المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

الدولة والإرهاب

السبت 11/يوليو/2015 - 11:50 ص

تخوض الدولة حربا ضارية ضد الجماعات الإرهابية المختلفة، العدو فى هذه الحرب غير مرئى وغير ظاهر لا يحده مكان أو زمان، فهو عبارة عن خلايا نائمة ومستيقظة منتشرة بين جموع المواطنين فى جميع الأنحاء، تتلقى التعليمات بالقتل والترويع، وتنفذها تحت جنح الظلام أو فى ضوء النهار، لا وجه للمقارنة بين قدرات الدولة المصرية وبين قدرات هذه الجماعات الإرهابية، فالدولة تمتلك القدرات العسكرية والأمنية والفنية والمعلوماتية الكفيلة، بضمان الانتصار فى هذه المعركة، وبالإضافة إلى ذلك هى تملك ما لا يملكه الإرهابيون، ألا وهو الدعم والتأييد الكامل من المواطنين والظهير الشعبى الذى يقف معها فى هذه المواجهة، كما أن الدولة فى هذه المواجهة تنشد تحقيق أهداف تهم كل المواطنين وتمثل طوق أمان لهم جميعا تتمثل هذه الأهداف فى إقرار الأمن والاستقرار وتنفيذ خطة التنمية واستعادة مكانة الدولة وهيبتها، وهذه الأهداف تحظى بالتوافق والتراضى العام من قبل جمهرة المواطنين فى حين لا يحظى الإرهاب والإرهابيون إلا بسخط المواطنين وغضبهم، ودعم جهات استخباراتية أجنبية كما أن أهدافهم بانت على حقيقتها فى نشر الإرهاب والخراب وتمزيق أوصال الوطن والدولة وزرع الفتنة والروح الطائفية.

هذه الحرب وتلك المواجهة بين الدولة والجماعات الإرهابية تتطلب الوعى برهاناتها ومقوماتها وطبيعتها، فالدولة - أي دولة - وفق جميع القوانين والشرائع هى التى تمتلك العنف وتحتكره وتمارسه نيابة عن المجتمع فى وجه الخارجين على القانون، فالدولة تمارس العنف المشروع والقانونى فى مواجهة الجماعات التى تشهر السلاح فى وجه الدولة والمجتمع، بينما تلك الجماعات تمارس عنفا غير مشروع وغير قانونى، بل هدفه تخريب القوانين والشرعية وتدمير مقومات العمران والحضارة.

الدولة فى أدائها لمهمتها فى مواجهة الإرهاب تحكمها القوانين والقواعد والنظم، وتسترشد بها، فى حين أن جماعات الإرهاب لا تسترشد بأى قوانين أو قيم أخلاقية سوى الظلامية والسوداوية التى تغلف ضمائر الجماعات الإرهابية، والحال أن استرشاد الدولة بالقوانين والقواعد الأخلاقية والإنسانية قد يبدو للكثيرين فى خضم الغضب والسخط من جراء العمليات الإرهابية، عائقا أمام تأدية ونجاح الدولة فى هذه المهمة، والواقع أن الدولة لا يمكنها أن تسقط من اعتبارها هذه القوانين والقواعد التى تحكم أداءها، ولو فعلت لتلاشى الفارق بين الدولة ككيان مجتمعى يحظى بالتراضى العام ويكفل تطبيق القانون وبين تلك الجماعات الإرهابية التى تقتدى بتقاليد عصابات المافيا، والحال أن مراعاة الدولة للقوانين واللوائح والقواعد هى ما يجعلها دولة بالمعنى الحديث للدولة، ويبقى على الفارق النوعى بين الدولة وبين الجماعات الإرهابية.

وربما يكون من أهداف الجماعات الإرهابية هدف طمس الفارق بين الدولة وبين تلك الجماعات، أى أن تقوم الدولة بمحاكاة هذه الجماعات فى أدائها وتسقط من اعتبارها القيم والقوانين التى تحكم أداءها، والسؤال الأخلاقى الأساسى الذى يثور هنا هو مدى شرعية وأخلاقية محاكاة العدو والخصم فى أدائه وممارساته أى أن تكون ممارسات الدولة على مقياس الممارسات الإرهابية، والإجابة تتمثل فى أن الضرورة الأخلاقية والعملية تستلزم الإبقاء على تميز الدولة عن تلك الجماعات.

من ناحية أخرى فإن أداء الدولة فى مواجهة الإرهاب ليس فحسب الدولة المصرية بل كل الدول أو معظمها، تحكمه اعتبارات تتعلق بطبيعة الدولة ذاتها من الناحية التنظيمية والبيروقراطية والنظم التى تحكم أداء مؤسساتها؛ فهناك البيروقراطية والتراتبية والمسئولية الجماعية والتضامنية، وهذه الملامح وانعكاسها على طبيعة الأداء والمواجهة، قد تعوق من الفاعلية وتحد من المبادرة والمبادأة، على عكس ما تحظى به هذه الجماعات الإرهابية من تحرر من البيروقراطية وسهولة فى الحركة والتنفيذ وبساطة التنظيم الذى تعمل فى إطاره تلك الجماعات، وهو الأمر الذى يمنحها سهولة وخفة فى الحركة والتنفيذ وسرعة فى الاختباء والتخفى عن عيون أجهزة الأمن.

هذه الفجوة بين أداء الدولة وتلك الجماعات الإرهابية ينبغى تجاوزها؛ عبر خطط واستراتيجيات تتجنب المشكلات التى تتعلق بأداء الدولة، مثل تشجيع وتحفيز عنصر المبادأة والمبادرة وتخفيف القيود البيروقراطية، ودراسة نقاط الضعف والقوة سواء فى أداء هذه الجماعات، أو أداء الدولة بهدف تدعيم الأداء وضمان الفاعلية وتجنب عنصر المفاجأة وتوفر اليقظة الأمنية والاستعداد النفسى للأجهزة لخوض حرب طويلة ضد الإرهاب.

من الممكن تفهم بعض ردود الفعل التى صاحبت الغضب والسخط من العمليات الإرهابية الأخيرة، فى سيناء وتلك التى أودت بحياة النائب العام الشهيد هشام بركات، مثل مطالبة البعض بتنحية حقوق الإنسان جانبا وعدم الالتفات إلى تقارير المنظمات الحقوقية بخصوص التجاوزات، أو مطالبة البعض الآخر بفرض حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب، ومع ذلك فإن ردود الأفعال هذه ليست بالضرورة صائبة؛ لأنها تنطوى على افتراض التعارض والتضاد بين متطلبات مواجهة الإرهاب وبين الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان، كما لو كانت هذه الأخيرة تعوق هذه المواجهة وتحد من فاعليتها، والأمر ليس على هذا النحو، حيث يمكن تحقيق الترابط والتوازن بين متطلبات مواجهة الإرهاب وبين احترام حقوق الإنسان عبر تفعيل وتنفيذ الأحكام القضائية والضمانات القانونية للمتهمين الذين تمكنت الأجهزة من القبض عليهم، أو سن تعديلات جديدة قانونية لمحاكمة الإرهابيين، ولن يعيب الدولة مطلقا أن تبحث عن الوسائل والأساليب التى تكفل تحقيق هذا التوازن والترابط بين مواجهة الإرهاب وبين حقوق الإنسان، كذلك فإن المطالبة بفرض حالة الطوارئ تعود بنا القهقرى إلى الوراء بعد ثورتين، نادتا بالدولة المدنية الديمقراطية وسيادة القانون، باستثناء مناطق محدودة منكوبة بالإرهاب والإرهابيين كما هو الحال فى سيناء.

إن مراعاة حقوق الإنسان والقوانين والحريات من قبل الدولة فى أثناء مواجهتها للإرهاب، تحسب للدولة وليس عليها، وتعتبر مؤشرا فى صدقية توجهاتها وثقتها بنفسها، ولن تحول دون تفعيل أدائها فى مواجهة تلك الجماعات الإرهابية بشرط الوعى بطبيعة هذه المواجهة وشروطها، والعزاء لأسر الشهداء من القوات المسلحة والشرطة والقضاء ولمصر والمصريين على حد سواء. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟