«داعش في مواجهة معنا، وسلاحها هو صور رهيبة وغير إنسانية. بعض الناس يدعون إلى حذف محركات البحث نتائج المحتوى حين ينقر أحدهم كلمة جهاد أو داعش، فلا يجد الباحث ضالته»، قالت فيكتوريا غراند، مديرة سياسة الاستراتيجيا في غوغل في مقابلة نشرتها هذه الصحيفة. و«لكن غوغل لا تؤيد مثل هذا الحل. فشطر كبير من نتائج البحث على يوتيوب تعليمي يتناول أصول هذه المنظمة ويُبلغ الناس مخاطرها وعنفها. والمسألة تدور على الموازنة بين إطلاع الناس على معلومات تمكنهم من مناقشة مسألة داعش وخطرها وعدم التحول إلى قناة أو أداة بث البروباغندا الداعشية».
وبعض المشرعين الأميركيين والمسؤولين الحكوميين يرون أن شركات الإنترنت لم تفعل ما يكفي في مواجهة «داعش»، وأن الإرهابيين يستغلون هذه الشركات، على قول جون بي. كارلن، نائب المدعي العام في الأمن القومي الأميركي. وليست هذه المشكلة أميركية فحسب. وتطالب حكومات وسياسيون في أصقاع العالم كله شركات الإنترنت بتقييد المحتوى الإرهابي على النت.
ونبه محلل ميداني في وزارة الأمن القومي الأميركية أن «الدولة الإسلامية» تتوسل وسائط الإعلام الاجتماعي لتوسيع رقعة دعوتها ونفوذها واستمالة آلاف المؤيدين في العالم على الخط (أونلاين) على «تويتر» وغيره من المواقع.
ويطالب بعض الحكومات الأوروبية شركات التواصل الاجتماعي حذف منشورات وثيقة الصلة بالإرهاب أو حظرها. وفي مطلع هذا الشهر (تموز/يوليو)، صادقت لجنة مجلس الشيوخ للشؤون الاستخباراتية على قانون يُلزم شركات التواصل الاجتماعي إبلاغ السلطات الفيديرالية عن رصد محتوى إرهابي على مواقعها.
والقانون لا يقتضي مراقبة الشركات هذه مستخدميها ولا محادثاتهم. ودعت لجنة خبراء أممية هذه الشركات إلى الرد على اتهامها بأن «الدولة الإسلامية» وغيرها من المجموعات تتوسل بمواقعها إلى نشر عقيدتها. وفي الولايات المتحدة، يخالف أي قيد حكومي على الكلام، مهما كان مؤذياً أو كريهاً، الدستور، والتعديل الأول على وجه التحديد. وتضطر شركات التواصل الاجتماعي- وكل منها له ثقافته ورسالته ورؤيته إلى العالم - إلى ارتجال حلول وتوجيه دفة حظر أو حذف محتوى ينشر دعوة إرهابية. وما كشفه المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن( اختراق الحكومة الأميركية مواقع شركات التكنولوجيا)، حمل هذه على التحفظ والحذر في التعاون مع واشنطن. ولا شك في أن فايسبوك كان أكثر شركات التواصل الاجتماعي إقبالاً على حذف المحتوى الوثيق الصلة بالإرهاب. فهذه الشركة انتهجت سياسة «صفر تسامح» مع مثل هذا المحتوى على خلاف غيرها من الشركات. ويدعو فايسبوك مستخدميه إلى الإبلاغ عن منشور يروج للإرهاب أو يحتفي به، ويوظف متصفحين يراجعون المحتوى الذي قد ينتهك معاييره.
ووجه مؤيدو «الدولة الإسلامية» تهديدات بالقتل إلى موظفي «تويتر». وثمة معضلة تجبهها شركات التواصل الاجتماعي: صعوبة التمييز بين بيانات مجموعات إرهابية ومنشورات منظمات إخبارية وسائر المستخدمين. ومؤيدو حرية الإنترنت يرون أن منشورات مجموعات إرهابية مثل «الدولة الإسلامية» على الإنترنت هي جزء من السجل التاريخي، ولو كان شطراً كبيراً مما تبثه من صور وفيديو مروعاً.
ويشير هؤلاء إلى صورة لا تنسى نشرتها وكالة «أسوشيتد برس» تظهر قائد شرطة فيتنام يطلق النار على رأس مقاتل يشتبه بانتمائه إلى «فيت كونغ» في شارع من شوارع سايغون. وفاز ملتقطها بجائزة بوليتزر، وارتقت إلى مصاف رمز الفوضى والعنف في حرب فيتنام. ويتساءل مؤيدو حرية الإنترنت عن المصير الذي كانت ستلقاه من منع أو حظر في عصر الحرب الرقمية العصرية ووسائط التواصل الاجتماعي.
«يحتاج المرء في عالم اليوم إلى بلوغ المعلومات والأخبار، أي حيازة وثائق. فشريط فيديو يظهر إعدام داعش عدداً من الرهائن هو، في آن، بروباغندا وحادثة وقعت. وهذا الواقع الملتــبس هو معضلة تقف أمامها شركات الإنترنت. فهي لا ترغب طبعاً في المشاركة في ترويج مثل هذه البروباغندا»، يقول اندرو ماكلوفلن، مدير تنفيذي سابق في غوغل.
قبل عصر وسائط التواصل الاجتماعي، كانت الحصة الأكبر من تسجيلات بن لادن الصوتية وتسجيلات الفيديو تسجل في أماكن قصية ويتولى تهريبها سعاة بريد أو رسل وتبث على «الجزيرة». وكانت أسابيع تفصل بين وقت التسجيل ووقت البث والذيوع. وكان أعضاء «القاعدة» يتواصلون في منابر إلكترونية تحميها كلمات سر. وولوج هذه المنابر كان مقيداً ومراقباً. وكانت المجموعات الجهادية تقرر ما ينشر. وقبل مقتله أشاد بن لادن بانتشار العقيدة الجهادية بواسطة الإنترنت. وكانت منظمة «الشباب» الصومالية المتحالفة مع «القاعدة» أول منظمة إرهابية تتوسل بتويتر إلى نشر البروباغندا وقيادة الهجمات. وفي أيلول (سبتمبر) 2013، بث «الشباب» بثاً مباشراً» على تويتر خبر الهجوم الإرهابي الواسع على مركز «ويست غايت» للتسوق في نيروبي. وقال في تغريدة إن ما ينزل بالكينيين في ويست غايت هو عدالة انتقامية جزاء جرائم ارتكبها جيشهم، ثم نشرت المجموعة عدد القتلى في «المول». وحينها أبطل تويتر عمل حساب «الشباب» @HMS. ولكن سرعان ما أنشأت منظمة «الشباب» حساباً جديداً على تويتر. وهذه الخطوة سلطت الضوء على عسر ضبط هذا المنبر وعلى الفائدة المرتجاة منه. وتتوسل «الدولة الإسلامية» بتويتر لاستمالة حوالي 21 ألف «متتبع» غربي لها أو متقفي أثر على تويتر واستقطابهم إلى ما يسمى الخلافة. ويقول جيمس بي كومي، مدير الـ «أف بي آي» أن رسالة «داعش» مفادها «تعالى إلى ما يسمى الخلافة ففيها المجد أو مثيله، وإذا تعذر ذلك ما عليك سوى أن تقتل أحدهم أو من يرتدي بزة، وإذا وسعك قطع رأسه فهذا أمر عظيم يجب أن تسجله على فيديو». فـ»داعش» في مثابة «الوَسواس على كتف المرء يوسوس طوال النهار قائلاً: اقتل اقتل اقتل». وعلى رغم إغلاق تويتر الحسابات الإرهابية المرتبطة بداعش، يرى مارك والاس، سفير أميركي سابق، أن تويتر تقدم دعماً مادياً لداعش. فهي أداة ترويج العنف. نقلا عن الحياة
* عن «واشنطن بوست» الأميركية، 16/7/2015، إعداد منال نحاس