المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

ثيوروس والمفتى ووزير الأوقاف

الإثنين 27/يوليو/2015 - 11:13 ص

لا يمكن أن يكون هناك علم من العلوم دون نظرية، ويستحيل أن ينشأ فكر على أي مستوى من المستويات، وفي أي موضوع من الموضوعات دون أن يتأسس على نظرية، وأي تخطيط سياسي أو إستراتيجي أو إقتصادي لابد أن ينطلق من نظرية معينة؛ وإلا كان عملا عشوائيا يتحدد بالفعل ورد الفعل، مثل الحالة في مصر على مدى العقود الأربعة الماضية.

النظرية كوسيلة لتنظيم التفكير والوصول إلى خلاصات قابلة للتعميم، وتساعد على التنبؤ بمستقبل الظواهر الاجتماعية أو الطبيعية يطلق عليها في اللغة الإنجليزية Theory، وهذا اللفظ الإنجليزي جاء من الجذر اليوناني Theoros، وثيوروس هذا هو بطل أسطورة يونانية، هذه الأسطورة تقول: إن الحياة هي مهرجان كبير جداً؛ يأتي إليه جميع الناس؛ بعضهم يأتي للبيع أو للشراء، وبعضهم للعب، وبعضهم للتسابق والمبارزة، وبعضهم…وبعضهم…الخ، إلا صاحبنا ثيوروس الذي جاء ليجلس فوق حائط مرتفع، منزويا هناك، مهموماً بملاحظة كل ما يحدث في هذا المهرجان، وتتبع سلوكيات كل أصناف الناس، لكي يخرج بنظرية عن كل جانب من جوانب هذا المهرجان الكبير، أو هذه الحياة الصغيرة.

ثيوروس هذا جاء إلى مصر الآن ولفت إنتباهه ما يقوم به فضيلة المفتي ومعالي وزير الأوقاف، ولاحظ أنماطاً غريبة من السلوكيات؛ ولكنها متشابهة بينهما، جوهرها ونظريتها تدخل في إطار القول المأثور تَوَلَىَ ما كُفِيَ وضَيَعَ ما تَوَلَىَ، أي ترك مسئولياته وانشغل بمسئوليات الآخرين، وقد أسر الصديق ثيوروس لكاتب هذه السطور بما وصل إليه:

أولا: لاحظ ثيوروس أن كليهما قد اهتم بموضوعات، وتصدى لمشكلات ليس من صميم مسئولياته التي سيحاسب عليها يوم الدين، ففي ظل إنشغال كل منهما بجذب انتباه رئيس الجمهورية، ورغبة كل منهما في أن يكون شيخ الأزهر القادم، تحول وزير الأوقاف والمفتي إلى وزراء خارجية وإعلام وداخلية، بل أصبح كل منهما منافساً للسيد بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة في الشجب والإستنكار الدولي؛ في كل حادثة في الدنيا تكون فيها رائحة قد يشم منها علاقة بالإسلام، وأصبح كلاهما أكثر نشاطا على المستوى الدولي والإقليمي من كل من أمين عام الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

ثانياً: لاحظ ثيوروس أن كليهما نسي أنه يعمل موظفاً في الحكومة المصرية؛ أحدهما بدرجة وزير في السلطة التنفيذية، والآخر موظف كبير في وزارة العدل، وتعامل كلاهما بصلاحيات لا تعطيها له وظيفته، ولا تسمح له بها اختصاصاته، فقد تصرف كلاهما على أساس أنه شيخ الأزهر، أو بابا الفاتيكان، وظن أن له سلطة دينية تعطيه الحق في التعليق على حوادث تقع في دول مجاورة، أو في دولته ولكن ضمن نطاق اختصاص وزارة أخرى، وقد انزعج ثيوروس عندما سمع من معالي وزير الأوقاف، أنه انتهى من تطوير مناهج التعليم الديني في مصر في ظرف بضعة أيام بعد دعوة الرئيس لإصلاح الخطاب الديني، وإشتد الإنزعاج عندما عرف أنه لا يتبع وزارة الأوقاف أى مدارس أو مؤسسات تعليمية، وتساءل … لماذا هجمت وزارة الأوقاف على اختصاصات وزارة التربية والتعليم والأزهر؟ وهل تملك وزارة الأوقاف الكوادر والقدرات التربوية المؤهلة لتطوير وإصلاح المناهج؟ وأين تقع الأزمة إذا كانت وزارة الأوقاف تقدم الحل؟ ومن هو المريض إذا كانت وزارة الأوقاف هي الطبيب؟.

ثالثاً: انزعج ثيوروس من طبيعة علاقة كل من وزير الأوقاف، وفضيلة المفتي مع الإمام الإكبر شيخ الجامع الأزهر، حيث يبدو أنهما يتعاملان مع شيخ الأزهر كندٍ، أو زميل، أو منافس، وتغيب عنهما تقاليد الأزاهرة في التعامل مع رأس المؤسسة الأزهرية في مصر؛ حيث يكون المفتي ووزير الأوقاف تلاميذ، أو أتباعا أو مريدين لشيخ الأزهر، وقد قدم فضيلة المفتي السابق نموذجا يحتذى به في هذا الصدد، فعلى الرغم من أنه كان مرشحا منافسا لتولى مشيخة الأزهر، فإنه عندما لم يتم إختياره تعامل مع الإمام الأكبر بالعرف الأزهري المستقر، وبأدب علماء الأزهر وتقديرهم لمشايخهم.

رابعاً: لاحظ ثيوروس أن كليهما استدرج من قبل التنظيمات السياسية التي توظف الدين للوصول إلى أهدافها؛ مثل جماعة الإخوان وأخواتها وبناتها وحفيداتها من تنظيمات تهدد حاضر العالم الإسلامي ومستقبله، ونزل كلاهما بالدين إلى السياسة الدنيا، بدلا من أن يكون مرجعا لقيم وأهداف وغايات السياسة العليا، ودخلا في حالة من المواجهة الحزبية السياسية التي لا تليق بعلماء الدين ورموزه، بل تم إستدراجهما لنفس مربع تلك الجماعات، ولقد كادت رأس ثيوروس أن تنفجر عندما يسمع أيهما يصرح بأن ما تقوم به داعش، أو مجرمو سيناء لا يمت للإسلام بصلة…وهل يا مولانا هناك عاقل في مصر أو في العالم يظن أن هذه الجرائم تمت للإسلام بصلة لكي تنتفض فضيلتك لتنفي هذه التهمة عن الإسلام؟ هل سمعت فضيلتك ما قاله رئيس أمريكا ورئيس وزراء بريطانيا وآخرون؟…لقد قالوا إن هذه التنظيمات لا تمت للإسلام بصلة…!؟

خامساً: تساءل ثيوروس…أين وزير الأوقاف من تدريب الإئمة والوعاظ؟، وأين دور وزارة فضيلته من نظافة المساجد التي تصيب الساجدين بأزمات ربوية من تراكم التراب على فرشها؟ ولن يسأل أحد عن نظافة حمامات المساجد…! وأين دور وزارته في الارتقاء بمهنة الخطابة لكي تتمكن من جذب الأجيال الجديدة، والتخلص من الأساليب العقيمة الزاعقة المنفرة؛ التي أسهمت في دفع كثير من الشباب للإلحاد؟..وأين…وأين …وأين؟.

 

ونفس الأمر بالنسبة لفضيلة المفتي الذي يحتاج إلى أن ينظر في تجربة الإفتاء في المملكة المغربية؛ حيث هناك مراكز منتشرة في جميع المدن والمحافظات والتجمعات السكانية، بل وحيثما توجد الجاليات المغربية … هل لدار الإفتاء حضور مؤسسي خارج القاهرة؟ ولماذا لا تكون هناك مراكز للإفتاء في كل مركز ومحافظة وحيثما توجد الجاليات المصرية في الخارج؟.. وهل قارنت دار الإفتاء دورها مع ما يقوم به المفتون التليفزيونيون من غير أصحاب التأهيل الشرعي الصحيح؟….وهل…وهل …وهل؟.

تحتاج وزارة الأوقاف ودار الإفتاء إلى أن تلتفت للمجتمع والناس، وأن تبذل الجهد المضني وطويل الأجل لتقديم خطاب إسلامي يمكن الشباب من أن يعيشوا العصر بقيم الإسلام، وأن يثقفوا الناس، ويغرسوا القيم، ويهذبوا الأخلاق بوسائل العصر ولغته، ويحتاج وزير الأوقاف وفضيلة المفتي أن يرفعوا من أمام عيونهم صورة الرئيس، وأن يحمدوا الله على هذا المنصب، وأن يعيدوا قراءة كتاب تقي الدين السبكي معيد النعم ومبيد النقم لعلهما يجدان فيه منهجا لشكر نعمة الله على ما هم فيه. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟