللجوء الى صندوق النقد الدولي، رمى الى الاحتكام الى الحساب والأرقام في منطقة اليورو. ويستسيغ مستشارو مركل وصفها بملكة أوروبا، فهي توجه دفتها. ولكنها في الأشهر الأخيرة، لم تعد ملكة بل سيدة تختبئ وراء نصائح صندوق النقد الدولي وتوصياته.

والنزاع بين مركل ورئيس الوزراء اليوناني، هو كذلك نزاع على معنى السياسة. فتسيبراس أخرج صورة صندوق النقد الدولي على أنه رمز الظلم والاضطهاد تديره مجموعة من التكنوقراطيين الذين يفتقرون الى مشروعية شعبية ويستتبعون اليونان. وحوّل موقفه من الصندوق هذا، الى معركة حق تقرير اليونان مصيرها، وطالب بالعودة الى السياسة. وهو يحسب أن السياسة عصا سحرية تلغي المشاكل كلها: جبال الديون وضرورة الإصلاح والقانون الذي يحظر على البنك المركزي الأوروبي سك النقود لضخّ سيولة في الدول. وتحديد رغبات «سيريزا» عسير: فهذا الحزب يضم ماووين سابقين واشتراكيين ديموقراطيين خاب أملهم. وبعض أعضائه يحلم بالثورة، وبعض آخر يرضى بإلغاء الديون. وخلاصة منطق سياسة «سيريزا» مفادها إلغاء القوانين التي يرفض الاحتكام إليها.

وأخفقت مركل في التصدّي لهذا المنطق، وتلطّت وراء الترويكا في وقت أول، ولم ترغب في أن تبلغ الحكومة اليونانية بالحقيقة المرة، والتزمت مبادئ ماك كينزي. ورفعت لواء المثل القائل «حين تعقد الإرادة، ثمة طريق (الى الحل)». وفهمت ألمانيا كلماتها على أنها بادرة نية حسنة - أي رغبة في بقاء اليونان في منطقة اليورو، ولكن تسيبراس رأى أنها تحدٍّ ودعوة الى المواجهة والتصعيد.

 

 

 

سياسة تعليمية إمبريالية

المستشارة الألمانية منقسمة على نفسها، فهي تارة مركل – الحساب والأرقام، وتارة أخرى مركل – أوروبا، والأولى، ترى أن خروج اليونان من منطقة اليورو هو حل معقول. ولكن مركل - أوروبا تخشى انفراط عقد الاتحاد الأوروبي إذا تركت اليونان تهوي من غير انتشالها. ووسعت أزمة اليورو آفاق قوة مركل. ومنذ 2010، عُقدت سلسلة لا تنتهي من اجتماعات الأزمة في بروكسيل، وتربعت المستشارة الألمانية في صدارة المسؤولين الأوروبيين، وكانت أوسعهم نفوذاً. فبلادها صاحبة أكبر احتياطي من السيولة. وانتهجت سياسة لم يسبقها إليها أي من المستشارين الألمان، وهي سياسة تعليم إمبريالي ركنها دروس في الانضباط المالي وإصلاح سوق العمل والخصخصة. وتكللت هذه السياسة بالنجاح في إسبانيا والبرتغال وإرلندا. ولكن في اليونان، لم ينظر الى شروط الدائنين على أنها دواء مر بل سمّ يخنق المجتمع ويقتله. ولم تملك مركل شجاعة جبه ما يترتب على هذه الحال. ولم يكن أمامها بدائل. وكان في مقدورها اقتراح على اليونان طريق آمن يفضي الى خارج منطقة اليورو. ولكنها عرضت عليها تقليص ديونها. وهذه الخطوة جاءت متأخرة، ولو بادرت إليها في مطلع الأزمة لحالت دون تطرف السياسة اليونانية. وسعت مركل الى تجنب الأخطار. فاختبأت وراء الترويكا والتكنوقراطيين، وسرعت وتيرة بروز «سيريزا». فتسيبراس هو الى حدّ ما، وليد سياسة مركل في القيادة المتذبذبة والمترددة.

ويصادف 22 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ذكرى عقد على حكم مركل. والى اليوم، لم يكن شاغلها إرثها السياسي وبصمتها. وهي تنوي الترشح في الانتخابات المقبلة من أجل توسل قوتها الى تغيير وجه القارة. ولكن إذا تفككت منطقة اليورو، غلبت السلبيات على إرث مركل. وفي الأسبوع المنصرم، في احتفال في ذكرى 70 عاماً على تأسيس الحزب المسيحي الديموقراطي، لم تتخفّف مركل من خطاب هلموت كول، ورددت لازمة كلامه: أوروبا هي الرد على أهوال الحرب. ولكنها على خلاف كول الذي سعى الى شدّ أواصر القارة الأوروبية واندماجها، لا ترفع لواء الاندماج الأوروبي. فهي تستعير خطابه وتترك قناعاته السياسية.

وقبل ثلاثة أيام من هذه الذكرى الحزبية، رفضت مركل في قمة الاتحاد الأوروبي اقتراح رئيس المفوضية الأوروبية، جان-كلود يونكر، زيادة صلاحيات المفوضية في الرقابة على الموازنة. ولم يرم يونكر الى ثورة ولا الى إرساء أسس حكومة أوروبية ولا الى إلغاء الدول – الأمم الأوروبية، بل الى استخلاص نتائج عملانية من أزمة اليورو. ولكن مركل رفضت الاقتراح، ودار كلامها على اليونان واللاجئين الذين يعبرون المتوسط وجاك دولور. ولم تنبس ببنت شفة عن مشروع يونكر، وقالت إنها «أخذت علماً به». وهذا معناه في لغة السياسيين، أن النسيان مصيره. ولا شك في أن المستشارة الألمانية ترغب في أوروبا مؤتلفة من دول - أمم، وليس أوروبا مندمجة. وهي لا تثق بالبرلمان الأوروبي. وانتقلت عدوى تذبذبها الى أوروبا، التي بدت الحيرة عليها. فالقارة لا تعرف ماذا تريد أقوى سيدة فيها. نقلا عن الحياة

*عن «شبيغل أونلاين» الألماني، 3/7/2015،

 

إعداد منال نحاس

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟