المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
عبد الفتاح الجبالي
عبد الفتاح الجبالي

حظر القطن وآليات صنع القرار الاقتصادى

الأربعاء 22/يوليو/2015 - 01:09 م
تثير تداعيات قرار وزير الزراعة القاضى بحظر استيراد القطن من الخارج وما تلاه من إلغاء من جانب رئيس مجلس الوزراء تساؤلا
أساسيا حول آليات صنع القرار الاقتصادى فى مصر. خاصة أنها ليست المرة الأولى التى تحدث فيها مثل هذه المسألة، فهناك العديد من القرارات التى حظيت بهذا المصير مثل كروت البنزين، وكذلك المنطقة اللوجستية بدمياط، هذا فضلا عن قانون الاستثمار الجديد والذى تم تعديله تعديلا جذريا قبل ان يجف المداد الذى كتب به وغيرهم الكثير. ناهيك عن أن مثل هذا القرار كان يناقش دائما بين وزراء الصناعة والمالية والزراعة، ثم يعرض على المجموعة الوزارية الاقتصادية، قبل إصداره نظرا لتأثيراته المختلفة على الصناعة المصرية، وهو مالم يحدث وقام الوزير بإصداره منفردا.

وكلها أمور توضح بما لا يدع مجالا للشك وجود مشكلة حقيقية فى آليات صنع القرار الاقتصادى بالمجتمع، وهى مسألة غاية فى الخطورة والأهمية نظرا لتأثيراتها الشديدة على المناخ الاستثمارى اذ ان الاستثمار المنتج يتطلب مناخا استثماريا جيدا. فأى نشاط إنتاجى يتم فى وسط اجتماعى وسياسى معين تنظمه أطر مؤسسية وقانونية وادارية معينة، كما أن نجاح أى عملية اقتصادية هو بالاساس رهن بمدى الانسجامية والتوافق فى القرارات الاقتصادية. وذلك مع تسليمنا الكامل بأن هناك بعض القرارات التى تحتاج إلى درجة من السرية مثل التعريفة الجمركية، ولذلك نص القانون على إصدارها بقرار بقانون من رئيس الجمهورية ثم تعرض على البرلمان بعد ذلك وهى حالة استثنائية بالضرورة. أما ما دون ذلك فيجب ان يتم عبر آليات محددة تمكن الجميع من المشاركة فيه. الأمر الذى يوفر مناخا استثماريا مناسبا للقيام بالعملية الإنتاجية.
من هذا المنطلق نرى أن صنع القرار الاقتصادى فى مصر يُعانى من مشكلات عديدة منها غياب المشاركة المجتمعية الحقيقية فى هذه العملية، فمعظم القوانين التى صدرت عن البرلمانات السابقة، جاءت كلها من الحكومة، بل إن مساهمة البرلمان فى مناقشتها أو تعديلاتها محدودة للغاية. ويرجع السبب فى ذلك إلى آليات صنع القرار بالمجتمع حيث يتم اقتراح القوانين من السلطة التنفيذية والتى تعرضها على السلطة التشريعية، دون أخذ رأى الجهات المعنية، مثل اتحادات العمال والصناعات والغرف التجارية فى هذه القوانين. وهو ما أدى إلى ضَعف مشاركة المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية فى النقاش والحوار حول القضايا الاقتصادية، وانشغل معظمها بالقضايا السياسية وابتعد عن القضايا أو الموضوعات الاقتصادية. وخير دليل على ذلك، مناقشة مشروعى الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتى لا تحظى إلا بالنذر اليسير من المناقشات قبل عرضهما على مجلس النواب، والذى بدوره لا يعطيهما العناية الكافية للمناقشة.
ويرجع السبب فى ذلك الى عدة أمور على رأسها عدم وجود بنى مؤسسية وقانونية داعمة لعملية التنمية فى المجتمع. وغياب الآليات والمؤسسات الوسيطة التى يمكنها أن تلعب هذا الدور رغم النص القانونى على انشائها مثل المجلس التنسيقى للسياسات النقدية المنصوص عليه فى قانون البنوك والمجلس الأعلى للضرائب المنصوص عليه فى قانون الضرائب. بالإضافة إلى ضعف المؤسسات الحاكمة للإدارة الاقتصادية السليمة (مثل جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وكذلك جهاز حماية المستهلك، ناهيك عن الأجهزة الرقابية مثل هيئة الرقابة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات).
وعلى الجانب الآخر فإن الوضع القانونى الحاكم لصنع السياسة الاقتصادية فى مصر، معقد للغاية ويُعانى من الازدواجية وأحياناً التناقض بين القوانين وبعضها بعضا، كما أن التشكيل الوزاري، بوضعه الحالي، كبير ومعقد ومنقسم بشدة، بصورة لا تمكنه من تحقيق الأهداف المنوطة به (كما سبق ان أشرنا فى مقالنا المنشور على هذه الصفحة والمعنون وزير لكل مشكلة) وينحصر دور المجموعة الوزارية الاقتصادية فى القضايا الجزئية والفرعية وغاب عنها النظرة الاستراتيجية الكلية للأوضاع، وبالتالى ظلت تنظر للأمور نظرة ضيقة للغاية. ناهيك عن تشكيلها الحالى والذى يعانى من مشكلات عديدة حيث يغيب عنها وزيرة القوى العاملة، وكذلك الزراعة والتضامن الاجتماعى رغم أهمية وحيوية هذه الوزارات.

وتشير تجارب النمو التى نجحت فى معظم البلدان الى العديد من الأمور التى يجب أخذها بالحسبان منها ضرورة السير بالإصلاحات الاقتصادية جنباً إلى جنب مع الإصلاحات السياسية، فلا يمكن أن تنجح الأولى بمعزل عن الثانية، بل يجب أن تتم بالتوازى معها. كما يجب أن تعود نتائجها بالنفع على كافة شرائح المجتمع. وان تحظى بتأييد الغالبية العظمى من الناس، وبالتالى يجب إشراك أكبر عدد من المجتمع فى صنع القرار. وهو ما يتطلب وجود نظام برلمانى قوى ونظام قضائى مستقل. كما يجب ان تكون هناك حكومة قوية تتمتع بالمصداقية والالتزام والشفافية. ووضع أهداف واضحة قابلة للقياس.

لكل ما سبق نرى ان تحسين آليات صنع القرار الاقتصادى بالمجتمع، والأُطُر المؤسسية المنظمة لها، وتعزيز المشاركة فى إدارة البلاد، وإخضاع الحكومة للمساءلة والمحاسبة. يتطلب العمل على عدة محاور أساسية منها ضرورة تطوير مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار، خاصة انه تابع لمجلس الوزراء بالفعل وبه العديد من الكفاءات التى يمكن توظيفها بحيث تصبح أداة من أدوات دعم اتخاذ القرار بالمجتمع، وذلك عن طريق ترك الأمور الخاصة بالبيانات والمعلومات للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، خاصة بعدالتطوير المستمر الذى يمر به الجهاز فى ظل قيادته الحالية، والذى يمكنه من ان يصبح المصدر الأساسى للمعلومات. وقصر دور المركز على تقديم الدعم اللازم لاتخاذ القرار، وهو الدور الغائب عن المركز حتى الآن.


ثانيا انشاء مجلس اقتصادى استشارى بصورة صحيحة، بدلا من القائم حاليا، بحيث يضم المجموعة الوزارية الاقتصادية جنبا الى جنب مع ممثلى الجهات المعنية بصنع القرار الاقتصادى فى المجتمع مثل رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب وكذلك رئيس اتحاد العمال واتحاد الصناعات والغرف التجارية، بالإضافة إلى الخبراء وممثلى المجتمع المدنى وغيرهم.على أن يتم اختيار الأعضاء به عن طريق المنظمات المعنيّة بذلك، بالإضافة إلى عدد محدود من الخبراء والمتخصصين يعينه رئيس الجمهورية.وتكون له سكرتارية دائمة بمواصفات معينة تتلاءم مع طبيعة العمل المنوط بها.

وجدير بالذكر أن فكرة إنشاء هذا المجلس ليست جديدة على المجتمع المصري، إذ نص دستور 1954 فى مادته رقم 174 على «إنشاء مجلس اقتصادى يبيّن القانون نظامه واختصاصاته، ويتولى بحث مشروعات القوانين وغيرها من الشئون الاقتصادية التى يحيلها إليه البرلمان أو الحكومة». وهو نفس ما ذهب إليه دستور 2012 (الملغي) فى مادته رقم 207 حيث نصت على «إنشاء المجلس الاقتصادى والاجتماعي»، وحددت دوره فى دعم مشاركة فئات المجتمع فى إعداد السياسات الاقتصادية وتعزيز الحوار المجتمعي، كما أجبرت الحكومة والمجالس النيابية على أخذ رأى المجلس فى مشروعات القوانين والسياسات الاقتصادية. ووضعت تصورا لتشكيله من 150 عضواً تختارهم تنظيماتهم المنتخبة ووضعت شرطاً أساسياً هو عدم الجمع بين عضوية هذا المجلس والحكومة». وان كنا نرى ان هذا العدد مبالغ فيه كثيرا ويحد من فاعليته فى اتخاذ القرار، اذ يجب ألا يزيد باى حال من الأحوال عن عشرين عضوا، كما يجب ان يتضمن ممثلى الحكومة جنبا الى جنب مع الأطراف الأخرى حتى يتم الحوار بصورة كاملة وبناء على معلومات صحيحة.


ونظرا لأن دستور «2014» لم يتضمن النص على هذا المجلس، فيمكن النظر فى إصداره بقرار من رئيس الجمهورية مما يمنحه المزيد من المرونة والاستقلالية بعيدا عن الحكومة أو البرلمان.


وهنا نرى أن إنشاء هذا المجلس يُعد خطوة ضرورية ومهمة نحو تفعيل الديمقراطية والمشاركة المجتمعية فى صنع القرار، الأمر الذى يؤدى الى توسيع قاعدة المشاركة فيه وتعدد الأطراف الممثلة للمجتمع بما يضمن تحقيق المشاركة الكفء فى صنع السياسة الاقتصادية. والمتابعة الدقيقة للسياسات لتقويم آثارها الاجتماعية والاقتصادية. والتواصل مع المجتمع وشرح أهداف وآليات السياسات المُزمع تطبيقها، ويحقق التواصل الفعال مع المجتمع المدنى ومنظماته الأهلية، وبالتالى الحد من تضارب القرارات وضمان استمرارية السياسات بغض النظر عن التعديلات الوزارية.


نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟