النتائج السياسيّة - الاقتصاديّة للاتفاق النووي الإيراني
في وقت تشارف المفاوضات بين مجوعة 5+1 وإيران حول برنامجها النووي، على التكلّل باتفاق، تنشغل الدول المشاركة في المفاوضات (الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، بقضايا وثيقة الصلة بحصصها من المكاسب الجيو - اقتصادية التي تترتب على اندماج طهران مجدداً في المجتمع الدولي. وتتصدّر أولويات المستثمرين مسألة توزيع ثرواتها من الوقود. فالعملاق الفارسي يملك رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، وثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي. والسؤال الملحّ اليوم: ما العمل إثر رفع العقوبات، بهذه الموارد الطبيعية الهائلة؟ فبنى إيران التحتية الصناعية مهترئة ومهملة. وتمسّ الحاجة الى تحديثها ومدّ الأنابيب الى الغرب. ولكن أينما تلفّتت طهران، ألفت طريقاً مسدوداً. والطريق السالك الوحيد هو طريق القوقاز الجنوبي (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا). فإلى الغرب، تبسط «الدولة الإسلامية» سيطرتها على مناطق كبيرة، ويتعذّر التعاون معها. والى الشمال الغربي، التنافس مع تركيا شائك. فثمة سباق بين طهران وأنقرة على مكانة القوة الإقليمية. والى الجنوب (قناة السويس ورأس الرجاء الصالح)، كلفة مدّ خطوط الطاقة مرتفعة.
وطريق القوقاز الجنوبي هو الأمثل لمدّ خطوط الطاقة الى غرب أوروبا وشمالها. وهذا الممر الجنوبي – الشمالي قد يسلك طريقين: أولهما طريق أرمينيا – جورجيا – البحر الأسود، وثانيهما طريق أذربيجان – جورجيا – البحر الأسود الذي يصطدم بالنزاع على كراباغ بين يريفان وباكو، وبالتوتر بين طهران وباكو (يتحدر 14 الى 17 مليون إيراني من أصول أذرية شمال إيران، والنزاع على بحر قزوين لم يُحسم بعد). لذا، تميل إيران الى الطريق الأرميني – الجورجي. وأكثر من مسؤول في هذا النظام الأصولي، أعلن أن هذا الخط «المسيحي» آمن أكثر من الطريق الثاني. فهو أقل كلفة ويتماشى مع مزاعم إيران التزام الحوار بين الحضارات.
وعلى رغم النوايا الإيرانية الحسنة، تطعن روسيا في مآرب مشروع الممر الجنوبي – الشمالي. وقلّة من المراقبين سلّطت الضوء على أوجه الشبه والاختلاف بين المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، ومفاوضات الشراكة الشرقية بين الاتحاد الأوروبي والدول السوفياتية السابقة (روسيا البيضاء وأوكرانيا ومولدافيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان). فإبرام اتفاق بين بروكسيل والدول السوفياتية السابقة يغيّر وجه العالم وتوازناته، شأن انفتاح إيران على العالم. وهذا ما لم يخف موسكو. وهي لم تقف موقف المتفرّج إزاء «الشراكة» هذه، ويرجّح أن تردّ على عملية «تطبيع» إيران مع العالم. فروسيا سعت الى الحؤول دون توقيع أرمينيا وأوكرانيا على اتفاق التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي. وفي أوكرانيا، تعثّرت مساعي روسيا، وأبرمت كييف الاتفاق مع بروكسيل. وفي أرمينيا، وهي حليف موسكو التقليدي، حمل بوتين نظام سيرج سركيسيان على الالتحاق بالاتحاد الأوراسيوي. وفي نهاية 2013، وقعت يريفان على اتفاق يسلّم مقاليد استيراد الغاز في أرمينيا الى غازبروم، ويسري (الاتفاق) الى 2043.
وتنتهج موسكو سياسة ضارية وعنيفة في أوكرانيا والقوقاز، ولكنها لم تقطع الطريق بعد أمام مشروع نقل المحروقات الإيرانية عبر أرمينيا الى البحر الأسود فأوروبا. وتسعى روسيا الى تفادي الوقوع في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه في عهد يلتسين (1991 - 2000)، حين التفّ عليها الغرب ووقعت شركاته اتفاقات مدّ خطوط أنابيب مع أذربيجان. فرجحت كفة الغرب في الممر الشرقي - الغربي على الكفة الروسية.
ومصالح الغرب ثلاثية الأهداف. فهي ترمي الى الاستفادة من الثروات الإيرانية من طريق تطوير الممر الجنوبي – الشمالي، وتنويع مصادر الطاقة في الأسواق الأوروبية، وإفساح المجال أمام القوقاز الجنوبي ليلعب دور ملتقى الطرق. وحلقة الوصل هذه، تتيح ربط الدول السوفياتية السابقة الثلاث (أوكرانيا وأرمينيا وجورجيا) بآسيا، والصين على وجه الخصوص، في وقت تتكاثر مشاريع تطوير البنى التحتية الصينية في آسيا الوسطى وفي شبه القارة الهندية وإيران. وطهران، وهي شريكة بكين المحظية، تميل الى مشروع «طريق الحرير» الجديد الصيني بعيداً من النفوذ الأميركي.
وإذا نجحت المشاريع الصينية في بلوغ أهدافها في آسيا الوسطى وباكستان وإيران، مدّت الجسور الى القوقاز حيث ينشط المستثمرون الصينيون، وقلّصت المسافات البرية التي تفصلها عن الأسواق الأوروبية. وفي وسعها (الصين) تفادي المرور في مناطق القرصنة على السواحل الصومالية - وهي منطقة حيوية في مضيق باب المندب وقناة السويس، والانعتاق من قيد الاضطرار الى المرور في أفريقيا الجنوبية لبلوغ أوروبا. وافتتاح الممر الجنوبي – الشمالي في القوقاز الجنوبي، وثيق الصلة بالاتفاق النووي الإيراني. وافتتاحه يرسم وجه العالم الجديد، وهو عالم صيني – أميركي. نقلا عن الحياة
صحافي وأستاذ علوم سياسية، عن «لوموند» الفرنسية، 9/7/2015، إعداد منال النحاس