يطرح الإنهيار المذهل للأسهم الصينية 3 أسئلة: الأول، ما سببه؟ التالي، هل سيؤذي الاقتصاد «الحقيقي» القائم على الإنفاق والتأجير داخل الصين وخارجها؟ أخيراً، كيف سيؤثر على الحزب الشيوعي الصيني واستراتيجيته الاقتصادية؟
إذا لم تنتبهوا، هنا بعض الأساسيات حول الإنهيار. بلغت سوق شنغهاي ذروتها في 12 حزيران (يونيو). في الثامن من الجاري انخفضت الاسعار بنسبة الثلث. عانت سوق شنجن الاصغر التي تضم عدداً أكبر من شركات التكنولوجيا المتقدمة (والتي تُشبّه بسوق «ناسداك») خسائر أفدح. في الإجمال، اختفت 3.5 تريليون دولار من الثروة المسجلة على الاوراق. تحدى التدهور المأسوي الجهود المحمومة التي بذلها المسؤولون الصينيون لوقف مبيعات الاسهم. شمل ذلك ضخ المال الى السوق لرفع الاسعار، والحيلولة دون بيع بعض كبار المستثمرين لحصصهم، ووقف جميع العروض العامة الاساسية التي تمتص الأموال من الأسهم الموجودة، والسماح لأكثر من ألف شركة بتعليق التعامل بأسهمها عوض ان تسجل تدهوراً كبيراً في قيمة الاسهم. (تحسنت قيمة الاسهم على نحو ما منذ الثامن من تموز.
شكلياً، يبدو انهيار السوق كفقاعة تقليدية نجمت عن نفسية الحشد والائتمان الرخيص. قبل عام من بلوغ الاسهم ذروتها، ارتفع مؤشر شنغهاي 152 في المئة. واشتريت الاسهم غالباً بأموال مقترضة. وقدر الاقتصاديون في المصرف السويسري العملاق «يو بي أس» القروض المسحوبة على الأسهم بقيمة 500 بليون دولار. طارد المستثمرون الاسعار المرتفعة ودفعوها الى المزيد من الارتفاع.
عند بدء التجمع للشراء بدا ان الأسهم تباع بأقل من أسعارها، ما قد يعكس الذكريات عن الانهيار السابق بين تشرين الاول (اكتوبر) 2007 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2008 – الذي اتصل بالأزمة المالية العالمية – عندما خسرت سوق شنغهاي 70 في المئة من قيمتها. في حزيران 2014 كان معدل الكسب في سوق شنغهاي حوالى 10 نقاط، في المقابل كان معدل الكسب لمؤشر «ستاندرد أند بورز» لخمسمئة سهم في 1935، 17 نقطة (يقارن معدل الكسب بين سعر السهم مع مكاسب الشركة أي الارباح).
عندما كان اقتصاد الصين ينمو أسرع من اقتصاد أميركا، كانت أسعار الاسهم الصينية تبدو رخيصة نسبياً. لكن اقتصاد الصين أخذ في التباطؤ من معدل نمو سنوي يبلغ العشرة في المئة الى سبعة في المئة. وقال أحد محللي السوق ان «المستثمرين راحوا يتكهنون حول سياسات الحكومة الاقتصادية لتحفيز الاقتصاد». في نهاية المطاف انفصلت الاسهم عن الاداء الاقتصادي وسيطرت «وفرة غير عقلانية». قلّل المصرف الشعبي الصيني (المركزي) من حجم الفقاعة وشجعها من خلال تسهيل الائتمان. بحلول أيار (مايو) بلغ معدل الكسب في سوق شنغهاي 22 نقطة، أما في شنجن فبلغ 3 أضعاف ذلك. وأضاف المحلل ذاته ان «المستثمرين الأكثر حصافة انتبهوا الى ما يجري في الختام. الاموال الذكية انسحبت باكراً». وكتب روتشير شارما من «مورغان ستانلي» في صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ثلثي المستثمرين لم يكونوا من خريجي المدارس الثانوية. اختلف المستثمرون إذا كان الانهيار سيفاقم بطء الاقتصاد الصيني. ثمة رأي ان الصين ستسير في طريق «أَثَر الثروة»: سيزيد الناس إنفاقهم أو سيخفضون منه اذا كانوا سيشعرون انهم أكثر ثراء أو فقراً. رغم أن ذلك حصل في الولايات المتحدة، يشكّك العديد من الاقتصاديين في إمكان تطبيقه على الانهيار الصيني. علة ذلك ان ملكية الاسهم أصغر. قرابة نصف الأسر الأميركية تملك أسهماً. في الصين 9 في المئة فقط من الاسر التي تقطن في المدن تملك أسهماً، بحسب ما أظهر مسح حديث.
لكن المحلل في «مورغان ستانلي» شارما يجادل في ان الانهيار قد يحبط الاقتصاد من خلال تجريف الثقة. وقد تنتشر آثار ذلك على بلدان أخرى. وربما ينخفض طلب الصين على المواد الخام. وقد تتعثر اسواق التصدير الصينية عندما تخفض الشركات الصينية الاسعار ويتراكم فائض الانتاج في الخارج.
يرى الاقتصادي في جامعة كورنيل أسوار براساد ان الخطر على المدى الطويل يكمن في فقدان قادة الصين الشيوعيين لرغبتهم في اصلاح الاقتصاد إصلاحاً شاملاً. لقد قرروا الابتعاد عن النمو الذي يقوده التصدير والاستثمار في الصناعات الثقيلة (الصلب والاسمنت) والبنى التحتية (الطرق والمرافئ). سيعتمد الاقتصاد على إنفاق أقوى من المستهلكين.
سيكون ذلك أفضل للصين وللجميع. ربما تكون الصين في مأمن من انعدام الاستقرار العالمي وربما تكون الصادرات الصينية أقل تعرضاً للتهديد من صادرات بلدان أخرى. بيد أن الانتقال من هنا الى هناك ليس سهلاً على ما أظهر انهيار الاسهم. يقول باسارد ان سوق الاسهم جزء حيوي من الاستراتيجية الاقتصادية. وتكمن الفكرة في اعطاء الصيني العادي عائدات أعلى على مدخراته وليس في خفض معدلات الفائدة التي تقدمها المصارف على الودائع. العائدات الاعلى ستدعم حينئذ إنفاقاً أقوى من جانب المستهلك. يمثل انهيار الأسهم انتكاسة. في حال وقع المزيد من الانهيارات قد يعيد قادة الصين الذين يعتمدون على الرفاه كمصدر لشرعيتهم، تقييم الاداء الاقتصادي. يقول باسارد: «ربما يعودون الى كتاب قواعد اللعبة القديم» حول التصدير والاستثمار الذي يقود النمو. وستكون لذلك عواقب هائلة على العالم». نقلا عن الحياة
* صحافي متخصص في الشأن الاقتصادي، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 12/7/2015، إعداد حسام غياتي